🪐 العلماء يقتربون من حل لغز المادة المظلمة بعد رصد إشعاع غامض في درب التبانة

بعد أكثر من نصف قرن من البحث، يعتقد علماء الفيزياء الفلكية أنهم باتوا على وشك فكّ أحد أعقد أسرار الكون: المادة المظلمة، التي تُشكّل نحو ربع مكونات الكون، لكنها ظلت غير مرئية ولا يمكن رصدها مباشرة.

الباحثون من جامعة جونز هوبكنز الأميركية ومعهد لايبنيز لفيزياء الفلك في ألمانيا أعلنوا عن مؤشرات جديدة مثيرة، استندت إلى تحليلات دقيقة لبيانات تلسكوب “فيرمي” الفضائي التابع لوكالة ناسا، كشفت عن توهّج غامض من أشعة غاما في قلب مجرتنا درب التبانة.

ما الذي اكتشفه العلماء تحديدًا؟

لاحظ فريق البحث أن هذا التوهّج لا يمكن تفسيره بمصادر معروفة مثل النجوم النابضة أو بقايا المستعرات العظمى، ما دفعهم إلى فرضية أكثر جرأة: أن هذا الإشعاع قد يكون ناتجًا عن تصادم جزيئات المادة المظلمة ببعضها، ما يُنتج ومضات من أشعة غاما عالية الطاقة.

وللتأكد، أجرى العلماء محاكاة فائقة التعقيد لتاريخ تشكّل مجرتنا، واستخدموا حواسيب عملاقة لرسم خريطة لتوزع المادة المظلمة في الفضاء المحيط بنا. النتيجة كانت مدهشة: النماذج أوضحت أن درب التبانة تكوّنت داخل سحابة ضخمة من المادة المظلمة جذبت إليها المادة العادية، مما زاد من كثافتها في مركز المجرة، حيث لوحظ التوهّج الغامض بالضبط.

تطابق مذهل بين النظرية والمشاهدة

البروفيسور جوزيف سيلك من جامعة جونز هوبكنز علّق على النتائج قائلاً:

“إن الضوء الزائد الذي نراه في قلب المجرة قد يكون أول خيط حقيقي يقودنا إلى المادة المظلمة. إنها القوة الخفية التي تُبقي المجرات متماسكة منذ بداية الزمن.”

أما الدكتور موريتس مورو من معهد لايبنيز فأوضح أن السبب في إخفاق النظريات السابقة كان افتراض أن المادة المظلمة تتوزع بشكل كروي مثالي حول مركز المجرة، بينما تُظهر المحاكاة الجديدة أنها أكثر تسطّحًا وتشابكًا مع البنية الحلزونية لدرب التبانة، مما يفسّر اختلاف القياسات القديمة.

ليست خيالًا علميًا بعد الآن

رغم أن النتائج لا تُعد “دليلًا قاطعًا” حتى الآن، إلا أنها أقوى مؤشر على أن إشعاع غاما المرصود ليس مجرد نشاط نجمي، بل توقيع كوني للمادة المظلمة ذاتها.

ويأمل العلماء في أن يتمكّن مرصد تشيرينكوف الجديد في تشيلي، وهو أقوى تلسكوب لأشعة غاما في العالم، من تأكيد هذه الفرضية بشكل نهائي خلال السنوات القليلة المقبلة.

أرقام وحقائق سريعة

• تشكل المادة المظلمة 26.8% من محتوى الكون.
• المادة العادية (النجوم والكواكب والغاز) لا تتجاوز 4.9% فقط.
• أكثر من 10 آلاف تيرابايت من بيانات فيرمي استُخدمت لتحليل التوهج الغامض.
• فريق البحث استخدم حواسيب بقدرة 8 بيتافلوبس لمحاكاة تطور المجرة منذ 13 مليار سنة.

بين الفيزياء والحدس الكوني

هذا الاكتشاف لا يغيّر فقط فهمنا لبنية الكون، بل يفتح الباب أمام ثورة جديدة في علم الفيزياء الفلكية. فإثبات وجود المادة المظلمة بشكل مباشر سيعيد كتابة كثير من النظريات حول الجاذبية وتكوّن المجرات.

المثير أن هذه المادة، رغم أنها لا تصدر ضوءًا ولا تمتصه، تُشكّل “الهيكل الخفي” الذي يدعم الكون. بدونها، لم تكن المجرات لتبقى متماسكة، وكان الكون سيتفكك منذ بداياته.

ما الذي ينتظرنا لاحقًا؟

العلماء يتطلعون الآن إلى مراقبة مجرات قزمة قريبة من مجرتنا، مثل القوس القزم وسما تراكتيكوس، لرصد إشارات مماثلة. وإذا تم تأكيدها، فقد نكون على أعتاب أول إثبات تجريبي مباشر لوجود المادة المظلمة — وهو إنجاز سيوازي اكتشاف موجات الجاذبية أو حتى اكتشاف الإلكترون في أهميته.

المصدر:

جامعة جونز هوبكنز – معهد لايبنيز لفيزياء الفلك – NASA – مجلة Physical Review Letters