في الوقت الذي شدد فيه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على أن الاعتراف بدولة فلسطين هو “انتحار” بالنسبة لإسرائيل، خرج الرئيس الأميركي دونالد ترامب بتصريحات أكثر تفاؤلًا، أكد فيها أنه يقترب من التوصل إلى اتفاق ينهي الحرب المستمرة في غزة منذ سنتين.
هذا التباين يعكس بوضوح اختلاف الأولويات بين تل أبيب وواشنطن: الأولى تصر على الحسم العسكري حتى النهاية، بينما الثانية تبحث عن إنجاز سياسي يضع حدًا للنزيف الإنساني ويعيد لها دور “الوسيط” أمام المجتمع الدولي.
نتنياهو: الحرب حتى استسلام حماس
في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، رسم بنيامين نتنياهو صورة متشددة لمستقبل الصراع في غزة. فقد أكد بشكل قاطع أن إسرائيل “لن توقف الحرب” قبل استسلام حركة حماس وتسليم جميع الرهائن، معتبرًا أن الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية هو “ضرب من الجنون” و”انتحار لإسرائيل”.
نتنياهو شدد على أن هدف إسرائيل يتمثل في “محو نظام حماس” بالكامل، وأن بقاء عناصرها في غزة يعني استمرار الحرب بلا سقف زمني. كما اتهم الحركة بأنها السبب في “الجوع والمعاناة الإنسانية”، زاعمًا أنها تستخدم المدنيين كدروع بشرية وتسرق المساعدات الموجهة للسكان. وفي محاولة لإظهار حساسية ملف الرهائن داخليًا، قال إنه أمر بنشر مكبرات صوت على حدود غزة ليتمكن المحتجزون من سماع خطابه مباشرة، في رسالة رمزية إلى الداخل الإسرائيلي.
لكن ما أثار الانتباه أكثر هو لحظة الإحراج التي تعرض لها نتنياهو في بداية كلمته، حين غادر عشرات المندوبين من قاعة الأمم المتحدة احتجاجًا على ظهوره، بينما رد مؤيدوه القلائل الذين حضروا بتصفيق متقطع. المشهد عكس بوضوح حجم الانقسام في الموقف الدولي من سياسات إسرائيل.
مغادرة أغلبية الوفود الدولية قبل بدء #نتنياهو كلمته في الجمعية العامة للأمم المتحدة#قناة_العربية pic.twitter.com/ubpB5OFsT5
— العربية (@AlArabiya) September 26, 2025
الخطاب لم يقتصر على غزة فقط، بل امتد ليشمل استعراضًا لـ”انتصارات إسرائيل” على جبهات أخرى: من مواجهة حزب الله في لبنان إلى استهداف أسلحة إيران وعلمائها النوويين، مرورًا بتدمير قدرات الحوثيين في اليمن وضرب مواقع في سوريا والعراق. وبذلك، قدّم نتنياهو بلاده كطرف يخوض “حربًا متعددة الجبهات” لا تمثل مجرد صراع محلي، بل مواجهة إقليمية واسعة ضد خصومه.
ترامب: صفقة قريبة وضرورة وقف الحرب
على الضفة الأخرى، أعلن ترامب أنه يقترب من “اتفاق ينهي الحرب ويعيد الأسرى”، مشيرًا إلى أن الولايات المتحدة لن تسمح لإسرائيل بضم الضفة الغربية.
خطابه، الذي جاء بعد كلمة نتنياهو بدقائق، بدا وكأنه محاولة لتقديم صورة مختلفة: واشنطن تريد إظهار نفسها كقوة تدفع نحو وقف الحرب، خصوصًا في ظل الانتقادات الدولية المتزايدة التي تواجهها بسبب دعمها العسكري لإسرائيل.
الأبعاد الإنسانية والسياسية
الأرقام وحدها كافية لتوضيح حجم الكارثة: أكثر من 60 ألف قتيل فلسطيني، ومجاعة متفشية في غزة بحسب الأمم المتحدة، مقابل 45 أسيرًا إسرائيليًا ما زالوا محتجزين – يعتقد أن نصفهم قتل.
هذا الواقع يجعل الموقفين متناقضين تمامًا:
- نتنياهو يسعى لمواصلة الحرب بأي ثمن لتحقيق “انتصار أمني”.
- ترامب يريد وقفها بسرعة لإثبات قدرته على صنع “صفقة القرن الجديدة”، وربما استثمار ذلك سياسيًا في حملته الانتخابية.
ماذا يعني ذلك لمستقبل الصراع؟
من غير المرجح أن نرى اتفاقًا سريعًا في ظل تعنت نتنياهو وتمسكه بخيار الحرب، لكن الضغوط الدولية والأميركية قد تدفع إسرائيل إلى مراجعة موقفها لاحقًا.
التناقض بين الخطابين يعكس بوضوح انقسامًا في الرؤية: إسرائيل ترى أن الحل العسكري هو الطريق الوحيد، بينما واشنطن ترى أن أي استمرار للحرب يضر بصورتها الدولية ويعمق الكارثة الإنسانية.
الأسابيع المقبلة ستكشف إن كان تفاؤل ترامب سيترجم إلى خطة عملية توقف النزيف، أم أن تشدد نتنياهو سيجر المنطقة إلى مزيد من التصعيد.
الأسئلة الشائعة
ما أبرز ما قاله نتنياهو في الأمم المتحدة؟
أكد أن الاعتراف بدولة فلسطين “انتحار لإسرائيل”، وأن الحرب لن تتوقف قبل استسلام حماس وإعادة الأسرى.
كيف يختلف موقف ترامب عن نتنياهو؟
ترامب تحدث بتفاؤل عن قرب التوصل لاتفاق ينهي الحرب ويعيد الأسرى، كما شدد على رفضه لضم الضفة الغربية.
هل هناك خطة أميركية واضحة لوقف الحرب؟
نعم، واشنطن قدمت خطة من 21 بندًا لدول عربية وإسلامية، تهدف لوقف القتال وإطلاق سراح الأسرى، لكن تفاصيلها لم تعلن بالكامل.
ما تأثير استمرار الحرب على المدنيين في غزة؟
وفق الأمم المتحدة، تجاوز عدد الضحايا 60 ألفًا، مع انتشار المجاعة وانهيار شبه كامل للبنية التحتية، ما يجعل أي حل إنساني عاجل ضرورة قصوى.



