منذ عقود، ارتبط علاج كسور العظام بصور الجبائر البيضاء، والصفائح المعدنية الباردة، والبراغي التي تتطلب جراحة ثانية لإزالتها. لكن ماذا لو كان بإمكاننا “لصق” العظام المكسورة معًا في دقائق معدودة، والسماح لها بالشفاء بشكل طبيعي، ومن ثم يختفي اللاصق من تلقاء نفسه؟ لم يعد هذا سيناريو من الخيال العلمي، بل هو واقع جديد تقوده ثورة طبية من الصين قد تغير قواعد اللعبة في عالم جراحة العظام إلى الأبد.
من أعماق المحيط إلى غرفة العمليات Bone-02
كل ابتكار عظيم يبدأ بسؤال. بالنسبة للدكتور لين شيان فينغ، جراح العظام في مستشفى “سير ران ران شو” التابع لجامعة تشيجيانغ، كان السؤال يدور حول كيفية التغلب على تحديات البيئة الرطبة والمليئة بالدماء داخل جسم الإنسان، والتي تجعل أي مادة لاصقة تقليدية عديمة الفائدة. وجد الإجابة في مكان غير متوقع: المحار والأصداف البحرية التي تلتصق بقوة مذهلة بالصخور وجسور الموانئ تحت الماء.
هذه القدرة الطبيعية على تكوين روابط كيميائية قوية في بيئة مائية ألهمت فريقه البحثي لتطوير “Bone-02”، وهو غراء عظام حيوي فريد من نوعه. فبدلاً من مقاومة سوائل الجسم، يعمل هذا اللاصق بالتناغم معها، حيث يتم حقنه كسائل ليتصلب في غضون 180 ثانية فقط، مُشكلاً رابطة قوية ودقيقة بين أجزاء العظم المكسور.
ليس مجرد سرعة، بل ثورة في مفهوم الشفاء
قد تكون سرعة التثبيت خلال ثلاث دقائق مذهلة، لكن المزايا الحقيقية لغراء العظام Bone-02 تتجاوز ذلك بكثير، لتقدم حلاً متكاملاً لمشاكل الطرق التقليدية:
- قوة تحمل فائقة: أظهرت الاختبارات المعملية أن الرابطة التي يكونها الغراء قادرة على تحمل قوة سحب تفوق 400 رطل (حوالي 181 كيلوجرامًا) وقوة ضغط تصل إلى 10 ميغاباسكال. هذه الأرقام لا تعني فقط تثبيتًا آمنًا، بل تشير إلى إمكانية استبدال الصفائح والبراغي المعدنية في العديد من الحالات.
- وداعًا للجراحة الثانية: الميزة الأكثر ثورية هي أن هذا اللاصق الحيوي قابل للامتصاص. فبينما يلتئم العظم بشكل طبيعي، يتحلل الغراء تدريجيًا ويتم امتصاصه بأمان من قبل الجسم. هذا يلغي الحاجة لعملية جراحية ثانية ومؤلمة لإزالة القطع المعدنية، مما يوفر على المريض الكثير من الألم والوقت والتكلفة، ويقلل من خطر العدوى.
- جراحة أقل توغلاً: يمكن تطبيق الغراء من خلال شق جراحي صغير (2-3 سم)، مما يقلل من تضرر الأنسجة المحيطة ويسرّع من عملية التعافي بشكل عام مقارنة بالشقوق الكبيرة المطلوبة لتثبيت الصفائح المعدنية.
وقد أكدت التجارب السريرية الأولية التي أُجريت على أكثر من 150 مريضًا هذه النتائج المبشرة. وفي حالة لافتة لعامل شاب تعرض لكسر متشظٍ في معصمه، تمكن الجراحون من تثبيت الشظايا المتعددة في ثلاث دقائق فقط، وبعد ثلاثة أشهر، أظهرت الفحوصات التئامًا ممتازًا وعودة كاملة لوظيفة المعصم.
نظرة مستقبلية: عالم بدون جبائر معدنية
إن نجاح لاصق العظام الجراحي Bone-02 يفتح الباب أمام مستقبل طبي لم يكن ممكنًا في السابق. يمكن أن يمتد تطبيقه ليشمل مجالات أكثر تعقيدًا مثل جراحات العمود الفقري الدقيقة، وتثبيت زراعات الأسنان، وحتى الاستخدام في حالات الطوارئ في ساحات المعارك أو مناطق الكوارث حيث السرعة والكفاءة تعنيان الفارق بين الحياة والإعاقة.
يتوقع الخبراء أن هذه التقنية، بعد حصولها على الموافقات التنظيمية العالمية، لن تقلل فقط من معاناة ملايين المرضى سنويًا، بل ستخفض أيضًا التكاليف على أنظمة الرعاية الصحية بشكل كبير. نحن على أعتاب عصر جديد في جراحة العظام، عصر تصبح فيه الكسور المعقدة قابلة للإصلاح بسرعة وسهولة، ويصبح فيه مفهوم “الجراحة الثانية” شيئًا من الماضي.
أسئلة شائعة:
1. ما هو غراء العظام Bone-02؟
هو مادة لاصقة حيوية مبتكرة تم تطويرها في الصين، قادرة على تثبيت كسور العظام في غضون ثلاث دقائق. يتميز بأنه قابل للامتصاص من قبل الجسم، مما يلغي الحاجة لإزالته جراحيًا.
2. كيف يعمل هذا الغراء؟
يُحقن الغراء كسائل بين أجزاء العظم المكسور، ويتصلب بسرعة في البيئة الرطبة للجسم. مُستلهمًا طريقة التصاق المحار بالصخور تحت الماء، ليشكل رابطة قوية جدًا.
3. هل غراء العظام آمن؟
نعم، أظهرت الاختبارات السريرية الأولية على أكثر من 150 مريضًا نتائج ممتازة من حيث السلامة والفعالية. صُمم الغراء ليكون متوافقًا حيويًا ويتحلل بشكل آمن في الجسم مع مرور الوقت.
4. ما الفرق بينه وبين الصفائح المعدنية التقليدية؟
الفرق الأساسي هو أنه لا يتطلب جراحة ثانية لإزالته، ويمكن تطبيقه عبر تدخل جراحي أقل توغلاً. كما أنه يقلل من خطر العدوى المرتبطة بوجود أجسام معدنية غريبة في الجسم.
5. متى سيكون متاحًا للاستخدام على نطاق واسع؟
لا يزال الابتكار في مرحلة التجارب المتقدمة والحصول على براءات الاختراع. من المتوقع أن يستغرق الأمر بضع سنوات للحصول على الموافقات التنظيمية اللازمة قبل أن يصبح متاحًا عالميًا.
