إعلان

النقاط الرئيسية

  • الهجرة المعاكسة في الجزائر تهدف إلى استقطاب الكفاءات المهاجرة ليستثمروا في الوطن.
  • الاستراتيجية تواجه تحديات مثل الثقة، والبيئة الاستثمارية، والحوافز.
  • نجاح الخطة يمكن أن يُعزّز نقل المعرفة، وريادة الأعمال، وتقليص الهجرة غير القانونية.

تشهد الجزائر تحولًا مهمًا في استراتيجيتها نحو الجالية وكفاءاتها بالخارج، إذ تتجه نحو ما يُعرف بـ الهجرة المعاكسة (عودة أو استثمار المهارات المهاجرة) بدلًا من الانتظار فقط لتحويلات مالية أو الهجرة العادية. هذا التوجّه يأتي ضمن رؤية أوسع لتعزيز التنمية، وصناعة المستقبل، وفتح آفاق جديدة للاستثمار والمعرفة.

لماذا تتبنّى الجزائر الهجرة المعاكسة؟

من الأسباب التي تحفّز الجزائر على إطلاق هذه الخطة يمكن تلخيصها كما يلي:

  • هجرة الأدمغة: الجزائر خسرت على مدى عقود أعداداً كبيرة من الباحثين والأطباء والمهندسين الذين فضّلوا العمل في الخارج. أحد الدراسات تشير إلى أن الجزائر خسرت أكثر من 30 000 باحث حصلوا على منح ما بين 1970 و2010، أي ما يقارب نصف عدد الباحثين والأساتذة والطلبة في تلك الفترة.
  • رأس مال بشري هائل في الخارج: ملايين من الجزائريين يقيمون في أوروبا، أمريكا وآسيا، يمتلكون خبرات تقنية وعلمية وشبكات عالمية. مثل هذه الكفاءات تشكّل فرصة ثمينة لو تم تفعيلها لخدمة الوطن.
  • تحويل النموذج الاقتصادي: بدلاً من تلقّي تحويلات فقط، ترغب الجزائر في أن تستثمر هذه الكفاءات وان تستقطب مشاريع وطنية أو استثمارية من الخارج.
  • التكيّف مع اقتصاد المعرفة: مع التحول الرقمي والتكنولوجيا، تحتاج الجزائر إلى مهارات حديثة في الصحة والتكنولوجيا والصناعة، والكفاءات المهاجرة قادرة على سدّ جزء من هذا الفجوة.

تُشير تقارير عديدة إلى أن الجزائر قد بدأت بالفعل في توجيه سياساتها نحو استقطاب المهارات، عبر برامج موجهة للجالية وفتح حوافز للاستثمار.


التحديات التي تواجه هذه الاستراتيجية

مع كل الفرص، هناك حواجز تعترض طريق نجاح الهجرة المعاكسة في الجزائر، من أبرزها:

  • الثقة بين الدولة والجالية: بحسب تقرير، هناك تاريخ من انعدام الثقة بين الجزائر وجاليتها في الخارج بسبب سابقات الاستقلال والحرب الأهلية وضعف التنسيق.
  • المناخ الاستثماري والبُنى التحتية: بعض الكفاءات في الخارج تطرح مسألة أن البيئة البحثية أو الاستثمارية في الجزائر لا تزال أقل جاذبية مقارنة بالدول الداعمة للبحث أو بريادة الأعمال.
  • حوافز غير كافية: رغم وجود برامج، إلا أن الحوافز الضريبية أو الإدارية تُعد أقل وضوحًا أو أقل دفعة مما يحتاجه الأمر لجذب الكفاءات الحقيقية.
  • إدارة الخروج أو البُعد الجغرافي: ليس كلّ كفاءة ترغب بالعودة فعليًا، لكن يمكن أن تُشارك عن بُعد أو بشراكة مع المؤسسات الجزائرية — وهذا يتطلّب آليات مرنة.

أمثلة عملية وإحصائيات

  • دراسة بعنوان “Skilled Migration from Algeria 1991-2015” أشارت إلى أن الجزائر يمكن أن تستفيد من شبكات المهارات المغتربة عبر ربطها ببلدها الأصلي، وأن هذا التحوّل من «هجرة الأدمغة» إلى «مكسب الأدمغة» (brain gain) ممكن لكن يتطلب سياسات واضحة.
  • تقرير “ALGERIA – Diaspora for Development” بين أن تحويلات الجالية الجزائرية تشكّل نسبة صغيرة من الناتج المحلي، وتُشير إلى أن الجزائر لم تعتمد بعد بالكامل على استثمار هذه التحويلات أو المهارات.
  • في السياق العملي، الحكومة الجزائرية نظّمت لقاءات مكثّفة مع الأطباء والمستثمرين والمشاريع الناشئة في الخارج، ودعتهم إلى «العودة» أو المساهمة من الخارج في منظومة الصحة والتكنولوجيا. (انطلاقًا من المقال المرفق).

لماذا هذه الخطوة مهمة وحاسمة الآن؟

إن إطلاق الجزائر لخطة الهجرة المعاكسة يأتي في توقيت حاسم لعدة أسباب:

إعلان
  1. تغيّر بنية الاقتصاد العالمي: الاقتصاد العالمي يتحوّل نحو الصناعات الرقمية والتكنولوجيا المتقدمة، والجزائر بحاجة أن تواكب هذا التحول. إن ربط كفاءات في الخارج بخبراتها يمكن أن يسرّع هذا التكيّف.
  2. المنافسة على المواهب العالمية: في حين أن الدول المتقدمة تستقطب الكفاءات، فإن الدول المصدّرة تستطيع أن تعيد موقعها عبر سياسة جذب عكسية. إن استيعاب هذه المواهب أو شراكتها يعدّ مصدرًا تنافسيًا.
  3. التنمية المستدامة: بدلاً من الاعتماد على النفط أو المعاملات التقليدية، يمكن أن تصبح الجزائر منصة للكفاءات المغتربة لتطوير مشاريع محلية، ما يعزّز الاستقلال التقني والاقتصادي.
  4. تحسين صورة الجزائر دوليًا: عندما يُشارك طبيب جزائري مقيم في أوروبا في تطوير المنظومة الصحية في الجزائر، أو يقود مشروعًا تكنولوجيًا محليًا، فإن ذلك يُرسّخ الانتماء ويُعزّز الثقة بين الجالية والوطن.

لكنّي أرى أنّ ذلك لن ينجح إلا إذا تحقّقت سلسلة من الشروط: تحسين البيئة التنظيمية، تقديم حوافز واضحة، وضمان مستمر للتعاون بين الخارج والداخل، بالإضافة إلى تغيير الثقافة المؤسسية داخل الجزائر نحو تشجيع الريادة والابتكار بدل البيروقراطية.

ما تأثير ذلك على الجزائر؟

عند نجاح هذه الخطة، يمكن أن يكون لها تأثيرات مهمة منها:

  • نقل التكنولوجيا والمعرفة: كفاءات في الخارج تمكّن من إدخال مهارات حديثة ومعارف عالمية إلى الجزائر، مما يعزّز المشاريع الصناعية والتقنية.
  • زيادة الاستثمارات وتحفيز ريادة الأعمال: عندما تُشجّع جالية على الاستثمار أو إقامة مشاريع، ينشأ أثر مضاعف وظيفي وتنموي.
  • تقليل الاعتماد على الهجرة التقليدية: بدلاً من أن يكون الشباب الوحيد خيار له هو الهجرة غير القانونية أو العشوائية، ستكون هناك فرص محلية ويُحسّن ذلك الاستقرار الاجتماعي.
  • توطيد الرابط مع الجالية: عندما يرى المغترب أن لديه فرصًا حقيقية ويُعامل كشريك وليس كمواطن ثاني، يُعزّز ذلك الشعور بالانتماء ويُحفّز المشاركة.
  • تحسين المرتبة الدولية للجزائر في مجال المعرفة: بمساهمة المغتربين والعودة الجزئية أو الكاملة، يمكن أن ترتفع جودة البحث والتطوير، مما ينعكس على قدرات الابتكار وصورة الجزائر عالميًا.

ماذا يُتوقع؟

في السنوات القادمة، نتوقّع أن الجزائر ستشهد:

  • توسعًا في برامج الريادة الخاصة بالجالية: مثل حوافز للشركات الناشئة التي يُطلقها جزائريون بالخارج أو مشاريع مشتركة مع مؤسسات دولية تشارك فيها الكفاءات الجزائرية.
  • ظهور منصات رقمية للتواصل ما بين الكفاءة والجاليّة والوطن: لتيسير الشراكة عن بُعد، وإتاحة مشاريع «من الخارج إلى الداخل» دون الحاجة إلى العودة الكاملة.
  • تركيز أكبر على التكنولوجيا و«اقتصاد المعرفة»: بما أن المهارات في الخارج غالبًا تتركّز في قطاعات جديدة، ستُصبح الجزائر تنافس في هذا الحقل، مع جلب خبرات في الصحة الرقمية، الذكاء الاصطناعي، الطاقة النظيفة.
  • التحدّي الأكبر: تحقيق مشروعات ملموسة سريعة النتائج: لأن الكفاءة لن تبقى منتظِرة بطول، وإنما ستُقيّم على نتائج وإنجازات. وبالتالي، يتطلّب الأمر أن تُوفّر الجزائر بيئة واضحة التنفيذ.
  • تأثير على المجتمع المحلي: الشباب في الجزائر قد يرى أن العودة ليست تراجعًا أو مجازفة، بل فرصة يُمكن أن تُفتح له أبوابًا في وطنه، ما يقلّل من الهجرة غير القانونية ويُحفّز البقاء أو المشاركة.

إن نجحت الجزائر في هذه المسيرة، فقد تتحوّل إلى نموذج للمغرب العربي وأفريقيا في كيفية استثمار الجالية والكفاءات المغتربة، مما يعني أن «الهجرة المعاكسة» ليست خيارًا بل ضرورة من أجل التحوّل الوطني.


قسم الأسئلة الشائعة

ما المقصود بـ الهجرة المعاكسة في الجزائر؟

هي عملية استقطاب الكفاءات الجزائرية المقيمة في الخارج، سواء عبر عودتهم الفعلية إلى الوطن أو من خلال مساهمتهم بخبراتهم ومشاريعهم عن بُعد لدعم التنمية الوطنية.

ما أسباب إطلاق الجزائر لخطة الهجرة المعاكسة؟

جاءت الخطة نتيجة الخسائر الكبيرة التي تكبدتها البلاد من هجرة العقول، إضافة إلى الرغبة في الاستفادة من خبرات المغتربين في القطاعات الحيوية مثل الصحة والتكنولوجيا والصناعة.

ما أبرز التحديات التي تواجه تنفيذ هذه الخطة؟

من أهم التحديات ضعف الثقة بين الجالية والدولة، والبيروقراطية، والحوافز المحدودة، إضافة إلى الحاجة لتطوير بيئة بحثية واستثمارية أكثر جاذبية.

كيف يمكن للكفاءات الجزائرية في الخارج المساهمة دون العودة الدائمة؟

يمكنهم نقل المعرفة والتجارب من خلال الشراكات البحثية أو التدريب عن بُعد أو تأسيس شركات ناشئة بالتعاون مع مؤسسات داخل الجزائر.

ما المتوقع أن يحدث إذا نجحت خطة الهجرة المعاكسة؟

من المتوقع أن تزداد الاستثمارات المحلية، وأن تُسهم الكفاءات العائدة في تطوير التكنولوجيا والخدمات، وتقليل الهجرة غير الشرعية، ورفع مكانة الجزائر في اقتصاد المعرفة.

شاركها.

منصة شاملة تقدم محتوى متنوعًا يجمع بين الأخبار الحديثة والمدونات التحليلية، بالإضافة إلى إحصائيات دقيقة، واختبارات تفاعلية، ومقاطع فيديو مبتكرة.

إعلان
Subscribe
Notify of
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
تعليقات داخلية
عرض كل التعليقات
إعلان
wpDiscuz
0
0
حابين نسمع رأيك، اترك تعليقك.x
()
x
Exit mobile version