النقاط الرئيسيّة
- الولايات المتحدة دخلت ميدان المراقبة الميدانيّة لوقف النار عبر طائرات مسيّرة ومركز تنسيق جديد.
- هذه الخطوة تمنح واشنطن قدرة مستقلّة على قراءة واقع غزة، لكنّها تحمل مخاطر سياسيّة وأخلاقيّة.
- تحالف إسرائيل-أميركا يتمظهر بوضوح في هذا الإطار، بينما يواجه قبولاً محدوداً من الأطراف الفلسطينيّة والمجتمع الدولي.
- رغم أهميّة هذه المراقبة، فإنّ نجاحها يرتبط بمدى التزام الأطراف، وبتعامل ذكي مع ملف المساعدات الإنسانيّة وإعادة الإعمار.
أعلنت وزارة الخارجية الأميركية مؤخّراً تعيين الدبلوماسي المخضرم ستيفن فاجين قائداً مدنياً لـ «مركز جديد معنيّ بتنفيذ اتفاق السلام في غزة»؛ بالتوازي، بدأ القيادة المركزية للجيش الأميركي تشغيل طائرات استطلاع مسيّرة فوق قطاع غزة، بموافقة إسرائيل وبتنسيق مشترك، في خطوة غير مسبوقة تُحوّل واشنطن من دور الوسيط إلى طرف مراقب ميداني. هذا التحوّل يحمل دلالات متعددة من جهات عدّة، لذا من اللازم تفكيكه بعناية.
لماذا هذا التوجّه الأميركي؟
أولى الدلالات هي حرص الولايات المتحدة على امتلاك معرفة مستقلة لما يجري على الأرض بعد سنوات من الاعتماد على التقارير الإسرائيليّة والفلسطينيّة. إذ تبيّن أن:
- المركز المدني-العسكري في جنوب إسرائيل، يُشرف عليه نحو 200 جندي أميركي مختصّون في اللوجستيات والهندسة والأمن، ويُعدّ نقطة مراقبة رئيسيّة.
- استخدام الطائرات المسيّرة (دون دخول فعلي للجنود إلى غزة) يُتيح رصد النشاط البري، تدفّق المساعدات، والتحرّكات العسكريّة المحتملة.
- الانتقال إلى هذا الأسلوب يُعبّر عن إدراك أميركي بأنّ وقف النار هشّ، وأنّ المراقبة الفعليّة المستمرّة ضروريّة لتثبيته وبناء الثقة بين الأطراف.
باختصار، الولايات المتحدة لا تريد أن تُفاجأ من جديد بانفجار تصعيد، فدخلت بموقع استباقي ــ ليس فقط كمراقب خارجي، بل كجهة مشاركة في الإدارة اللوجستيّة والأمنيّة لمرحلة ما بعد الهدنة.
ما الذي تغيّر عمليّا؟
من التغيّرات الملحوظة:
- إنشاء «مركز التنسيق المدني‑العسكري» قرب مدينة كريات جات شمال شرق غزة، يعمل تحت إشراف القيادة الأميركية ويضمّ قوات مختلطة.
- نشر طائرات استطلاع فوق غزة بترتيب إسرائيلي-أميركي، ترصد الحركة البريّة، وتعمل كنوع من «الضامن» البصري لالتزامات وقف النار.
- تطوير منظومة مساعدات جديدة تُدار من خلال مراكز «حزام إنساني» داخل وخارج غزة، مع مراقبة جويّة لتأمين خطوط التوزيع ومنع اختطاف الشاحنات.
هذه التحوّلات عمليّة، لكن سُبل التنفيذ لا تزال محفوفة بصعوبات: البنية التحتية مدمّرة، وتنسيق الأطراف معقّد، وضغط الزمن كبير.
ما الذي تكمن فيه المخاطر؟
إذ إنّ هذه المبادرة الأميركية تُرافقها مجموعة من التحدّيات:
أ) استقبال فلسطينيّ وإقليميّ محدود
قد يُنظر إلى وجود طائرات أميركيّة في الأجواء كرمز لسيطرة خارجيّة أو رقابة دوليّة ليس مطلوباً منها. هذا يُمكن أن يُثير رفضاً شعبياً أو سياسيّاً لدى الفلسطينيّين، ويُضعف شرعية عملية المراقبة.
كما عبّر دبلوماسي أميركي سابق: «إذا كان هناك ثقة تامّة بين إسرائيل والولايات المتحدة، لما كان هناك حاجة لهذا النوع من التسلّط الميداني».
ب) تحدّي الاستدامة والحيادية
كون واشنطن متحالفة بشدّة مع تل أبيب، فإنّ استمراريّة هذه المراقبة تتطلّب إثباتاً متكرّراً بأنها تعمل بشكل نزيه وليس لصالح طرف واحد. وإلّا فإنّ مصداقيّتها ستتآكل، وقد يُستخدم هذا الدور كذريعة لاستمرار وجود أجنبي طويل الأمد، ما يُثير اعتراضات.
ج) الاعتماد على التقنيات وحدها لا يكفي
الطائرات المسيّرة تُعدّ أداة قويّة، لكن «الواقع على الأرض» ما يزال يتطلّب حلولا بشرية وإدارية (مكانات إعادة إعمار، إدارة المساعدات، تأمين المعابر). عدم توفر هذه الجوانب قد يجعل المراقبة جوّاً فقط بدون تأثير جذري.
د) احتمال تصعيد مفاجئ
حتى مع وجود المراقبة، الظروف في غزة قابلة للانفجار — فعودة العنف أو إخلال بأي من بنود وقف إطلاق النار يمكن أن تلغي المكاسب. لذا فإنّ ما نراه ليس بمنزلة ضمان مطلق، بل رصد ومؤقت.
ما الذي يمكن أن يحدث في المستقبل؟
نظراً للوقائع والمعلومات المتاحة، يمكن تحديد عدّة مسارات:
- قد تتحول المراقبة الأميركية إلى نقطة انطلاق لنظام أمني أكبر داخل غزة، يشمل تدريب جهاز أمن فلسطيني، مشاركة دول عربية، وإشراف دولي أكبر.
- إذا نجحت المساعدات الإنسانية وتوزيعها بطريقة أكثر شفافيّة، فقد تُرسّخ هذه الآلية كمكوّن لإعادة إعمار غزة، مع وجود غطاء أميركي-دولي.
- على الجانب الآخر، إذا ظهرت إخلالات كبيرة في وقف النار ولم تتم السيطرة على تسلّح الفصائل، قد تتراجع واشنطن أو تُعيد تقييم مشاركتها، ما قد يؤدي إلى عودة المواجهة.
الخطوة التي قامت بها الولايات المتحدة تُعدّ تحوّلاً في طبيعة التفاعل مع ملف غزة — من الوسيط إلى المراقب النشط. ومع ذلك، فإنّ نجاح هذا الدور ليس مضموناً مسبقاً؛ فهو يعتمد على تضافر مراقبة فاعلة، مشاركة محليّة، إعادة إعمار فعليّة، واستمرار التزام الأطراف. يبقى السؤال الرئيسي: هل سيكون هذا الدور نقطة تحوّل نحو استقرار فعلي في غزة، أو محطة مؤقتة قبل انفجار مجدّد؟
الأسئلة الشائعة
ما الهدف الرئيسي من نشر الطائرات المسيّرة الأميركية؟
الهدف هو توفير صورة مستقلة حول مدى التزام الأطراف باتفاق وقف إطلاق النار، ومراقبة الحركة البريّة والمساعدات داخل غزة بموافقة إسرائيل.
هل ستدخل القوات الأميركية إلى داخل قطاع غزة؟
لا، حتى الآن لم يُعلن دخول قوات قتاليّة أميركيّة إلى غزة؛ الدور يقتصر على مراقبة من خارج أو عند الحدود، وتنظيم مركز تنسيق من الجانب الإسرائيلي.
كيف يمكن للفلسطينيّين أن ينظروا إلى هذا الدور الأميركي؟
قد يُنظر إليه بنظرة متنوّعة: البعض قد يراه دعماً لإنهاء المعاناة، والبعض الآخر قد يراه تدخّلاً يؤدي إلى بقاء السيطرة الخارجيّة أو تحدّ لطموحات الفلسطينيّين في الاستقلال. قبول الدور الأميركي يعتمد على شفافيّته ومشاركتهم فيه.
هل هذا يعني أنّ الحرب انتهت؟
ليس بالضرورة. وقف إطلاق النار لا يعني نهاية الصراع، بل مرحلة يمكن أن تتدهور إن فشلت الضمانات أو إعادة الإعمار أو إن استُؤنف العنف. المراقبة والتحكّم هما عاملان مهمّان لكن ليسا كافيين بمفردهما.



