النقاط الرئيسية
- الكابلات البحرية هي شرايين الإنترنت، تنقل 99٪ من حركة البيانات بين القارات.
- شركات مثل Cloudflare وAkamai وFastly تحمي وتسّرع مليارات المواقع دون أن نراها.
- منطقة الشرق الأوسط تسعى لبناء بنية تحتية رقمية مستقلة تربط آسيا بأوروبا وأفريقيا.
في كل ثانية تمر، تنتقل مليارات الإشارات الرقمية بين القارات — مكالمات، مقاطع فيديو، صور، وأفكار. نحن نعيش في عالم متصل على مدار الساعة، لكننا نادرًا ما نسأل: من الذي يبقي هذه الشبكة حيّة؟ من يحرس الإنترنت حين نغفو؟
الجواب يقبع في طبقة خفية لا يراها أحد، لكنها تعمل بلا توقف. إنها بنية الإنترنت المجهولة: كابلات تمتد تحت المحيطات، مراكز بيانات لا تنام، وشركات غير مشهورة تحمي المواقع من الانهيار والهجمات. هذه هي القصة التي تدور خلف الشاشة.
الكابلات البحرية.. الشرايين التي تربط العالم
تخيل الإنترنت كجسم ضخم، والكابلات البحرية هي شرايينه التي تنقل الحياة عبر الأعماق. تحت أمواج المحيط، تمتد أكثر من 1.4 مليون كيلومتر من الألياف الزجاجية الدقيقة، أرفع من خصلة شعر، تنقل الضوء بسرعات هائلة بين القارات. هذه الكابلات تحمل 99% من حركة الإنترنت الدولية — بينما تساهم الأقمار الصناعية بأقل من 1%.
في إحدى السفن المخصصة لصيانة الكابلات، يعمل مهندسون في صمت. حين ينقطع أحد هذه الشرايين بسبب مرساة أو زلزال، يهرعون إلى البحر لإصلاحه، لأن انقطاع كابل واحد قد يعزل قارة كاملة عن العالم لبضع دقائق.
إنها مهمة دقيقة تشبه جراحة الأعصاب للكوكب الرقمي. وبينما نحن نكتب أو نشاهد بثاً مباشراً، هؤلاء الغواصون الرقميون يحافظون على نبض الإنترنت دون أن نعرف أسماءهم.
مراكز البيانات.. قلوب الإنترنت التي لا تنام
في أطراف المدن، تقف مبانٍ رمادية ضخمة بلا نوافذ. لكنها في الداخل تعجّ بالحياة: آلاف الخوادم تصدر أزيزًا خافتًا يشبه نبضًا ميكانيكيًا مستمرًا. هذه هي مراكز البيانات، أو ما يمكن تسميته “القلوب الصناعية” للإنترنت.
يوجد في العالم أكثر من 11,000 مركز بيانات، تعمل على مدار الساعة لتخزين وتشغيل الخدمات التي نعتمد عليها كل يوم — من رسائل البريد الإلكتروني إلى مقاطع الفيديو على YouTube وNetflix. في داخلها، أنظمة تبريد عملاقة تمنع الحرارة من قتل الأجهزة، ومهندسون يسهرون على استمرارية الاتصال حتى في أسوأ الظروف.
حين تنقطع الكهرباء في مدينة بأكملها، تظل هذه المراكز تعمل بفضل مولدات احتياطية. وحين يتعطل مركز في مكان ما، تتولى مراكز أخرى المهمة فوراً. كل ذلك يتم في صمت تام، حتى لا يشعر المستخدم بأي خلل.
الحراس الخفيون.. من يحمي الإنترنت من الانهيار؟
لكن السرعة وحدها لا تكفي، فالعالم الرقمي يتعرض يوميًا لهجمات لا تُحصى. شركات مثل Cloudflare وAkamai وFastly تعمل كحراس رقميين على أبواب الإنترنت. تحمي ملايين المواقع من هجمات الحرمان من الخدمة (DDoS) التي يمكن أن تُغرق الخوادم بملايين الطلبات في الثانية.
في أكتوبر 2023، صدّت Google أكبر هجوم إلكتروني في التاريخ بلغ 398 مليون طلب في الثانية. وبعدها بأسابيع، أعلنت Cloudflare أنها احتوت هجومًا آخر وصل إلى 201 مليون طلب في الثانية — لو لم تكن هذه الشبكات موجودة، لانهارت أجزاء من الإنترنت خلال دقائق.
تعمل هذه الشركات عبر آلاف المراكز المنتشرة عالميًا. شبكة Cloudflare مثلًا تمتد إلى أكثر من 310 مدينة في 120 دولة، وتخدم حوالي 20% من مواقع الويب في العالم. أما Akamai، فهي من أقدم الشبكات، ولديها أكثر من 300 ألف خادم حول العالم. كل طلب نرسله عبر المتصفح يمر غالبًا من خلال إحدى هذه الشبكات، دون أن ندري.
نموذج “الثقة المعدومة”.. فلسفة الحماية الجديدة
في الماضي، كانت الشركات تفترض أن من يدخل شبكتها آمن. لكن بعد آلاف الهجمات من الداخل والخارج، ظهرت فلسفة جديدة: “لا تثق بأحد، تحقق من الجميع”. إنه ما يسمى بـ نموذج الثقة الصفرية (Zero Trust)، حيث لا يُسمح لأي جهاز أو مستخدم بالوصول إلى البيانات دون تحقق مستمر.
تبنّت شركات مثل Google وCloudflare هذا النموذج، وأصبح معيارًا عالميًا جديدًا. تشير التقديرات إلى أن 81% من المؤسسات حول العالم تخطط لاعتماده خلال عام 2025، في محاولة لتقليص فرص الاختراق وحماية خصوصية المستخدمين.
الشرق الأوسط.. الحلم ببنية تحتية مستقلة
يقع الشرق الأوسط في قلب الخريطة الرقمية للعالم. تمر عبره عشرات الكابلات التي تربط آسيا بأوروبا، وتتحول دول مثل مصر والسعودية والإمارات إلى مراكز رقمية إقليمية.
في السعودية، أُعلن عن استثمارات تتجاوز 14 مليار دولار لتطوير مراكز بيانات ومشاريع رقمية.
وفي قطر والإمارات، تتوسع شركات مثل Ooredoo وG42 لإنشاء مراكز حوسبة ضخمة.
إنها بداية إدراك أن الأمن السيبراني والسيادة الرقمية لا يقلان أهمية عن الأمن الاقتصادي والسياسي.
تخيل لو أن العالم العربي امتلك “كلاود فلير عربية” تربط الشرق بالغرب وتحمي بيانات المنطقة بقدرات محلية. سيكون ذلك نقلة نوعية في استقلال الإنترنت العربي.
الإنترنت.. آلة تعمل بالثقة والصبر
حين نرسل رسالة عبر الهاتف، أو نشاهد بثًا مباشرًا من قارة أخرى، نشارك دون أن نشعر في أعظم شبكة ابتكرها البشر.
شبكة يعمل خلفها آلاف المهندسين والخوادم والكابلات التي تنبض كالقلوب، وتضيء كالأعصاب، وتحرس كجندٍ مجهولين لا تُذكر أسماؤهم.
الإنترنت ليس مجرد كود أو إشارات؛ إنه كائن حيّ تتشارك في إبقائه على قيد الحياة قوى بشرية وتقنية هائلة. وكلما ازداد اعتمادنا عليه، ازدادت مسؤوليتنا في حمايته — ليس فقط من الفيروسات، بل من الاحتكار والضعف وقلة الوعي.
في النهاية، العالم الرقمي لا يعيش من تلقاء نفسه…
بل بفضل الإنسان الذي يقف خلف الشاشة، يحرس الضوء ويصنع الاتصال.
الأسئلة الشائعة
ما المقصود بالبنية التحتية الخفية للإنترنت؟
البنية التحتية الخفية هي الطبقة غير المرئية من الإنترنت، وتشمل الكابلات البحرية، ومراكز البيانات، وشبكات توزيع المحتوى (CDN)، والأنظمة الأمنية التي تضمن استمرار الاتصال وسرعته حول العالم.
كم عدد الكابلات البحرية التي تربط العالم اليوم؟
يوجد أكثر من 600 كابل بحري نشط ومخطط له حول العالم، يبلغ مجموع أطوالها أكثر من 1.4 مليون كيلومتر، وتنقل نحو 99٪ من حركة الإنترنت الدولية.
ما الدور الذي تلعبه شركات مثل Cloudflare وAkamai؟
تعمل هذه الشركات كـ“حراس رقميين”، حيث توزع حركة الإنترنت عبر آلاف الخوادم حول العالم، وتحمي المواقع من الهجمات الإلكترونية مثل DDoS، وتضمن تحميل الصفحات بسرعة وأمان.
ما هو نموذج الثقة الصفرية (Zero Trust)؟
هو أسلوب حديث في الأمن السيبراني يقوم على مبدأ “لا تثق بأحد وتحَقّق من الجميع”، ويهدف إلى منع أي دخول غير مصرح به حتى من داخل الشبكة نفسها، عبر تحقق دائم ومتعدد العوامل.
هل هناك جهود عربية لبناء بنية تحتية رقمية مستقلة؟
نعم، هناك مشاريع متزايدة في السعودية والإمارات وقطر ومصر لبناء مراكز بيانات ضخمة واستثمارات بمليارات الدولارات لتطوير الإنترنت المحلي وربط المنطقة بالكابلات الدولية.



