لعقود طويلة، كان اسم “بيل غيتس” مرادفًا للثروة المطلقة. الشاب الذي أسس إمبراطورية “مايكروسوفت” من مرآب منزله، وتربع على عرش أغنى رجل في العالم لـ 18 عامًا، كان يمثل الحلم الأمريكي في أبهى صوره. لكن اليوم، في تحول دراماتيكي يعيد تشكيل مفهوم الإرث، أصبح خروج غيتس من قائمة أغنى 10 شخصيات في العالم هو قصته الأكثر إلهامًا. هذا التراجع ليس قصة فشل، بل هو تتويج لمشروع حياة جديد: التخلي عن ثروة بيل غيتس الطائلة من أجل بناء عالم أفضل.
نقطة التحول: من تراكم رأس المال إلى استثماره في البشرية
لفهم هذا التحول، يجب العودة إلى عام 2010. في ذلك العام، أطلق غيتس بالتعاون مع وارن بافيت مبادرة “تعهد العطاء”، وهي دعوة غير مسبوقة لأصحاب المليارات للتبرع بما لا يقل عن نصف ثرواتهم. لم تكن هذه مجرد لفتة خيرية عابرة، بل كانت إعلانًا فلسفيًا جديدًا: أن الهدف الأسمى للثروة الهائلة ليس استمرار تكديسها، بل تحويلها إلى أداة لإحداث تغيير جذري ومستدام.
من خلال “مؤسسة بيل وميليندا غيتس”، التي أنفقا عبرها أكثر من 60 مليار دولار حتى الآن، بدأ غيتس في تطبيق هذه الفلسفة على أرض الواقع. بدلًا من الأسهم والأصول، أصبحت وحدات قياس نجاحه الجديدة هي عدد الأرواح التي تم إنقاذها بفضل اللقاحات، وعدد المزارعين الذين تحسنت إنتاجيتهم بفضل التقنيات الزراعية الحديثة، وعدد الأطفال الذين حصلوا على فرصة للتعليم الجيد. تشير التقديرات إلى أن استثمارات المؤسسة في “التحالف العالمي للقاحات والتحصين” (Gavi) وحدها ساهمت في تطعيم أكثر من مليار طفل، ومنع ما يقرب من 17 مليون حالة وفاة.
ماذا لو لم يتبرع؟ معادلة التريليون دولار
يثير مسار بيل غيتس والعمل الخيري سؤالًا افتراضيًا مذهلًا: ماذا لو احتفظ بكامل حصته في مايكروسوفت؟ تشير التقديرات إلى أن ثروته اليوم كانت ستتجاوز 1.2 تريليون دولار، أي ثلاثة أضعاف ثروة أغنى شخص في العالم حاليًا. لكن هذا الرقم، على ضخامته، يبدو باهتًا أمام الأثر الحقيقي الذي أحدثته الأموال التي تم التبرع بها.
هذا التريليون دولار الافتراضي هو الثمن الذي قرر غيتس “دفعه” مقابل محاربة أمراض مثل شلل الأطفال والملاريا والإيدز، ودعم الابتكار في مجالات الطاقة النظيفة، وتمكين النساء والفتيات في المجتمعات النامية. إنه يمثل تحولًا في الأولويات، حيث تصبح العوائد الاجتماعية والإنسانية أكثر قيمة من العوائد المالية.
نظرة مستقبلية: إرث يتجاوز التكنولوجيا
مع اقتراب بيل غيتس من السبعين، يتضح أن إرثه الحقيقي لن يكون نظام “ويندوز”، بل النموذج الذي يقدمه للجيل القادم من الأثرياء. في عالم يتجه فيه أقرانه مثل إيلون ماسك وجيف بيزوس إلى غزو الفضاء وتطوير الذكاء الاصطناعي، يركز غيتس على التحديات الأكثر إلحاحًا على كوكب الأرض.
التأثير المتوقع على بيل غيتس: شخصيًا، هذا المسار يمنح غيتس إرثًا فريدًا يضعه في مصاف كبار المحسنين في التاريخ مثل أندرو كارنيجي وجون روكفلر، لكن بمقاييس القرن الحادي والعشرين. إنه يتحول من أيقونة للرأسمالية التقنية إلى رمز للرأسمالية الواعية، التي تدرك مسؤوليتها تجاه مستقبل الكوكب.
التأثير على العمل الخيري العالمي: من المتوقع أن يلهم نموذجه المزيد من الأثرياء لتبني “العطاء الاستراتيجي” الذي لا يقتصر على التبرع، بل يركز على حل المشكلات من جذورها باستخدام البيانات والابتكار. كما أن تعهده بإنفاق كامل ثروته وإنهاء أعمال المؤسسة بحلول عام 2045 سيضع ضغطًا إيجابيًا على المنظمات الخيرية للعمل بكفاءة وشفافية لتحقيق أقصى تأثير في إطار زمني محدد.
في النهاية، قصة تراجع ثروة بيل غيتس عن قمة قوائم المال ليست سوى صعود إلى قمة جديدة، قمة لا تُقاس بالدولار، بل بالأثر الإيجابي الباقي في حياة الملايين.
المصدر:
مجلة “CEOWORLD”، وتقارير مؤسسة بيل وميليندا غيتس، ومؤشر بلومبيرغ للمليارديرات.
الأسئلة الشائعة:
1. لماذا خرج بيل غيتس من قائمة أغنى 10 أشخاص في العالم؟
خرج بيل غيتس طواعية بسبب التزامه بالتبرع بمعظم ثروته الهائلة للأعمال الخيرية عبر “مؤسسة بيل وميليندا غيتس”، مما أدى إلى انخفاض صافي ثروته الشخصية.
2. كم تبلغ قيمة الأموال التي تبرع بها بيل غيتس حتى الآن؟
من خلال مؤسسته، تم إنفاق أكثر من 60 مليار دولار على مشاريع صحية وتنموية وتعليمية حول العالم منذ تأسيسها في عام 2000.
3. كم كانت ستبلغ ثروة بيل غيتس لو لم يتبرع بأمواله؟
تشير التقديرات إلى أنه لو احتفظ بكامل حصته في شركة “مايكروسوفت” ولم يتبرع، لكانت ثروته اليوم قد تجاوزت 1.2 تريليون دولار أمريكي.
4. ما هو “تعهد العطاء” الذي أطلقه بيل غيتس؟
هو مبادرة أطلقها عام 2010 مع وارن بافيت، تدعو أغنى أغنياء العالم إلى التعهد بالتبرع بأغلبية ثرواتهم للأعمال الخيرية إما في حياتهم أو في وصاياهم.
5. ما هو الهدف المستقبلي لمؤسسة بيل وميليندا غيتس؟
يخطط بيل غيتس للتبرع بكامل ثروته تقريبًا وإنهاء أعمال المؤسسة بحلول عام 2045. بهدف تركيز الجهود على حل المشكلات الملحة خلال العقدين القادمين.