تخيل أنك تستيقظ في صباح اليوم الأول من عطلتك التي طال انتظارها في واحدة من أجمل بقاع الأرض، إيطاليا. تتجه مع عائلتك لتناول فطور شهي، ورائحة القهوة الإيطالية تملأ الأجواء، بينما تخططون لزيارة معالم البندقية الساحرة. ولكن، في لحظة واحدة، يتحول هذا المشهد الحالم إلى كابوس سريالي. هذا بالضبط ما حدث للسائح الروماني أوفيديو أ.، الذي وجد نفسه ضحية خطأ في تحديد الهوية، ليقضي قرابة شهر خلف القضبان بدلاً من الاستمتاع بشواطئ كاورلي.
عندما يُلقي تشابه الأسماء بظلاله القاتمة
بدأت القصة في 24 أغسطس الماضي، عندما وصل أوفيديو، وهو رجل في الثلاثينيات من عمره من مدينة ياشي الرومانية، مع زوجته وبناته إلى فندقهم في كاورلي، المنتجع الإيطالي الخلاب. بمجرد تسجيل بياناته في مكتب الاستقبال، انطلق جرس الإنذار صامتاً في أنظمة الشرطة. لسوء حظه، كان اسمه يتطابق تمامًا مع اسم مجرم روماني آخر، صادر بحقه حكم بالسجن لمدة عامين بتهمة السرقة منذ عام 2020.
وبينما كانت العائلة تتناول وجبة الإفطار الأولى، في أجواء من البهجة والترقب، اقتحمت قوات الدرك (الكارابينييري) المشهد. في البداية، ربما ظن أوفيديو أن هناك سوء فهم بسيط سيتم حله في دقائق. لكن للأسف، كانت هذه مجرد بداية لمحنة طويلة ومؤلمة أخذته من طاولة الطعام مباشرة إلى زنزانة في سجن بوردينوني.
متاهة بيروقراطية: معركة لإثبات الحقيقة
وهنا، تجلت المأساة الحقيقية. لم تكن المشكلة مجرد خطأ في تحديد الهوية، بل كانت معركة ضد نظام بيروقراطي معقد وبطيء. تولى المحامي ستيفانو دي روزا قضية السائح البريء، وسرعان ما اصطدم بعقبة رئيسية وصفها بنفسه: “أنظمة الكمبيوتر الخاصة بالشرطة والدرك والمحكمة والسجن غير متصلة في ما بينها”.
هذا التصريح يكشف عن فجوة خطيرة في البنية التحتية الرقمية للعدالة الإيطالية. فبدلاً من أن يتم التحقق من بصمات الأصابع أو الصور أو أي بيانات بيومترية أخرى بشكل فوري لتبرئة ساحة أوفيديو، اضطر محاميه إلى التنقل بين أربع جهات حكومية مختلفة – كل منها يعمل في صومعة منعزلة – ليجمع يدويًا الوثائق التي تثبت أن موكله ليس الشخص المطلوب. استغرق هذا الجهد المضني أسابيع، قضاها رجل بريء في السجن، بعيدًا عن عائلته المصدومة التي تحولت إجازتها إلى وقفة مؤلمة أمام بوابات السجن.
ما وراء القضبان: التكلفة البشرية للأنظمة المعيبة
إن قضية أوفيديو ليست مجرد قصة غريبة أو حادثة فردية، بل هي مرآة تعكس التكلفة البشرية الباهظة للبيروقراطية غير الفعالة.
- إحصائيًا: على الرغم من صعوبة الحصول على أرقام دقيقة لحالات الاعتقال بالخطأ بسبب تشابه الأسماء في أوروبا، تشير تقارير منظمات حقوقية إلى أن آلاف الأشخاص يقعون ضحايا لأخطاء إدارية وقضائية سنويًا. في إيطاليا تحديدًا، يُعرف النظام القضائي ببطئه الشديد، حيث تستغرق القضايا سنوات طويلة، مما يزيد من احتمالية وقوع مثل هذه الأخطاء وتفاقم عواقبها.
- التأثير النفسي: علق أوفيديو بعد إطلاق سراحه قائلاً: “لقد انتهى الكابوس”. هذه الكلمة “كابوس” تختزل الأثر النفسي المدمر: الشعور بالظلم، العجز، القلق على أسرته، وضياع حريته دون ذنب. إنها صدمة قد تترك ندوبًا طويلة الأمد.
- وجهة نظر تحليلية: تكشف هذه الحادثة عن مفارقة العصر الرقمي؛ فبينما نتحدث عن الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة، لا تزال بعض الأنظمة الحكومية الحيوية تعمل بجزر منعزلة. إن عدم الربط بين قواعد البيانات ليس مجرد مشكلة تقنية، بل هو فشل إداري يعرض حرية الأفراد للخطر ويقوض الثقة في مؤسسات الدولة. لقد حان الوقت لتكون “العدالة الذكية” أولوية، وليس مجرد مصطلح تقني.
نهاية الكابوس وبداية جديدة
أخيرًا، بعد قرابة شهر من المعاناة، أُطلق سراح أوفيديو يوم الخميس. كانت أولى لحظات حريته، كما وصفها محاميه، مخصصة “لتقبيل زوجته وبناته” في مشهد مؤثر يعكس حجم المحنة التي مرت بها العائلة.
وبشكل يثير الإعجاب، قررت العائلة عدم الهروب من إيطاليا فورًا. بل اختاروا البقاء لبضعة أيام أخرى “لاستكمال إجازتهم”، في محاولة شجاعة منهم لاستعادة جزء مما سُرق منهم، وتحويل ذكرى هذا البلد من مجرد كابوس إلى شيء يحمل بصيصًا من الأمل والجمال الذي أتوا من أجله في المقام الأول. إنها شهادة على قوة الروح البشرية في مواجهة العبثية والظلم.
خاتمة: تعتبر قصة أوفيديو تذكيرًا قويًا بأن العدالة ليست مجرد قوانين ونصوص، بل هي نظام متكامل يجب أن يكون دقيقًا، فعالًا، ومترابطًا. إن أي خطأ في تحديد الهوية لا يمثل مجرد إحصائية في سجلات المحاكم، بل هو حياة إنسان انقلبت رأسًا على عقب، وعائلة عاشت في قلق، وثقة اهتزت في نظام كان من المفترض أن يحميها.
المصدر:
- وكالة فرانس برس (AFP)
- صحيفة “Corriere del Veneto”