إعلان

في عالمنا اليوم، غالبًا ما تبقى الأفكار الجيدة حبيسة شاشات الهواتف. لكن في الجزائر، حدث العكس تمامًا؛ حيث تحولت مبادرة انطلقت من الفضاء الرقمي إلى واقع أخضر ملموس على الأرض. لم تكن مجرد حملة عادية، بل كانت هبة شعبية ورسمية ضخمة لغرس أكثر من مليون شجرة في يوم واحد، في سباق مؤثر ضد زحف الرمال وتغير المناخ.

لم يعد التشجير في الجزائر مجرد نشاط بيئي موسمي، بل أصبح ضرورة حتمية تفرضها الجغرافيا والتحديات المناخية. وبالتالي، عندما أطلق الناشط البيئي فؤاد معلى مبادرته “خضراء بإذن الله”، لم يكن يتوقع ربما أن تتحول دعوته إلى هذا العرس البيئي الوطني.

من فكرة مؤثر إلى استجابة مليونية

بدأت القصة بسيطة: حلم ناشط يتابعه الملايين عبر الإنترنت، هدفه زراعة مليون شجرة لمواجهة مكافحة التصحر وتجميل المدن. لكن ما حدث فاق كل التوقعات. فبدلاً من الهدف المسطّر بمليون شجرة، أظهرت النتائج الرسمية غرس ما يقرب من 1.4 مليون شجرة خلال 24 ساعة فقط.

السر في هذا النجاح لم يكن الدعم الحكومي فقط، على أهميته، بل كان في الاستجابة الشعبية الهائلة. خرج عشرات الآلاف من المواطنين، من عائلات بأكملها إلى جمعيات محلية ومسؤولين، جميعهم توحدوا تحت هدف واحد. لم تكن مجرد أرقام تُضاف إلى رصيد، بل كانت رسالة واضحة بأن الوعي البيئي ينتقل من جيل إلى جيل.

على سبيل المثال، لم يتردد كبار السن في المشاركة، حاملين معهم خبرة السنين ورغبة في ترك إرث أخضر. كما شوهد أطفال صغار يغرسون بأيديهم شتلات الزيتون والفلين، في مشهد يجسد غرس حب الأرض في نفوس الجيل القادم. هذه المشاركة الواسعة تثبت أن المجتمع الجزائري يدرك تمامًا أن هذه المعركة هي معركته.

إعلان

لماذا نغرس الآن؟ دوافع أعمق من مجرد زراعة شجرة

الدافع وراء هذه الهبة الشعبية يتجاوز مجرد تجميل المحيط. إنه صرخة استغاثة طبيعية وإدراك عميق لحجم التحدي.

أولاً، هناك الهاجس المناخي. لقد شعر الكثير من الجزائريين، خاصة كبار السن، بتغير ملموس في بيئتهم. فالجزائر التي كانت تتمتع بمناخ أكثر رطوبة، تجد نفسها اليوم في مواجهة مناخ شبه جاف يتوسع شمالاً. لذلك، يمثل غرس الأشجار محاولة جادة لاستعادة التوازن المفقود وتلطيف الأجواء.

ثانيًا، إنها معركة من أجل المستقبل. عبّر مشاركون كثر عن رغبتهم في “ترك إرث للأجيال القادمة”. إنهم لا يزرعون لأنفسهم، بل يزرعون ليجد أبناؤهم وأحفادهم ظلاً يستظلون به ومناخًا صالحًا للعيش.

ثالثًا، إنها عملية ترميم. بعد سنوات من حرائق الغابات المدمرة التي أتت على آلاف الهكتارات، يأتي التشجير في الجزائر كعملية شفاء طبيعية لإعادة إحياء المناطق المتضررة واستبدال الغطاء النباتي المفقود بأصناف مقاومة ومثمرة، مثل الفستق والخروب والزيتون، والتي لا تساهم في البيئة فقط، بل تدعم الاقتصاد المحلي أيضًا.

“السد الأخضر”: حين تصبح الحملات استراتيجية دولة

هذه الحملة المليونية لا تأتي من فراغ، بل هي جزء لا يتجزأ من رؤية وطنية أكبر وأكثر طموحًا: مشروع “السد الأخضر”. هذا المشروع التاريخي، الذي أُطلق في السبعينيات وتوقف لسنوات، أعيد إحياؤه بقوة في عام 2022.

لم يعد “السد الأخضر” مجرد شريط من الأشجار، بل تحول إلى مشروع متكامل يمتد على مساحات شاسعة، بهدف خلق جدار طبيعي حقيقي يبطئ زحف الصحراء الكبرى نحو الشمال. وتشير الأرقام الأخيرة إلى نجاح لافت، حيث تم تشجير 26 ألف هكتار بنسبة نجاح تقارب 98%، وهو رقم مذهل يعكس التخطيط العلمي واختيار الأنواع المناسبة لكل منطقة.

هذا التناغم بين المبادرات الشعبية، مثل حملة فؤاد معلى، والدعم الاستراتيجي الحكومي ممثلاً في “السد الأخضر”، هو بالضبط ما يحتاجه التشجير في الجزائر ليحقق أهدافه بعيدة المدى.

التحدي ليس في الغرس بل في الرعاية

على الرغم من هذا النجاح الباهر، يبرز تحدٍ أكبر من عملية الغرس نفسها: الاستدامة. إن زراعة 1.4 مليون شجرة في يوم واحد هو إنجاز لوجستي وبشري، لكن ضمان بقاء هذه الشتلات على قيد الحياة هو المعركة الحقيقية.

أشارت المديرية العامة للغابات إلى هذه النقطة بوضوح، داعية المجتمع المدني والمتطوعين إلى تبني هذه الأشجار ومتابعة رعايتها، خاصة من خلال السقي المنتظم في الأشهر الأولى الحاسمة.

بالإضافة إلى ذلك، يجب أن تترافق جهود التشجير في الجزائر مع جهود حثيثة لمكافحة المهدد الأول: حرائق الغابات. لحسن الحظ، تُظهر الإحصائيات انخفاضًا كبيرًا بنسبة 80% في بؤر الحرائق هذا العام، وهو مؤشر إيجابي على تحسن آليات الوقاية والمراقبة.

في الختام، ما حدث في الجزائر هو أكثر من مجرد زراعة أشجار. إنه نموذج ملهم لكيفية تحويل الطاقة الرقمية إلى قوة تغيير حقيقية على الأرض. عندما يتحد شغف الأفراد مع إرادة الدولة، يصبح “المستقبل الأخضر” ممكناً. الحملة مستمرة حتى الربيع القادم، لكن مهمة رعاية هذا الإرث الأخضر قد بدأت للتو.


قسم الأسئلة الشائعة

ما هو سبب حملة التشجير الكبرى في الجزائر؟
السبب الرئيسي هو مواجهة التحديات البيئية المُلحة، وعلى رأسها مكافحة التصحر، ومواجهة آثار تغير المناخ الذي جعل الجو أكثر جفافًا، بالإضافة إلى إعادة إحياء المناطق التي دمرتها حرائق الغابات.
كم عدد الأشجار التي زُرعت وما كان الهدف؟
نجحت الحملة في غرس أكثر من 1.39 مليون شجرة في 24 ساعة، متجاوزة بذلك الهدف الأولي الذي كان محددًا بمليون شجرة.
من قاد هذه المبادرة؟
انطلقت المبادرة من الناشط والمؤثر البيئي فؤاد معلى تحت شعار “خضراء بإذن الله”، وسرعان ما حظيت بدعم شعبي واسع ومشاركة رسمية من وزارة الفلاحة والمديرية العامة للغابات.
ما هو مشروع “السد الأخضر” المذكور في المقال؟
“السد الأخضر” هو مشروع استراتيجي وطني ضخم أُطلق أصله في السبعينيات وأُعيد إحياؤه مؤخرًا. يهدف إلى إنشاء حاجز نباتي عملاق لإبطاء زحف الصحراء نحو المناطق الشمالية، ويعتبر الركيزة الأساسية لجهود التشجير في الجزائر.

شاركها.

منصة شاملة تقدم محتوى متنوعًا يجمع بين الأخبار الحديثة والمدونات التحليلية، بالإضافة إلى إحصائيات دقيقة، واختبارات تفاعلية، ومقاطع فيديو مبتكرة.

إعلان
Subscribe
Notify of
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
تعليقات داخلية
عرض كل التعليقات
إعلان
wpDiscuz
0
0
حابين نسمع رأيك، اترك تعليقك.x
()
x
Exit mobile version