النقاط الرئيسية
- الجمعة السوداء أو الجمعة البيضاء ليست موسم خسائر بل أداة تسويق استراتيجية.
- الخصومات الضخمة تخفي أرباحًا غير مباشرة عبر المبيعات المكملة.
- البيانات والولاء أهم من المال المباشر في هذا الموسم.
كل عام، ومع اقتراب نهاية نوفمبر، تتكرر نفس المشاهد: طوابير أمام المتاجر، عربات تسوّق إلكترونية ممتلئة، وشعارات تصرخ “خصم حتى 80%”.
في الغرب تُعرف هذه المناسبة باسم Black Friday، بينما أُعيد تسويقها في العالم العربي تحت اسم الجمعة البيضاء لتبدو أكثر إيجابية وملاءمة للثقافة المحلية.
لكن السؤال الحقيقي الذي لا يُطرح كثيرًا هو: هل يخسر التجار فعلًا في الجمعة السوداء؟
هل من المنطقي أن يبيع متجر عالمي منتجاته بخسارة فادحة لمجرد “الشهرة”؟
الجواب أبعد بكثير مما يبدو، لأن خلف تلك اللافتات البراقة تختبئ أذكى استراتيجيات التسويق الحديثة.
ما الذي يحدث حقًا في يوم الجمعة السوداء (الجمعة البيضاء)؟
بدأت فكرة Black Friday من الولايات المتحدة كحدث ما بعد عيد الشكر، لكنها تحوّلت خلال العقود الأخيرة إلى ظاهرة اقتصادية عالمية.
أما في العالم العربي، فقد تبنّتها الشركات تحت اسم “الجمعة البيضاء” لتعبّر عن “النقاء والعطاء” بدل كلمة “السوداء” التي تحمل دلالات سلبية لغويًا.
المستهلك يظن أنه في موسم “العطاء”، بينما التاجر يعرف أنه في موسم “التحصيل”.
ففي هذا اليوم، لا يبيع التجار بأرخص الأسعار بالضرورة، بل يبيعون أكثر مما يبيعونه طوال العام، ويستعيدون عملاءً نائمين لم يشتروا منذ شهور.
هل التجار يبيعون بخسارة فعلًا؟
الجواب القصير: نادراً جدًا.
وراء كل خصم كبير، حساب دقيق يضمن ألّا يخرج التاجر بخسارة حقيقية. فالمنتجات عادة تُسعّر بهوامش ربح ضخمة — قد تصل إلى 200% من التكلفة.
عندما يُعلن المتجر خصمًا بنسبة 70% في الجمعة السوداء أو الجمعة البيضاء، فهو غالبًا ما يزال يربح 10%–20%.
🧮 مثال بسيط:
إذا كانت تكلفة المنتج 100 دولار وسعره الأصلي 300 دولار، فإن تخفيض السعر إلى 120 دولارًا (خصم 60%) يعني أن المتجر ما زال يغطي التكلفة ويحقق ربحًا صغيرًا.
السر ليس في سعر القطعة الواحدة، بل في حجم المبيعات الكلي الذي يحقق أرباحًا أكبر بأضعاف.
لماذا يضحّي التاجر بالسعر؟
سواء في Black Friday أو الجمعة البيضاء، التخفيضات ليست مقامرة، بل خطة تسويقية متعددة الأهداف.
وفيما يلي أهم الأسباب التي تجعل الخصومات الضخمة منطقية تمامًا من وجهة نظر التجار:
- تصفية المخزون القديم:
قبل طرح الموديلات الجديدة، تحتاج الشركات لمساحة في المستودعات. بيع القديم بسعر التكلفة أفضل من إبقائه متراكمًا. - جذب عملاء جدد:
حتى لو لم يربح التاجر من صفقة معينة، يكسب عميلًا جديدًا يمكنه إعادة استهدافه لاحقًا. - بيع منتجات مكمّلة:
يُباع المنتج الرئيسي بسعر منخفض، بينما تُربح المتجر الإضافات مثل الإكسسوارات، الضمان، أو الشحن السريع. - جمع بيانات المستخدمين:
البريد الإلكتروني، العناوين، تفضيلات الشراء… كلها تُصبح ثروة تسويقية مستقبلية.
الجانب النفسي والتسويقي للخصومات
الجمعة السوداء (أو الجمعة البيضاء) تعتمد على مبدأ نفسي قوي هو الخوف من فوات الفرصة (FOMO).
العدادات التنازلية، التنبيهات اللحظية، وعدد القطع المحدود — كلها أدوات مصمّمة لتدفعك إلى اتخاذ قرار شراء سريع.
تُعرف هذه الطريقة باسم تسويق المنتج الخاسر (Loss Leader Marketing)، أي تقديم عرض جذاب جدًا ليقودك إلى الشراء، ثم بيعك منتجات أخرى تغطي الخسارة وتضاعف الربح.
الخدعة الكبرى: الخصم ليس دائمًا حقيقيًا
قد تُفاجأ أن بعض الخصومات الهائلة ما هي إلا تلاعب بالأرقام.
ترفع المتاجر الأسعار قبل أسبوعين، ثم تعلن عن خصم “70%”، فيبدو العرض مذهلًا بينما السعر الجديد قريب من المعتاد. تُعرف هذه التقنية باسم التسعير الإدراكي (Perceived Value Pricing)، حيث لا يهم السعر الحقيقي بقدر ما يهم شعورك بأنك ربحت صفقة عظيمة.
الذكاء الاصطناعي زاد من دقة هذه اللعبة:
الخوارزميات تتابع سلوكك على الإنترنت، وتعرض لك الخصم المناسب لتغريك في اللحظة المناسبة — سواء في الجمعة السوداء أو البيضاء، الفكرة واحدة: تحريك قرار الشراء النفسي.
تحليل Metalsy
“الجمعة السوداء ليست يوم الخسائر، بل يوم التجارب التسويقية الكبرى.”
في هذا اليوم، تدرس الشركات كيف يفكر المستهلكون، وكيف يتفاعلون مع العروض، وما هي العوامل التي تدفعهم إلى الضغط على زر “اشترِ الآن”.
تُباع المنتجات بأسعار منخفضة، لكن تُشترى بالمقابل بيانات ضخمة، وولاء، وعادات شرائية جديدة.
وهذا هو الربح الحقيقي الذي لا يظهر على الملصقات.
في النهاية، سواء سميتها الجمعة السوداء أو الجمعة البيضاء أو حتى Black Friday، فالمغزى واحد: إنه أكبر مختبر تسويقي في العالم، تتنافس فيه العلامات التجارية على عقول الناس لا على أسعار المنتجات.
فما يبدو لنا يومًا نربح فيه المال، هو في الحقيقة اليوم الذي تربح فيه الشركات معرفةً أعمق بنا كمستهلكين.
فمن الرابح الحقيقي إذًا؟ أنت الذي اشتريت بثقة… أم المتجر الذي درّبك على الشراء كل عام في نفس الموعد؟
قسم الأسئلة الشائعة
هل يخسر التجار حقًا في الجمعة السوداء أو الجمعة البيضاء؟
نادراً ما يخسرون، لأن أغلب الخصومات مبنية على هوامش ربح مرتفعة أصلًا، أو تُستخدم كوسيلة لجذب المشترين لمبيعات إضافية.
لماذا يقدم بعض المتاجر خصومات خيالية تصل إلى 80%؟
عادة لتصفية المخزون القديم أو لجذب عملاء جدد وجمع بياناتهم، وليس بالضرورة خسارة مالية مباشرة.
هل كل العروض في Black Friday أو الجمعة البيضاء حقيقية؟
ليس دائمًا، فبعض المتاجر ترفع الأسعار قبل التخفيضات لتبدو الخصومات أكبر مما هي عليه فعليًا.



