النقاط الرئيسية
- بيل غيتس يحذر من انهيار النظام العالمي خلال العقود المقبلة بسبب تفكك التعاون الدولي.
- العمل الخيري لا يمكن أن يعوض دور الحكومات في تحقيق العدالة والتنمية.
- التكنولوجيا وحدها غير كافية دون سياسات ذكية وتعاون دولي حقيقي.
- ماذا يمكننا أن نفعل؟
في زمنٍ تتسارع فيه الأزمات وتتباطأ الحلول، خرج بيل غيتس بتحذيرٍ غير مألوف في نبرته ولا في توقيته. قالها بصراحة: “العالم يقترب من الانهيار.. والوقت ينفد.”
تحذير لم يصدر من ناشط بيئي أو خبير سياسي، بل من أحد أبرز رموز التكنولوجيا والعمل الخيري في القرن الحادي والعشرين.
غيتس، في حديثه لصحيفة L’Express الفرنسية، رسم خريطة مقلقة لما سماه “الانحدار الجماعي في الإرادة العالمية”. فهو يرى أن النظام الدولي الذي دعم التنمية منذ عقود بدأ يتآكل، مع تصاعد النزعات القومية وتراجع الالتزامات المشتركة.
ووفقًا لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، تراجعت المساعدات التنموية بنسبة 5% عام 2023، رغم تزايد الأزمات البيئية والغذائية في الجنوب العالمي.
تراجع الالتزام ومسؤولية الحكومات
يشير غيتس إلى أن العالم الغني يعيش “إغراء الانكفاء الداخلي”، بينما تتفاقم الأزمات التي تحتاج إلى تضافر الجهود. فالفقر لا يزال يحاصر أكثر من 570 مليون إنسان وفق بيانات البنك الدولي، مما يهدد أهداف التنمية المستدامة.
وبرأيه، فإن العمل الخيري مهما اتسع لا يمكن أن يحلّ محلّ الحكومات. إذ تستطيع المؤسسات الخيرية تمويل مبادرات عاجلة، لكنها عاجزة عن إصلاح البنى السياسية والاقتصادية التي تُنتج الأزمات ذاتها.
إنجازات مهددة في صحة الأطفال
رغم الصورة القاتمة، يرى غيتس بصيص أمل في التقدم الصحي. فعدد وفيات الأطفال دون الخامسة تراجع من 12 مليون عام 1990 إلى 5 ملايين فقط عام 2021، بفضل التوسع في التطعيم وتحسين الرعاية الصحية.
لكن هذا المكسب مهدد بالتراجع، بعد أن تسببت جائحة كورونا بتعطيل برامج التطعيم في أكثر من 70 دولة. وتشير دراسة في The Lancet إلى أن العودة لمستويات ما قبل الجائحة قد تستغرق سنوات.
المناخ.. الخطر الأعظم
يصف غيتس أزمة المناخ بأنها “مضاعفة للمخاطر”، لأنها تضرب الفقراء أولاً وتنسف مكاسب التنمية. فبحلول عام 2030، قد تصل احتياجات التكيف المناخي إلى أكثر من 300 مليار دولار سنويًا، بينما التمويل الحالي لا يغطي نصف ذلك.
ورغم تشاؤمه، لا يفقد غيتس الإيمان بالعلم. فهو يدعم من خلال شركته Breakthrough Energy أبحاثًا في مجالات الطاقة النووية النظيفة، والتقاط الكربون، والبروتينات البديلة.
إلا أنه يحذر من “عبادة التكنولوجيا”، مؤكدًا أن الابتكار دون سياسات عادلة لن يغيّر شيئًا، وأن الحل الحقيقي يبدأ من حوكمة رشيدة وتعاون دولي حقيقي.
العمل الخيري ليس خالدًا
في خطوة فريدة، أعلن غيتس أن مؤسسة “بيل وميليندا غيتس” ستُحلّ خلال 25 عامًا من وفاته وزوجته السابقة ميليندا.
برأيه، المؤسسات الخيرية يجب أن تكون “مؤقتة وفعّالة”، لا كيانات خالدة تصاب بالبيروقراطية. هذه الفلسفة الجديدة تهدف إلى ترك أثر ملموس قبل فوات الأوان، بدلًا من الاكتفاء بالمشاريع الرمزية.
خلاصة القول
رسالة بيل غيتس هي نداء إنساني لإنقاذ روح التعاون العالمي قبل أن تتحول الأزمات إلى انهيار شامل. فالعالم لا يفتقر إلى الحلول، بل إلى الإرادة. والتاريخ سيحكم على قدرتنا في هذه اللحظة على الاختيار بين الفوضى والتجديد.
ماذا يمكننا أن نفعل؟ مسؤولية الفرد في إنقاذ العالم
تحذير بيل غيتس ليس دعوة إلى اليأس، بل إلى اليقظة والمسؤولية. فالعالم لا ينهار دفعة واحدة، بل حين نتوقف عن الإيمان بقدرتنا على التغيير. وهنا، يصبح دور كل فرد محوريًا، مهما كان بسيطًا.
1. توسيع الوعي العالمي
ابدأ من فهم الصورة الكبرى: فالأزمات مترابطة — المناخ، الفقر، الصحة، والسياسة. الوعي ليس رفاهية فكرية، بل ضرورة للبقاء. اقرأ وتابع المصادر الموثوقة وكن جزءًا من الحوار العالمي بدلًا من الانغلاق في دائرة الأخبار المحلية.
2. دعم الابتكار المسؤول
التكنولوجيا أداة قوية، لكن قيمتها في استخدامها الأخلاقي. اختر دعم المبادرات التي تعمل في مجالات الطاقة النظيفة، والتعليم الرقمي، والصحة العامة. فاختياراتك كمستهلك يمكن أن تكون تصويتًا لمستقبل أفضل.
3. ممارسة المواطنة الكوكبية
كن فاعلًا في مجتمعك المحلي، لكن بوعي عالمي. شارك في مبادرات تطوعية، أو دعم مشاريع تنموية وصحية. حتى مشاركة معلومة موثوقة على الإنترنت تساهم في بناء وعي عالمي مسؤول.
4. تبنّي نمط حياة أقل ضررًا
التحول يبدأ من التفاصيل اليومية: قلل الهدر الغذائي، ترشّد في استهلاك الطاقة، واختر المنتجات الأقل ضررًا للبيئة. هذه الأفعال الصغيرة، إذا تبناها ملايين البشر، تصنع فرقًا أكبر من أي اتفاقية عالمية.
5. مساءلة الحكومات والشركات
كما قال غيتس، “العمل الخيري لا يعوّض الحكومات”. لذلك يجب علينا المطالبة بسياسات عادلة ومساءلة الشركات والحكومات عن التزاماتها البيئية والإنسانية. فكل صوت وانتخاب وموقف مسؤول يغيّر المعادلة.
في النهاية، ما يتعين علينا جميعًا هو استعادة حسّ المسؤولية المشتركة. فالعالم لن يُنقَذ بالابتكار وحده، بل بإرادة الإنسان حين يقرر أن يعيش كجزء من كوكب واحد، لا كجزر معزولة.
المصدر:
- مقابلة بيل غيتس مع صحيفة L’Express الفرنسية
- تقارير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)
- بيانات البنك الدولي
- مجلة The Lancet عام 2023



