خلق الله الإنسان من طين، ونفخ فيه من روحه، فجعل منه كائنًا يحمل في داخله سرًّا إلهيًا، وقدرة على الارتقاء أو السقوط. ليست حياتنا مجرد أيام نعدّها على الأرض، بل هي رحلة وعي، تبدأ من الفطرة، وتمر بالاختبار، وتنتهي إلى لقاء. وبين البداية والنهاية، تظل الروح في صراع بين نداء السماء وهمس التراب.
الإنسان ليس جسدًا فقط
في أعماق كل إنسان نورٌ لا تطفئه الظلمات، وحنينٌ لا يُفسَّر. ذلك النور هو أثر النفخة الربانية، وتلك الحنين هو تذكّرٌ للمقام الأول، حين كانت الأرواح في عالم الذر تشهد: “ألستُ بربكم؟”.
لكن حين خُلق الإنسان جسدًا، وبدأت الحواس تشده نحو الأرض، بدأ ينسى. نسي أن له روحًا أعلى من شهوة، ورسالة أعظم من متعة.
الغفلة أصل المعاناة
ما أكثر ما نلوم الظروف، وننسى أن الغفلة هي الجذر! ليست المعاناة عقابًا دائمًا، بل تنبيه، وتذكير، ومحطة توقف لعلّ القلب يسمع.
قال تعالى: “وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير”.
فإذا شعر الإنسان بالضياع، فليتأمل: هل فقد بوصلته؟ هل نسي من يكون؟
الروح التي تتذكّر
بعض النفوس، رغم الضجيج، تتذكر.
تعيش لله، وتحب للّه، وتزهد لا خوفًا بل يقينًا.
تلك الأرواح تعرف أن العدل عبادة، وأن الصمت أحيانًا أبلغ من الكلام، وأن السير إلى الله هو الطريق الحقيقي للطمأنينة.
الروح التي تنسى
أما الأرواح التي غفلت، فقد عشقت المرايا، وظنّت أن الجسد هو كل شيء. فصارت تعيش للخوف، تتعلق بالمظاهر، وتلهث خلف ما يزول.
ولكن حتى هذه النفوس، لا تُغلق عليها الأبواب.
قال تعالى: “قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله”.
النور لا ينطفئ، لكنه ينتظر من يفتحه الباب.
العودة تبدأ من الداخل
العودة ليست رحلة بالأقدام، بل يقظة بالقلب.
هي لحظة يسمع فيها الإنسان صوتًا داخليًا يقول: “لقد آن لك أن تنهض”.
وحين ينهض، يبدأ في خلع أغلفة التعلق، أغلفة الخوف، أغلفة الزيف…
ليتخفف، ويصعد، ويعود خفيفًا كما نزل.
لسنا هنا للتيه، ولا خُلقنا للغفلة.
نحن أرواحٌ سُكنت أجسادًا، لنعبر زمن الابتلاء، ونشهد على الحق، ونرتقي بالوعي، ونسير نحو من قال: “قد أفلح من زكاها”.
فمن شاء أن ينهض، فليتذكّر. ومن تذكّر، فقد بدأ الطريق.
أسئلة مفتاحية
ما معنى رحلة الروح في الإسلام؟
رحلة الروح في الإسلام تشير إلى انتقال النفس من عالم الأرواح إلى الحياة الدنيا ثم العودة إلى الله بعد الموت. وهي رحلة اختبار للوعي والإيمان والعمل.
كيف يعود الإنسان إلى الله بعد الغفلة؟
يعود الإنسان إلى الله من خلال التوبة الصادقة، والذكر، والتأمل، واستحضار الغاية من الوجود، والعمل الصالح الذي يطهّر القلب من الغفلة.
هل الغفلة عقوبة أم ابتلاء؟
الغفلة ليست دائمًا عقوبة بل قد تكون ابتلاءً واختبارًا للإنسان، وفرصة للعودة والتذكّر والتزكية.
ما الفرق بين النفس والروح؟
الروح هي نفخة من أمر الله تعطي الإنسان الحياة، بينما النفس هي الكيان الذي يُختبر ويحاسب، وقد تكون أمّارة أو لوّامة أو مطمئنة حسب سلوك الإنسان.
كيف يتذكر الإنسان أصله الروحي؟
يتذكر الإنسان أصله الروحي من خلال التأمل في آيات الله، ومحاسبة النفس، والتفكر في خلقه، والسعي إلى الصدق والتواضع والعبادة.