في زمنٍ كانت فيه الممالك تتحارب بالسيوف والرماح، وُلد فتى في مقدونيا يحمل بين عينيه بريقاً لا يشبه أبناء عصره. كان يُدعى الإسكندر، لكنه لم يرضَ بأن يكون أميراً فحسب، بل أراد أن يُخلِّد اسمه في التاريخ كأعظم قائد عرفته البشرية. وقد فعل.
البدايات: النشأة والتعليم
وُلد الإسكندر في عام 356 قبل الميلاد في مدينة بيلا، عاصمة مقدونيا. كان والده الملك فيليب الثاني، الذي وحّد المدن الإغريقية تحت رايته، وأمّه أوليمبياس، التي زرعت في نفسه الإيمان بأنه ذو شأن إلهي.
وفي سن الثالثة عشر، اختار له والده معلّماً استثنائياً: الفيلسوف أرسطو. ومنه تعلّم الإسكندر الفلسفة، والعلوم، والمنطق، والأدب، وتكوّن لديه ولعٌ بالأساطير الإغريقية والرغبة في تحقيق المجد.
طريق الحكم: الوراثة المبكرة والتحديات
عندما اغتيل فيليب عام 336 ق.م.، تولّى الإسكندر العرش وهو في سن العشرين فقط. واجه ثورات في المدن الإغريقية، فأسكتها بعنف وحزم، مؤكداً أنه الوريث الشرعي والقائد القادر.
ثم اتجه ليتابع حلم والده الأكبر: غزو الإمبراطورية الفارسية، أكبر قوة في ذلك العصر.
الفتوحات: عبقرية عسكرية لا تُضاهى
بدأت حملة الإسكندر ضد الفرس في عام 334 ق.م.، وكانت أولى معاركه الكبرى معركة غرانيكوس، تلتها معركة إيسوس، حيث هزم الملك الفارسي داريوس الثالث للمرة الأولى. ثم في معركة غوغميلا (331 ق.م.)، وجه له الضربة القاضية.
واصل زحفه نحو مصر، حيث أسّس مدينة الإسكندرية، ثم إلى بلاد فارس، حيث استولى على سوسا وبرسبوليس، وقضى على آخر مقاومات الإمبراطورية الأخمينية.
ولم يكتفِ بذلك، بل قاد جيشه عبر آسيا الوسطى ووصل حتى حدود الهند، وهناك خاض معركة نهر الهايداسبس ضد الملك بوروس، وأبدى احترامه لعدوه المهزوم.
الإرث الثقافي والسياسي
أينما ذهب، لم يترك الإسكندر وراءه الخراب فقط، بل دمج بين الثقافات الإغريقية والشرقية. شجّع التزاوج بين الجنود المقدونيين والنساء الفارسيات، وارتدى اللباس الفارسي، وعيّن قادة محليين.
أسّس أكثر من 20 مدينة باسمه، أبرزها الإسكندرية، التي أصبحت مراكز للعلم والتجارة.
الوفاة الغامضة: نهاية مفاجئة لقائد لا يُقهر
في عام 323 ق.م.، وعمره لا يتجاوز 32 عامًا، مرض الإسكندر فجأة في مدينة بابل، وتوفي وسط ظروف غامضة. اختلف المؤرخون حول سبب موته: هل كانت الحمى؟ أو السم؟ أو الإجهاد المتراكم؟ لكن المؤكد أن وفاته شكلت صدمة للعالم آنذاك.
وبعد موته، انقسمت إمبراطوريته بين قادته، فيما عُرف بـ حروب الورثة (الديادوخوي).
مجد خالد لا يموت
الإسكندر المقدوني لم يكن مجرد قائد عسكري، بل كان ظاهرة غير مسبوقة في التاريخ. غزا العالم المعروف في زمنه خلال 12 عامًا فقط، وترك إرثاً لا يزال يدرسه المؤرخون إلى اليوم.
ربما لم يعش طويلاً، لكنه عاش حياةً لم يعرف التاريخ مثيلاً لها.
📚 المصدر:
موسوعة التاريخ القديمة – Britannica – كتب المؤرخ “بلوتارخ” و”أريان” حول الإسكندر
أسئلة قد يطرحها القراء:
1. من هو الإسكندر الأكبر؟
قائد مقدوني وُلد عام 356 ق.م، غزا العالم القديم ووسّع إمبراطوريته من اليونان حتى الهند.
2. ما هي فتوحات الإسكندر الأكبر؟
هزم الفرس بقيادة داريوس الثالث، واحتل مصر، وبلاد فارس، وآسيا الوسطى، ووصل حتى نهر السند في الهند.
3. كيف مات الإسكندر الأكبر؟
توفي في بابل عام 323 ق.م. عن عمر 32 سنة، على الأرجح بسبب الحمى أو التسمم أو الإرهاق الشديد.
4. ما تأثير الإسكندر المقدوني على الحضارات؟
نشر الثقافة اليونانية (الهلنستية)، وأسس مدنًا كالإسكندرية، ومهّد للتبادل الثقافي بين الشرق والغرب.
5. هل الإسكندر الأكبر وصل إلى الهند؟
نعم، قاد حملة حتى نهر السند وخاض معركة كبرى ضد الملك بوروس في الهند.