في لحظات الحيرة، وعند مفترق الطرق، لا يوجد دعاء أعظم من: “رَبَّنَا آتِنَا مِن لَدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا”. هذا الدعاء لم يكن من قول نبي، بل من فتية مؤمنين لجأوا إلى كهف في زمن الطغيان، واختصروا كل حاجاتهم بكلمة واحدة: الرشد. لكن، ما هو الرشد؟ ولماذا كان مطلب الجن عند سماعهم القرآن أول مرة؟ ولماذا طلبه موسى من الخضر دون غيره؟ تعالوا نكتشف هذا المعنى الذي يُغيّر مجرى الحياة.
ما هو الرشد في القرآن؟
الرشد في القرآن هو بلوغ الحقيقة، السير على الطريق المستقيم، اتخاذ القرارات الصحيحة بإلهام من الله، وتوفيقه. إنه ليس مجرد معرفة، بل سداد في الفكر، وحكمة في التصرف، وتوفيق في النية والعمل.
قال الله تعالى في سورة البقرة:
﴿فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾
أي أن الإيمان والاستجابة لأوامر الله، هي مفتاح الرشد.
الرشد عند أصحاب الكهف: الاختيار في لحظة الملاحقة
حين هرب الفتية من الظلم، لم يطلبوا نصرًا ولا تمكينًا ولا ملجأ فسيحًا، بل قالوا:
﴿رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا﴾
هذا الدعاء اختصر كل الاحتياجات الإنسانية في كلمة واحدة. لماذا؟ لأن الرشد هو الذي يقودك لاتخاذ القرار الصائب، حتى لو كنت مطاردًا.
الرشد عند الجن: أول انطباع عن القرآن
في سورة الجن، قال الجن بعد سماع القرآن:
﴿إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا، يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ﴾
لم يذكروا أن القرآن يمنح القوة أو الثروة، بل قالوا إنه “يهدي إلى الرشد”، أي أنه يعيد ترتيب البوصلة نحو الخير والحق. هذا أول ما لفتهم، وهذا ما نحتاجه اليوم أيضًا.
موسى والخضر: طلب العلم أم طلب الرشد؟
في سورة الكهف، حين التقى نبي الله موسى بالخضر، لم يقل: “علمني علمًا كثيرًا”، بل قال:
﴿هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَىٰ أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا﴾
الرشد هنا هو الجانب العملي من الحكمة، وهو أن تفهم الحقيقة وإن بدت مخالفة للمنطق البشري، كما في قصص الخضر لاحقًا. موسى أراد “الرشد” لا مجرد المعلومات.
لماذا الرشد أعظم من النصر؟
لأن الرشد هو ما يقودك إلى النصر الحقيقي، حتى لو تأخر، وحتى لو جاء بطرق لا تفهمها الآن. إذا أوتيت الرشد، فقراراتك ستكون مباركة، ونتائجك عظيمة، والمشقة تختصر.
يقول الله:
﴿وَعَسَىٰ أَن يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَـٰذَا رَشَدًا﴾ [الكهف: 24]
كيف نطلب الرشد؟
الدعاء هو أول خطوة. ورد في القرآن:
﴿اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾
اطلب من الله أن يهديك لكل قرار فيه رشد، وادعُ دائمًا بـ: اللهم هيئ لنا من أمرنا رشداً.
خلاصة
إن الرشد في القرآن ليس كلمة عابرة، بل هو نور إلهي يُضيء الطريق حين تظلم الخيارات. هو التوفيق الرباني الذي يجعل قراراتك مميزة وخطواتك مباركة. لا تطلب النجاح فقط، بل اطلب الرشد، لأنه مفتاح كل شيء.
اللهم هيئ لنا من أمرنا رشداً، ويسّر لنا الخير حيث كان.
الأسئلة الشائعة حول الرشد
ما هو الرشد؟
الرشد هو إصابة الحق، والسير على الطريق الصحيح بإلهام وهداية من الله.
لماذا دعا أصحاب الكهف بالرشد؟
لأنهم كانوا في موقف مصيري، والرشد وحده كفيل بإنقاذهم من الملاحقة والفتنة.
كيف يقودنا القرآن إلى الرشد؟
القرآن يعيد ترتيب أفكارنا ويهدينا للقرارات الصحيحة والسبل المثمرة.
هل الرشد أعظم من النصر؟
نعم، لأن الرشد يقود للنصر الحقيقي والمتوازن في الدنيا والآخرة.