القصص والبث المباشر هما من أبرز أشكال المحتوى السريع الانتشار في وسائل التواصل الاجتماعي اليوم. مع تطور استخدام الهواتف الذكية وشبكة الإنترنت، باتت هذه الأدوات الرقمية جزءًا أساسيًا من تجربة المستخدم، سواء كان الهدف هو مشاركة لحظات شخصية عابرة أو تقديم عرض تسويقي مميز لعلامة تجارية. لكن السؤال الذي يطرح نفسه: أيهما يستحوذ على اهتمام الجمهور بشكل أكبر؟ وهل توجد أرقام فعلية وإحصائيات يمكن أن تقدّم لنا إجابة واضحة حول مدى شعبية كلٍّ من القصص والبث المباشر؟ في هذا المقال، سنستعرض أحدث الأرقام والمعلومات، ونجيب عن هذا السؤال المحوري لمساعدة المسوّقين وروّاد الأعمال في توجيه استراتيجياتهم بنجاح.
ما هي القصص والبث المباشر؟
قبل أن نخوض في الإحصائيات، لنحدّد المقصود بالقصص والبث المباشر. القصص (Stories) هي محتوى مرئي أو فيديو قصير يستمر لمدّة زمنية محدودة – عادة 24 ساعة – على منصات مثل إنستغرام وفيسبوك وسناب شات. أما البث المباشر (Live Stream)، فهو فيديو فوري يُبث على الهواء مباشرة، ويتيح للمشاهدين التفاعل من خلال التعليقات أو الإعجابات الفورية.
يشترك كلا النوعين في طبيعتهما المؤقتة والتفاعلية، إلا أن الاختلاف الجوهري يكمن في طبيعة التواصل: القصص تميل إلى المحتوى السريع الخاطف الذي يمكن مشاهدته في أي وقت خلال نافذة نشره، بينما البث المباشر يتطلّب حضورًا فوريًا وتفاعلًا في الوقت الحقيقي من المشاهدين. وهنا تبرز أهمية الحديث عن القصص والبث المباشر في عالم التسويق وصناعة المحتوى؛ لأن كلا التنسيقين يقدّمان مزايا فريدة لجذب الانتباه وبناء علاقات قوية مع الجمهور.
إحصائيات حول القصص (Stories)
- عدد المستخدمين اليومي: وفقًا لتقارير صادرة عام 2022، فإن عدد مستخدمي قصص إنستغرام يوميًا تجاوز 500 مليون مستخدم، بينما سجّلت قصص فيسبوك حوالي 300 مليون مستخدم نشط يوميًا. هذا يدل على أن القصص باتت خيارًا رئيسيًا لا يمكن تجاهله عند وضع أي استراتيجية تسويق رقمي.
- التفاعل السريع: تُعد خاصية القصص مغرية للعلامات التجارية لأنها تتيح لهم نشر محتوى قصير وتفاعلي يمكن للمستخدم مشاهدته بسرعة. وبحسب استطلاعات رأي عالمية، أكثر من 62% من مستخدمي إنستغرام يهتمون برؤية تحديثات القصص يوميًا.
- إمكانية الانتشار الفيروسي: على الرغم من أن القصص مؤقتة بطبيعتها، إلا أن وجود أدوات مثل الملصقات التفاعلية (الاستفتاءات، الأسئلة، عدادات الوقت) يعزز من وصول المحتوى إلى شرائح واسعة ويوفّر فرصة لزيادة الوعي بالعلامة التجارية.
من منظور تسويقي، يُعد اللجوء إلى القصص والبث المباشر معًا فرصة ذهبية للترويج الفوري وخلق ولاء أكبر لدى المتابعين. ففي الوقت الذي يوفّر فيه تنسيق القصص سرعة ونمطًا لا يتطلّب الكثير من التنقيح والإنتاج، يظل جمهورك قادرًا على استهلاك المحتوى في أي وقت خلال 24 ساعة، ما يزيد من فرص المشاهدة والتفاعل.
إحصائيات حول البث المباشر (Live Stream)
- نمو ملحوظ: يشير تقرير نشرته منصة StreamElements بالتعاون مع Arsenal إلى أن سوق البث المباشر ارتفع عالميًا من حيث ساعات المشاهدة بما يزيد عن 99% خلال عام واحد فقط بين 2020 و2021. وتشمل هذه الأرقام منصات متنوّعة مثل فيسبوك لايف، إنستغرام لايف، تويتش، ويوتيوب لايف.
- تفاعل قوي: أحد أهم أسباب شعبية البث المباشر هو التفاعل الآني بين المذيع والجمهور. تشعر فئة كبيرة من المستخدمين بالحماس للمشاركة في المحادثة الفورية والإجابات المباشرة على أسئلتهم.
- مجال إيرادات جديد: تحظى البثوث المباشرة بشعبية خاصة في مجالات الألعاب الإلكترونية، والتسوّق المباشر (Live Shopping). وقد بدأت علامات تجارية مرموقة مثل أمازون وعلي بابا في استثمار البث المباشر لتعزيز المبيعات وخلق تجارب تسوق تفاعلية للجمهور.
مقارنة مع القصص، يُعد البث المباشر تجربة حية تخلق إحساسًا “بالمشاركة اللحظية” التي يصعب تحقيقها في منشورات أخرى. وفي الوقت ذاته، يتطلّب البث المباشر إعدادًا أكثر تنظيمًا وسيناريو واضحًا لجذب المشاهدين والحفاظ على اهتمامهم طوال مدة البث.
أيهما يستحوذ على اهتمام الجمهور بشكل أكبر؟
عند الحديث عن القصص والبث المباشر بوصفهما أدوات تسويقية، فإن الجواب لا يقتصر على أرقام المشاهدة فقط، بل يتعلّق أيضًا بطبيعة الجمهور وبأهداف الحملة التسويقية ذاتها. عمومًا، تُظهِر الإحصائيات أن القصص تحظى بقاعدة مستخدمين أكبر وأبسط من حيث الاستهلاك اليومي، بينما يستقطب البث المباشر مجموعة أصغر لكنها شديدة التفاعل.
- القصص: نظرًا لبساطتها وسهولة استهلاكها، قد يصل عدد مشاهداتها إلى مئات أو آلاف من الجمهور في لحظات قصيرة. تُعد مثالية للمحتوى القصير، الإعلانات السريعة، والعروض التي تحتاج إلى سرعة انتشار.
- البث المباشر: يتميز بشريحة جمهور شديدة الولاء ومستعدة للتفاعل في الوقت الفعلي. قد تكون أعداد المشاهدين الفعليين للبث المباشر أقل من القصص، ولكن من يتابع البث عادة ما يكون أكثر تركيزًا، وتفاعله المباشر قد يؤدي إلى تأثير أكبر في اتخاذ القرار، مثل الشراء أو الاشتراك في خدمة ما.
يُمكن القول إن القصص مناسبة لحملات الوعي السريع أو بناء صورة العلامة التجارية، بينما يُعد البث المباشر خيارًا جيدًا عندما تتطلب الحملة حوارًا مباشرًا مع الجمهور وتفاعلًا لحظيًا، كالإجابة على أسئلة أو شرح مفصل لخدمة أو منتج.
كيفية الاستفادة التسويقية من القصص والبث المباشر
بالنظر إلى المزايا المذهلة لكل من القصص والبث المباشر، هناك طُرق عديدة يمكن للمسوّقين اعتمادها لتحقيق أفضل النتائج:
1. تنويع المحتوى
لا تكتفِ باستخدام القصص أو البث المباشر فقط. حاول المزج بينهما لتحقيق أقصى قدر من الاستفادة. على سبيل المثال، يمكنك الإعلان عن موعد البث المباشر من خلال القصص، ومن ثم نشر مقاطع مختصرة من البث المباشر في القصص بعد انتهائه.
2. التخطيط المسبق للبث المباشر
بالرغم من أن فكرة البث المباشر تبدو عفوية، إلا أنه من الضروري إعداد سيناريو وترتيب الأفكار قبل بدء البث المباشر. حدّد الموضوعات التي ستناقشها، والوقت الذي ستستغرقه، وكيف ستشجّع الجمهور على المشاركة من خلال الأسئلة والتعليقات.
3. تخصيص ميزانية للإعلانات الممولة
من أجل ضمان وصول المحتوى الذي تقدّمه لأكبر شريحة ممكنة، يُنصَح بتخصيص جزء من ميزانية التسويق الرقمية للإعلانات الممولة التي تروّج للقصص أو البث المباشر على منصات مثل فيسبوك وإنستغرام. تساعد هذه الخطوة في زيادة عدد المشاهدين والمهتمين بالتفاعل.
4. استخدم الأدوات التفاعلية
إنستغرام مثلاً يوفّر ملصقات الأسئلة واستطلاعات الرأي في القصص، وتويتر يتيح مساحات الصوت (Twitter Spaces) لإنشاء بث مباشر صوتي. تذكّر دائمًا تضمين عناصر تفاعلية تستدرج الجمهور للتفاعل، سواء في القصص أو أثناء البث المباشر.
5. تحليل الأداء والاستفادة من الأرقام
بعد نشر القصص أو الانتهاء من البث المباشر، قم بمراجعة الإحصائيات لتحديد معدل المشاهدة والتفاعل. ركّز على نوعية الجمهور، نسبة المشاهدة الكاملة، وعدد التعليقات أو الأسئلة المطروحة. هذه الأرقام ستساعدك في ضبط استراتيجيتك المستقبلية، واختيار المحتوى المناسب الذي يجذب انتباه جمهورك ويحفّزهم على التفاعل.
أمثلة ناجحة من الواقع
- الماركات العالمية للأزياء: تعتمد دور الأزياء العالمية على القصص بشكل كثيف للإعلان عن تصاميم جديدة أو عروض خاصة. وعندما يكون هناك حدث أو افتتاح لمعرض أزياء، يلجؤون إلى البث المباشر لنقل الأجواء مباشرة إلى جمهورهم العاشق للموضة.
- منصات التعليم الإلكتروني: تستخدم بعض المنصات البث المباشر لإلقاء محاضرات سريعة أو حصص تدريبية قصيرة، ثم تروّج لهذه المحاضرات على شكل قصص لجذب مزيد من الطلاب للمشاهدة لاحقًا.
- المطاعم والمقاهي: تقوم بعرض قوائمها اليومية في القصص، وتستغل البث المباشر لشرح طريقة تحضير بعض الأطباق أو المشروبات، ما يزيد من ثقة العملاء وإقبالهم على تجربة ما تقدّمه.
القصص والبث المباشر في ظل المنافسة الشرسة بين المنصات
مع المنافسة الشديدة في عالم التواصل الاجتماعي، تسعى كل منصة إلى تطوير ميزات جديدة لجذب المستخدمين. إنستغرام، مثلاً، طوّرت مؤخرًا أدوات جديدة لتسهيل عمليات التسوق من داخل القصص مباشرة، بينما فيسبوك يعتمد بشكل أوسع على البث المباشر للفعاليات والندوات عبر منصته. هذا يعني أن كلاً من القصص والبث المباشر سيستمران في النمو والتطور في المستقبل، مع إضافة المزيد من الخصائص التفاعلية وإمكانيات التسويق.
إن إدراك طبيعة كل منصة وفهم سلوك جمهورك هما المفتاح لاختيار الأداة المناسبة للمحتوى المناسب. فما ينجح على إنستغرام قد يختلف عن فيسبوك أو سناب شات، رغم تشابههم في فكرة القصص أو البث المباشر.
التوازن بين القصص والبث المباشر لنجاح استراتيجيتك
من الصعب الجزم بأن هناك قالبًا وحيدًا يصلح للجميع، لكن يمكن القول إن المزج الذكي بين تنسيق القصص والبث المباشر هو ما يمنحك أفضل النتائج. قد تبدأ بالتشويق من خلال نشر مجموعة من القصص القصيرة عن حدث أو إطلاق منتج جديد، ثم تقوم ببث مباشر للإجابة عن الأسئلة وتقديم مزيد من التفاصيل. بعد انتهاء البث، يمكنك نشر مقتطفات أو أبرز اللحظات في القصص، وتوجيه المتابعين لمشاهدة الملخص أو الإعادة.
وبهذه الطريقة، أنت لا تبني مجرد محتوى مؤقت؛ بل تصنع سلسلة منسجمة من التفاعل المستمر بينك وبين جمهورك، مستفيدًا من قوة القصص والبث المباشر معًا.
الخلاصة
لا يمكن إنكار التأثير المتزايد لكلٍّ من القصص والبث المباشر في عالم التسويق الرقمي ووسائل التواصل الاجتماعي. فعلى الرغم من أن القصص تُعد الأوسع من حيث قاعدة المستخدمين وسهولة المشاهدة، يظل البث المباشر محتوى أكثر تفاعلية وتأثيرًا في قرارات الجمهور، بسبب التواصل الفوري والشعور بالتواجد الحي.
إن اختيار الأداة الأنسب – القصص أو البث المباشر – يعتمد في النهاية على أهدافك التسويقية، ونوعية جمهورك، ونوع الرسالة التي تريد إيصالها. لكن لا تنسَ أنّ القوة الحقيقية تكمن في الدمج بينهما لاستغلال المزايا الفريدة لكل منهما. فالقصص تتيح لك الوصول السريع والواسع، فيما يمنحك البث المباشر تفاعلًا حيويًا ومباشرًا. لذا جرّب التنسيقين، وراقب النتائج، وقم بتعديل استراتيجيتك بناءً على الإحصائيات التي تحصل عليها. بهذه الطريقة، ستتمكن من توجيه مسارك التسويقي نحو النمو المستدام وتحقيق النجاح في عالم التواصل الاجتماعي الذي يتغير بوتيرة متسارعة.
في النهاية، تذكّر دائمًا أن الجمهور هو المحور الأساسي لكل ما تقدّمه من محتوى. إذا قدّمت لهم القصص والبث المباشر بمحتوى أصيل ومتجدد، فستضمن ليس فقط عدد مشاهدات كبيرًا، بل أيضًا مجتمعًا يتفاعل معك ويثق بما تقدّمه من منتجات أو خدمات.