إعلان

في خطوة استراتيجية جريئة، تخلت أستراليا عن التدرج البطيء في تطوير قدراتها البحرية لتتبنى قفزة نوعية نحو المستقبل. لم يعد الأمر مجرد بناء سفن أو غواصات تقليدية، بل يتعلق بإعادة كتابة قواعد اللعبة في الأعماق. عبر استثمار ضخم بقيمة 1.1 مليار دولار أمريكي، تفتح كانبرا الباب أمام عصر جديد من الهيمنة البحرية من خلال أسطولها الثوري من غواصات القرش الشبح (Ghost Shark) المسيرة، وهو مشروع يضعها في طليعة القوى العالمية في مجال الأنظمة البحرية المستقلة.

ما هي غواصات “القرش الشبح”؟ نظرة عن كثب على المستقبل

عندما نتحدث عن “القرش الشبح”، يجب أن نتخلى عن الصورة التقليدية للغواصات. هذه ليست مجرد مركبات يتم التحكم فيها عن بعد، بل هي “مركبات بحرية ذاتية القيادة فائقة الحجم” (XL-AUVs). بعبارة أبسط، هي عقول إلكترونية صيّادة وصامتة تجوب الأعماق. تم تطويرها بالتعاون مع شركة التكنولوجيا الدفاعية Anduril Australia، وتتميز هذه الغواصات بقدرات استثنائية:

  • استقلالية مدعومة بالذكاء الاصطناعي: تعتمد على منصة الذكاء الاصطناعي المتقدمة “Lattice” لاتخاذ قرارات تكتيكية مستقلة، مما يقلل من الحاجة للتدخل البشري المستمر.
  • تعدد المهام: صُممت لتكون منصة مرنة قادرة على تنفيذ مجموعة واسعة من العمليات، تشمل الاستخبارات، المراقبة، الاستطلاع (ISR)، والهجوم المباشر على أهداف بحرية.
  • قدرة شبحية فائقة: بفضل تصميمها المتطور، يمكنها العمل بصمت تام وعلى مسافات بعيدة دون أن يتم كشفها، مما يجعلها أداة مثالية للمهام الحساسة في بيئات معادية.
  • تصميم معياري: يسمح هيكلها المعياري بتغيير حمولتها بسهولة لتناسب متطلبات المهمة، سواء كانت أجهزة استشعار متطورة، أو أنظمة حرب إلكترونية، أو حتى أسلحة هجومية.

هذا المشروع ليس مجرد حبر على ورق، فقد تم بالفعل تسليم ثلاثة نماذج أولية للبحرية الأسترالية قبل الموعد المحدد وضمن الميزانية، وهو إنجاز نادر في عالم الصناعات الدفاعية المعقدة، ويدل على جدية وسرعة تنفيذ البرنامج.

استثمار استراتيجي بـ 1.1 مليار دولار: ما وراء الأرقام؟

إن تخصيص هذا المبلغ الضخم لا يهدف فقط إلى شراء معدات جديدة، بل هو استثمار في السيادة التكنولوجية والأمن القومي. يمثل هذا العقد مع Anduril تحولًا في العقيدة الدفاعية الأسترالية، حيث تنتقل من كونها مجرد مشترٍ للتكنولوجيا إلى شريك ومطور أساسي.

من الناحية العملية، فإن غواصات القرش الشبح المسيرة تقدم ميزة اقتصادية وتشغيلية هائلة. فتكلفة بنائها وتشغيلها أقل بكثير من الغواصات التقليدية التي تتطلب طواقم بشرية ضخمة وتدريبًا مكثفًا. بالإضافة إلى ذلك، فإن إرسال مركبة مسيرة إلى منطقة عالية الخطورة يزيل العنصر البشري من معادلة الخطر. مما يمنح القادة العسكريين مرونة أكبر في اتخاذ القرارات الجريئة. وبالتالي، لم تعد أستراليا بحاجة إلى المخاطرة بحياة بحارتها في مهام الاستطلاع الخطيرة.

إعلان

القوة الشبحية في مواجهة التحديات الجيوسياسية

لا يمكن فصل هذا التطور عن السياق الجيوسياسي المتوتر في منطقة المحيطين الهندي والهادئ. فمع تزايد النفوذ العسكري والوجود البحري للصين في المياه الإقليمية، تحتاج أستراليا إلى أدوات ردع فعالة ومبتكرة. وهنا يأتي دور “القرش الشبح”.

صرح وزير الصناعة العسكرية، بات كونروي، بأن هذه المنصة ستمنح أستراليا “القدرة على الضرب من مسافات بعيدة للغاية”، وهو تصريح يحمل رسالة واضحة. إن امتلاك أسطول من هذه الغواصات الشبحية يغير حسابات أي خصم محتمل. فبدلًا من مواجهة عدد محدود من الغواصات المأهولة، سيواجه شبكة واسعة ومنتشرة من “القروش” الذكية التي يمكنها مراقبة الممرات البحرية الحيوية، وتتبع التحركات المعادية، وتوجيه ضربات دقيقة عند الحاجة.

هذا البرنامج يكمل بشكل مثالي صفقة غواصات AUKUS النووية، حيث ستعمل غواصات القرش الشبح كطليعة استطلاعية وهجومية. بينما تقوم الغواصات النووية بالمهام الاستراتيجية طويلة المدى، مما يخلق منظومة دفاعية بحرية متكاملة ومتعددة الطبقات.

نظرة مستقبلية: أسراب من القروش تراقب الأعماق

إن دخول “القرش الشبح” مرحلة الإنتاج الكامل ليس نهاية المطاف، بل هو بداية حقبة جديدة. التوقعات المستقبلية تشير إلى:

  1. تكنولوجيا الأسراب (Swarming): قد يتم تطوير القدرة على تشغيل مجموعات كبيرة من هذه الغواصات بشكل متزامن. حيث تتواصل مع بعضها البعض لتنفيذ مهام معقدة بشكل جماعي، مثل تشكيل حاجز مراقبة بحري واسع النطاق.
  2. منصة أم (Mothership): يمكن للغواصات الأكبر حجمًا، مثل غواصات AUKUS، أن تعمل كـ “منصة أم”، حيث تطلق وتستعيد أسرابًا من “القروش الشبح” الأصغر حجمًا بالقرب من مناطق العمليات.
  3. تأثيرها على أستراليا: سيعزز هذا الأسطول بشكل كبير قدرة أستراليا على حماية سواحلها الشاسعة وممراتها التجارية الحيوية. كما أنه سيجعلها لاعبًا رئيسيًا ومصدرًا للتكنولوجيا البحرية المستقلة، مع فرص تصدير قوية للحلفاء، مما يدعم الصناعة المحلية ويوفر مئات الوظائف عالية المهارة.

في النهاية، يمثل برنامج “القرش الشبح” أكثر من مجرد غواصة جديدة؛ إنه تجسيد لرؤية استراتيجية واضحة تدرك أن مستقبل الحروب سيُحسم بالتكنولوجيا، والاستقلالية، والقدرة على تحقيق التفوق في ساحات المعركة غير المرئية تحت سطح البحر.

المصدر:

الحكومة الأسترالية وشركة Anduril Australia.

شاركها.

منصة شاملة تقدم محتوى متنوعًا يجمع بين الأخبار الحديثة والمدونات التحليلية، بالإضافة إلى إحصائيات دقيقة، واختبارات تفاعلية، ومقاطع فيديو مبتكرة.

إعلان
Subscribe
Notify of
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
تعليقات داخلية
عرض كل التعليقات
إعلان
wpDiscuz
0
0
حابين نسمع رأيك، اترك تعليقك.x
()
x
Exit mobile version