ما هي تقنية زرع شريحة العين ولماذا تُعدّ نقطة تحوّل؟
تُعدّ تقنية زرع الشريحة تحت شبكية العين من أكثر الابتكارات الطبية إثارة في السنوات الأخيرة، إذ تمنح الأمل لمرضى يعانون من فقدان البصر المركزي بسبب الضمور البقعي الجاف المرتبط بالعمر (Geographic Atrophy – GA) من خلال إعادة القدرة إلى «الرؤية المركزية» التي تُعد ضرورية للقراءة والتعرف على الوجوه.
المبدأ بسيط: تُزرع شريحة فوتوفولطية بحجم صغير (حوالي 2 مم × 2 مم، وبسمك شُعرة الإنسان) أسفل شبكية العين، ثم يرتدي المريض نظارة مزودة بكاميرا تعالج الصور وتُرسلها عبر الأشعة تحت الحمراء إلى الشريحة، التي بدورها تحفّز أجزاءً باقية من شبكية العين والعصب البصري كي يرسل الدماغ إشارات بصرية من جديد.
ما يجعل هذا الأمر ثورياً هو أن الأمر لم يعد يقتصر على تحسّن بسيط، بل على إمكانية القراءة وإدراك تفاصيل بصرية كانت مفقودة قبل العملية.
خلفية وتحديات المرض
يُعدّ الضمور البقعي الجاف المرتبط بالعمر (GA) مرحلة متقدمة من مرض تنكس الشبكية المرتبط بالعمر (AMD)، ويُصاب به ملايين من كبار السن حول العالم. تُصاب في هذه الحالة منطقة صغيرة من شبكية العين تُدعى البقعة (Macula) بخسارة تدريجية لخلايا المستقبلات الضوئية (photoreceptors)، مما يؤدي إلى فقدان الرؤية المركزية — أي أن المريض يرى محيطه لكن “النقطة المركزية” تظهر سوداء أو مشوّهة.
من دون علاج فعّال حتى الفترة الأخيرة، كان الكثيرون يعيشون مع محدودية كبيرة في القدرة على القراءة أو التعرّف على الوجوه أو القيام بأنشطة يومية بسيطة.
بحسب دراسة تحليلية، يُقدّر عدد المصابين بمرحلة الـGA بالملايين، وتُعتبر تقنية الشريحة أول حلّ يعيد وظائفاً بصرية حقيقية (وليس مجرد إبطاء التدهور)
كيف تعمل الشريحة وما هي التجربة السريرية؟
– مكونات النظام
- شريحة فوتوفولطية تُزرع تحت شبكية العين، بحجم صغير (حوالي 2×2 مم) وبسُمك نحو 30 ميكرون.
- نظارة مزودة بكاميرا تلتقط المشهد الخارجي.
- معالج صغير يُحمله المريض في الجيب أو الحزام، يُحلل الصورة ويُرسلها إلى النظارة/الشريحة.
– العملية والتدريب
تُجرى العملية جراحياً بوضع الشريحة تحت شبكية العين، ثم بعد فترة نقاهة يتم تفعيل النظام وبدء تدريب المريض على استخدام النظارة والمعالج كي يُفسّر الدماغ الإشارات بالشكل الصحيح.
– النتائج حتى الآن
في تجربة أوروبية شملت 38 مريضاً في خمس دول، شاركوا في تجربة تُعرف باسم «PRIMA vera» باستخدام نظام PRIMA System.
من النتائج الملحوظة:
- 84 ٪ من المشاركين استطاعوا قراءة حروف أو أرقام باستخدام النظام.
- متوسط تحسّن على مخطط اختبار النظر يعادل نحو 4-5 أسطر (23 حرف تقريباً) في بعض التقارير.
- في متابعة تصل إلى 4 سنوات في بعض المرضى (دراسة أولية لـ5 مرضى) لم يُسجّل تدهور للرؤية المحيطية الطبيعية، وكان التحسّن في الرؤية المركزية مستقراً.
– تجارب حقيقية من المرضى
أبلغ بعض المرضى عن شعور “مذهل” بإعادة اكتشاف القدرة على قراءة كلمات على الملصقات، أو الانخراط في نشاطات كانت مستحيلة قبل الزرع
لماذا هذه التقنية تُعد تحولاً؟
- من الإبطاء إلى الاستعادة: حتى وقت قريب، العلاجات المتاحة للـGA كانت تهدف إلى إبطاء التقدم، لكن لم تكن تستعيد الوظيفة البصرية المركزية. مع الشريحة، بات هناك احتمال لاستعادة قدرات القراءة والتعرّف.
- استخدام الباقي من الشبكية بدلاً من تجاهله: حتى عند خسارة المستقبلات الضوئية، تبقى خلايا شبكية أخرى حية، والشريحة تستغلها لتحفيز الإشارات البصرية. هذا ما يجعلها فعّالة.
- راحة الجهاز للمريض: النظام لا يعتمد على أسلاك داخل العين أو بطاريات ضخمة، بل هو شبه لاسلكي أو يحتوي حد أدنى من الأجهزة الخارجية، مما يزيد احتمالات القبول.
ما يجب أن ننتبه له
على الرغم من التفاؤل، هناك عدة نقاط تستحق النظر بعناية:
- المجال البصري محدود: الشريحة تمنح “رؤية مركزية مصطنعة” ضمن مجال محدود، وقد لا تغطّي كل الحقل البصري كما كان في الحالة الطبيعية. بعض الدراسات تشير إلى أن التحسين يتطلب «تكبير (zoom)» والذي يقلل بدوره سطح الرؤية.
- التدريب المكثّف ضروري: المريض لا يحصل على رؤية تلقائية كاملة، بل عليه تدريب الدماغ على تفسير الإشارات الجديدة، ومن ثم قد تختلف النتائج من شخص لآخر.
- التكلفة والاعتماد التنظيمي: حتى الآن، لا يبدو أن هذه التقنية متاحة على نطاق واسع، والتكاليف يمكن أن تكون عالية، بالإضافة إلى حاجتها لاعتمادات تنظيمية في كثير من البلدان.
- التوقعات الواقعية: رغم أن نتائج القراءة تم تحقيقها، فإن “الرؤية الطبيعية” بالكلمة الكاملة ما زالت بعيدة. لا يزال التحدي قائماً للوصول إلى تمييز ملامح الوجوه بدقة، أو رؤية عالية الدقة كما في شبكية سليمة. بعض الأبحاث تشير إلى أن إدراك الوجوه ما زال يصعب تحقيقه بشكل مثالي.
أمثلة عملية وتأثير على الحياة اليومية
- مريض سابق لم يكن يستطيع قراءة الحروف على العلبة أو تعرف رقم الحافلة، وبعد الزرع تمكن من قراءة كلمات صغيرة على الطعام واستخدم المواصلات بشكل مستقل.
- أحد المرضى وصف شعوره بأنه “كأن الأفق بدأ يعود إلى الحياة” بعد أن كانت الأمور كلها ضباباً أو أسوداً.
- من وجهة نظر اجتماعية، استعادة القدرة على القراءة تعزز الاستقلالية، وتخفّف الإحساس بالعزلة أو الاعتماد على الآخرين – وهي آثار كبيرة من الناحية النفسية.
الخلاصة: تقنية زرع شريحة العين تمثل منعطفاً في علاج فقدان البصر المركزي لدى كبار السن، مقدّمة مثالاً حياً على كيف يمكن للتكنولوجيا أن تغير حياة البشر. رغم أن الطريق ما زال فيه تحديات، فإن الأمل بات حقيقة، وما يجعله أكثر إشراقاً هو أن القارئ – سواء كان مريضاً أو مهتماً بالتكنولوجيا الطبية – يمكن أن يرى إمكانية أن “ما كان مستحيلاً” قد يصبح قريباً واقعاً.
المصدر:
- هيئة الإذاعة البريطانية (BBC)
- The Guardian
- Retinal Physician
- PubMed Medical Journal
- Science Corporation (الجهة المصنّعة لشريحة PRIMA)
أسئلة شائعة
هل هذه الشريحة تعيد الرؤية بشكل كامل؟
لا، التقنية تستعيد نوعاً من الرؤية المركزية المصطنعة تسمح بقراءة الحروف أو التعرّف على الأشكال، لكنها ليست رؤية طبيعية كاملة بكل تفاصيلها.
من هو المريض المناسب لزرع هذه الشريحة؟
حالياً تُستهدف مرضى الضمور البقعي الجاف المتقدم (GA) الذين فقدوا الرؤية المركزية تقريباً، لكن ما زال لديهم بقايا رؤية محيطية. يجب تقييم الحالة من قِبَل طبيب عيون متخصص.
هل هناك مخاطر أو آثار جانبية كبيرة؟
الدراسات أشارت إلى أن الإجراء يُعد آمناً نسبياً، ولم يُسجّل تدهور للرؤية المحيطية الطبيعية خلال متابعة بين 1-4 سنوات، لكن كما في أي جراحة توجد مخاطر جراحية يجب مناقشتها مع الطبيب.
متى ستكون التقنية متاحة للعامة؟
التقنية لا تزال في مراحل التجارب أو ما بعد التجارب، ويُعمل على الحصول على موافقات تنظيمية وزيادة الإنتاج، لذا قد يتطلب الأمر سنة أو أكثر قبل أن تُصبح متاحة على نطاق واسع.
هل يمكن أن تُستخدم هذه الشريحة في حالات أخرى غير الضمور البقعي؟
نظرياً، ممكن – لأن مبدأها يعتمد على تحفيز الشبكية المتبقية. لكن حتى الآن التركيز البحثي والتجريبي على الضمور البقعي، وتطبيقات أخرى تحتاج لمزيد من الدراسات.
