إعلان

من أين يأتي الإنترنت؟

هل سألت نفسك يومًا: من أين يأتي الإنترنت؟ قد يتبادر إلى الذهن أنه ينتشر لاسلكيًا عبر الأقمار الصناعية أو ينهمر علينا من “السحاب”. ولكن الحقيقة تختلف تمامًا عن هذا التصور. فشبكة الإنترنت التي نعتمد عليها في أعمالنا واتصالاتنا اليومية تمرّ عبر كابلات بحرية رُصفت في قاع المحيطات، لتشكل عصب الحياة الرقمية الحديثة. في هذا المقال، سنخوض رحلة لاستكشاف هذه الكابلات: كيف تم تصميمها، وكيف تُحمِّل مليارات البيانات والرسائل والتعاملات المالية كل يوم، ولماذا يشكِّل حمايتها أولوية قصوى في عصرنا.


ما هي الكابلات البحرية؟

الكابلات البحرية هي ببساطة كابلات طويلة تُدفن في أعماق المحيطات لتربط بين القارات والدول والمدن حول العالم. وفقًا لبعض التقديرات، تمتد هذه الكابلات لأكثر من 1.3 مليون كيلومتر تحت سطح البحر، وهي مسؤولة عن حمل معاملات مالية تتجاوز قيمتها 10 تريليون دولار يوميًا. يمكننا اعتبار هذه الكابلات بمثابة “شرايين” تنبض ببيانات الإنترنت في كل لحظة، فهي التي توصل الشبكات بعضها ببعض، وتتيح لنا إمكانية إرسال واستقبال المعلومات في ثوانٍ قليلة.


تصميم الكابلات البحرية وتقنية الألياف الضوئية

نموذج كيف يتم تمديد الكبلات البحرية

إذا أردنا معرفة من أين يأتي الإنترنت فعلًا، فلا بد من فهم كيفية عمل الكابلات البحرية. تتميز هذه الكابلات الحديثة بتقنية الألياف الضوئية، والتي تقوم على مبدأ إرسال إشارات ضوئية عبر أنابيب زجاجية رفيعة. يتم لفّ الألياف الضوئية في طبقات متعددة من الحماية، مثل طبقة من المطاط والبلاستيك والمعادن، لتتحمل الضغط الهائل في أعماق المحيطات وتحميها من الصدمات والتآكل.

  • طبقات الحماية: قد تجد في الكابل الواحد العديد من الطبقات: طبقة داخلية تضم الألياف الضوئية، يليها طبقة عازلة من البلاستيك، ثمّ طبقة من الأسلاك المعدنية، وطبقة خارجية تحميه من العوامل البحرية القاسية.
  • السفن المتخصصة: عندما يحين وقت وضع الكابل في البحر، تستخدم سفن متخصصة تتولى مهمة مدّ الكابل على طول المسار المحدد بدقة. وتكمن التحديات في اختيار أفضل المسارات التي تتجنب التضاريس الخطرة تحت سطح الماء والحفاظ على المسافات المناسبة من مناطق الصيد والنشاط البشري.

كيف يتم مدّ الكابلات في قاع البحر؟

قد يستغرق مدّ كابل بحري جديد سنوات من التخطيط والتنفيذ. يبدأ الأمر بدراسة جيولوجية لقاع البحر، ومراجعة الخرائط البحرية، وتحديد المسارات الأقل عرضة للأخطار، مثل الشعاب المرجانية والتضاريس الوعرة ومناطق البراكين البحرية. وعادةً ما توضع الكابلات مباشرة على سطح القاع في المياه العميقة. أما بالقرب من الشواطئ، فتُدفن الكابلات تحت القاع لحمايتها من الموجات والأنشطة الساحلية.

  • خطوات وضع الكابل:
    1. الدراسة والتخطيط: يتم اختيار المسار الأنسب والأكثر أمانًا.
    2. تجهيز الكابل: تُلف الألياف الضوئية بالطبقات الواقية.
    3. مدّ الكابل: تشرع السفينة في وضع الكابل بمعدل ثابت، مع مراقبة مستمرة لأعماق البحر.
    4. الاختبار والتشغيل: بعد الانتهاء من المدّ، تُجرى اختبارات دقيقة لضمان عمل الكابل بكفاءة.
كيف يتم مدّ الكابلات في قاع البحر؟

أهميّة الكابلات البحرية في العصر الرقمي

من الصعب تخيل عالمنا من دون الإنترنت، وكلما تساءلنا: من أين يأتي الإنترنت، نكتشف حجم التعقيد والحرفية وراء هذه الشبكة الهائلة من الكابلات. فأي خلل في كابل رئيسي قد يؤدي إلى انقطاع خدمات الإنترنت عن بلدٍ بأكمله أو التأثير بشكل سلبي على أسواق المال العالمية. ورغم أن أقمار الاتصالات يمكنها توفير بديل في بعض الحالات، إلا أنها لا تستطيع توفير السعة الضخمة التي تقدمها الكابلات البحرية. لهذا السبب، تحرص شركات الاتصالات العالمية على إنشاء عدة كابلات احتياطية توفّر مسارات بديلة في حال حدوث عطلٍ ما.

إعلان

مخاطر الكابلات البحرية

1. الأعطال العرضية

تشير مؤسسة الأبحاث “تيليجيوغرافي” إلى وقوع حوالي 200 عطل في الكابلات البحرية سنويًا. غالبية هذه الأعطال عرضية، وغالبًا ما تكون نتيجة لعمليات الصيد البحري أو رسو السفن التي تُلقي مراسيها وتقطع الكابل دون قصد. في كثير من الأحيان، تتم ملاحظة الانقطاع بسرعة، وتتم إعادة توجيه حركة البيانات عبر كابلات أخرى لحين إصلاح الضرر.

2. التخريب والحرب الهجينة

في السنوات الأخيرة، حذر الخبراء من تزايد المخاوف بشأن استهداف الكابلات الحساسة عمدًا. فهم يرون أن المهاجمين قد يستخدمون الهجمات على الكابلات كجزء من استراتيجية الحرب الهجينة، التي تجمع بين الأساليب التقليدية للهجوم والحروب السيبرانية. وقد شهد بحر البلطيق ومنطقة آسيا والمحيط الهادئ عدة حوادث لتلف كابلات بحرية، مما زاد الشكوك حول إمكانية التخريب المتعمد.

3. المراقبة والتجسس

ليست الأخطار المادية وحدها ما يهدد الكابلات البحرية. فخلال حقبة الحرب الباردة، قامت الولايات المتحدة بالتنصت على الكابلات السوفيتية، مما يشير إلى إمكانية استغلال هذه الكابلات للتجسس على الاتصالات والبيانات الحساسة. ومع تطور التكنولوجيا، لا تزال هذه الاحتمالية قائمة وتندرج ضمن المخاطر السيبرانية الحديثة.


ماذا يحدث إذا انقطع كابل بحري؟

بطبيعة الحال، انقطاع أحد الكابلات يعني فقدان جزء من سعة الإنترنت المخصصة لذلك المسار. وفي حال عانى بلدٌ ما من انقطاع في أكثر من كابل في وقتٍ واحد، فقد يؤدي ذلك إلى شلل تام في خدمات الإنترنت والبث المباشر والاتصالات الهاتفية العابرة للقارات. وعلى الرغم من أن كبريات الشركات تمتلك عدة كابلات بديلة، فإن الهجوم المنسق قد يُسفر عن فوضى رقمية واسعة التأثير.

  • كلفة الإصلاح: وفقًا للجنة الدولية لحماية الكابلات، قد تصل تكلفة إصلاح الكابل الواحد إلى ما بين مليون و3 ملايين دولار. وفي بعض الحالات، يستغرق إصلاح كابل تالف عدة أشهر، مما يعني استنزافًا إضافيًا في الموارد والوقت.
  • التأثير الاقتصادي: لا يقتصر الانقطاع على الجانب التقني فحسب؛ إذ قد تتوقف أنظمة حيوية مرتبطة بالإنترنت. مثل المعاملات المصرفية والتحويلات المالية الفورية. وهي أمور قد تتسبب في خسائر اقتصادية كبيرة.


حماية الكابلات البحرية

مع تزايد التهديدات التي تحيط بالكابلات البحرية. تكثف الدول والشركات الكبرى جهودها لحماية هذه “الشرايين الرقمية”. وتشمل أساليب الحماية:

  1. المراقبة المستمرة: استخدام سفن وغواصات خاصة لمراقبة مسارات الكابلات بشكل منتظم.
  2. تحديث خرائط المسارات: مسح قاع البحر دوريًا للعثور على أي أخطار أو تغيّرات جيولوجية قد تؤثر على الكابلات.
  3. التعاون الدولي: تفرض المنظمات والمؤسسات الدولية مثل حلف شمال الأطلسي (الناتو) واللجان المعنية بالكابلات البحرية تشريعات تضمن حمايتها والتدخل السريع في حالات الطوارئ.

مستقبل الإنترنت تحت البحر

من اللافت أن العالم بدأ بالفعل يفكر في توسيع نطاق هذه الكابلات وزيادة قدرتها على نقل البيانات. ففي ظلّ تزايد حاجتنا للاتصالات فائقة السرعة، سيشهد العقد القادم تركيب المزيد من الكابلات البحرية المتطورة بقدرات أوسع وتقنيات أذكى. ربما تتساءل: من أين يأتي الإنترنت في المستقبل القريب؟ ستكون الإجابة ذاتها، ولكن مع كابلات أكثر تطورًا تقاوم الأعطال وتؤمن سعات أعلى وموثوقية أكبر.


الخلاصة

في كل مرة تنقر فيها على رابط أو تشاهد بثًا مباشرًا أو ترسل رسالة نصية، تذكّر أن الإجابة عن سؤال: من أين يأتي الإنترنت؟ تكمن في تلك الكابلات البحرية الممدودة في ظلمة المحيطات. إنها أعجوبة هندسية تجمع العالم وتسهّل تداول المعلومات والأموال والابتكارات. ومع ذلك، تظل هشاشتها وتعرضها للأخطار مصدر قلق عالمي يتطلب تضافرًا دوليًا واستثمارات ضخمة لضمان استمرارية التدفق الرقمي. في نهاية المطاف، عندما تطفو الأخبار عن عطلٍ في كابل بحري أو خطر محدق به. نتذكر جميعًا أننا نعيش في عالم رقمي معقّد يبدأ من الشواطئ، ولكنه يمتد عميقًا تحت الأمواج الزرقاء.

شاركها.

منصة شاملة تقدم محتوى متنوعًا يجمع بين الأخبار الحديثة والمدونات التحليلية، بالإضافة إلى إحصائيات دقيقة، واختبارات تفاعلية، ومقاطع فيديو مبتكرة.

إعلان
Subscribe
Notify of
1 Comment
Oldest
Newest Most Voted
تعليقات داخلية
عرض كل التعليقات
7 months ago

[…] القوانين المتعلقة بالاكتشافات البشرية: في معظم الدول، أي اكتشاف لعظام بشرية يجب إبلاغ السلطات به فورًا، ليتم التحقيق […]

إعلان
wpDiscuz
1
0
حابين نسمع رأيك، اترك تعليقك.x
()
x
Exit mobile version