إعلان

في تحقيق مطوّل لوكالة «رويترز»، كُشف النقاب عن واحدة من أكثر العمليات سرية في تاريخ الحرب السورية — عملية نقل آلاف الجثث من مقبرة جماعية في بلدة القطيفة إلى موقع آخر في صحراء الضمير، في محاولة لإخفاء الأدلة على جرائم النظام السابق.

لكن وراء هذه التفاصيل المروعة، يكمن سؤال أعمق من أي إحصاء أو خريطة: ماذا يعني أن يُمحى أثر الإنسان من الأرض مرتين — مرة بالموت، ومرة بالدفن من جديد؟

النقاط الرئيسية

  • تحقيق رويترز كشف عن عملية نقل آلاف الجثث من مقبرة القطيفة إلى صحراء الضمير بين 2019 و2021.
  • أشرف ضباط من الجيش السوري على العملية التي عُرفت باسم “عملية نقل الأتربة”.
  • تُظهر صور الأقمار الصناعية والطائرات المسيّرة توسع المقبرة الجديدة إلى مساحة تقارب كيلومترين من الخنادق.
  • التحقيق أثار مطالبات محلية ودولية بفتح ملف المفقودين وإطلاق مشروع للعدالة الانتقالية.

من رائحة الموت إلى عبء الذاكرة

بحسب الشهود الذين تحدثوا إلى «رويترز»، كانت رائحة الموت تغلف الطرق المؤدية إلى الصحراء أربع ليالٍ أسبوعيًا لمدة عامين.

السائقون والميكانيكيون الذين أُجبروا على الصمت حملوا معهم ثِقل تلك الليالي حتى بعد سقوط النظام، إذ لم تكن المهمة مجرد نقل “أتربة”، بل محو جماعي للذاكرة، ودفنٌ منظم لحقيقة لا يريد أحد أن يراها.

هذه التفاصيل ليست فقط تذكيرًا بفظائع الحرب، بل تعكس الطريقة التي تُمارس بها السلطة حين تخاف من التاريخ. فبدلاً من مواجهة السؤال الأخلاقي، تختار دفنه. وبدلًا من حفظ كرامة الموتى، تُعامَل الجثث كملفات مزعجة ينبغي التخلص منها.

إعلان

بين التحقيق والمساءلة

تكمن أهمية التحقيق الذي نشرته «رويترز» في أنه يُعيد تشكيل الوعي الجمعي حول مفهوم العدالة في سوريا. إذ لم يعد الحديث يدور فقط عن مقابر جماعية قديمة، بل عن نظام حاول إعادة كتابة الجغرافيا ليطمس الجريمة ذاتها.

لكن رغم حجم الأدلة وصور الأقمار الصناعية وشهادات الضباط، ما تزال المؤسسات الرسمية في دمشق تلتزم الصمت، فيما تواصل «الهيئة الوطنية للمفقودين» محاولاتها المتواضعة لتوثيق الأسماء وبناء قاعدة بيانات للحمض النووي. وبين البيروقراطية والخوف، يظل عشرات الآلاف بلا هوية، وبلا قبر معروف.

البعد الأخلاقي: حين تتحول الأرض إلى شاهد

القضية هنا لم تعد سياسية فحسب، بل إنسانية في جوهرها. كل حفرة، كل خندق، وكل ذرة تراب تحمل شهادة على ما حدث، حتى لو صمتت المؤسسات.
إنها معركة بين الصمت والذاكرة، بين الرغبة في طي الصفحة والرغبة في قراءتها كما هي، بكل ما تحمله من ألم وصدق.

فالعدالة لا تبدأ في المحاكم فحسب، بل من الاعتراف بأن ما دُفن كان بشرًا لا أرقامًا، وأحلامًا لا مجرد “بقايا”.

نحو عدالة انتقالية ممكنة

مع انكشاف المزيد من هذه الحقائق، يُطرح سؤال المستقبل:
هل يمكن لسوريا أن تفتح ملفات المقابر الجماعية بجدية، في إطار عدالة انتقالية حقيقية، تُعيد الحقوق وتُوثّق الذاكرة وتمنع تكرار المأساة؟

ربما لا تكون الإجابة قريبة، لكن المسار بدأ بالفعل. فلكي تتعافى سوريا، لا بد أن تواجه ماضيها — لا أن تدفنه مجددًا في الرمال.

إن محاولات الإخفاء قد تُؤخر الحقيقة، لكنها لا تقتلها. فكل حفنة تراب تُخفي جسدًا، وتُعيد طرح السؤال: من يملك الحق في طي الذاكرة؟

المصدر: رويترز


قسم الأسئلة الشائعة

ما أبرز ما كشفه تحقيق رويترز الأخير؟
التحقيق كشف عن عملية سرية لنقل آلاف الجثث من مقبرة القطيفة إلى صحراء الضمير بين عامي 2019 و2021، بإشراف ضباط من النظام السوري السابق.
ما الهدف من نقل الجثث إلى موقع جديد؟
وفق الشهود، كان الهدف هو إخفاء الأدلة على المقابر الجماعية وتجنب أي تحقيقات دولية محتملة في جرائم الحرب.
هل هناك جهود حالية لتحديد هوية الضحايا؟
تعمل الهيئة الوطنية للمفقودين على إنشاء بنك للحمض النووي ومنصة رقمية لتوثيق الأسماء، لكن ضعف الموارد يعرقل التقدم.
هل يمكن فتح ملفات المقابر الجماعية مستقبلًا؟
نعم، من المرجح أن تُفتح ضمن إطار العدالة الانتقالية في سوريا، مع دعم دولي للمساءلة وإعادة بناء الثقة المجتمعية.

شاركها.

منصة شاملة تقدم محتوى متنوعًا يجمع بين الأخبار الحديثة والمدونات التحليلية، بالإضافة إلى إحصائيات دقيقة، واختبارات تفاعلية، ومقاطع فيديو مبتكرة.

إعلان
Subscribe
Notify of
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
تعليقات داخلية
عرض كل التعليقات
إعلان
wpDiscuz
0
0
حابين نسمع رأيك، اترك تعليقك.x
()
x
Exit mobile version