في مشهد غير مسبوق في تاريخ السياسة الفرنسية الحديثة، أعلن قصر الإليزيه، صباح الاثنين، استقالة رئيس الوزراء سيباستيان لوكورنو، بعد أقل من 24 ساعة فقط من إعلان تشكيل حكومته الجديدة.
الاستقالة المفاجئة تعمّق حالة الشلل السياسي التي تعيشها فرنسا منذ أكثر من عام، وتطرح تساؤلات جدّية حول قدرة الرئيس إيمانويل ماكرون على استعادة زمام المبادرة في ظل برلمان منقسم وأزمة ثقة متصاعدة.
استقالة أسرع من التوقعات
أكد بيان الإليزيه أن لوكورنو قدّم استقالته رسميًا لماكرون، الذي قبلها على الفور.
وجاءت هذه الخطوة بعد ساعات من إعلان الحكومة الجديدة التي وُصفت بأنها “محاولة إنقاذ” للمشهد السياسي الفرنسي المتعثر، لكنها انهارت قبل أن تبدأ عملها فعليًا أو تُعرض على البرلمان لنيل الثقة.
وبحسب تقارير فرنسية، فإن لوكورنو واجه ضغوطًا شديدة من المعارضة التي كانت تستعد لتقديم اقتراح بحجب الثقة فور إلقائه خطاب السياسة العامة الثلاثاء المقبل.
حكومة قصيرة العمر
تشكيلة لوكورنو، التي لم تُعمّر أكثر من يوم، ضمّت شخصيات بارزة من حكومات ماكرون السابقة.
فقد نُقل برونو لو مير من الاقتصاد إلى الدفاع، بينما تولّى رولان ليسكيور وزارة الاقتصاد.
كما احتفظ جان-نويل بارو بمنصبه في الخارجية، وبرونو ريتايو بالداخلية، ورشيدة داتي بالثقافة رغم القضايا القضائية التي تلاحقها.
لكن كل تلك التغييرات لم تنجح في تهدئة الأجواء، إذ اعتبرتها المعارضة مجرد إعادة تدوير للأزمة وليست بداية جديدة كما وعد ماكرون.
أزمة سياسية بلا نهاية
تأتي هذه الاستقالة لتُضاف إلى سلسلة من الأزمات التي عصفت بحكومات ماكرون المتعاقبة. فمنذ الانتخابات المبكرة التي أجراها منتصف 2024، تعاني فرنسا من برلمان منقسم بين ثلاث كتل متنافسة، ما يجعل تمرير أي قانون أو موازنة أمراً معقداً للغاية.
كما حذّر وزير المالية الفرنسي برونو لو مير في تصريحات مثيرة من أن استمرار حالة الجمود قد تدفع البلاد نحو خطر تدخل صندوق النقد الدولي إذا انهارت الحكومة ولم تُقر الموازنة الجديدة في وقتها.
انعكاسات الاستقالة
رحيل لوكورنو السريع يضع ماكرون أمام مأزق سياسي ودستوري، إذ لم يعد أمامه سوى خيارين أحلاهما مرّ:
- إما تعيين رئيس وزراء جديد في أسرع وقت مع خطر تكرار الفشل ذاته.
- أو الدعوة لانتخابات تشريعية جديدة، وهو خيار محفوف بالمخاطر قد يفتح الباب أمام صعود اليمين المتطرف أو اليسار الراديكالي.
ويرى محللون أن هذه الاستقالة تمثل ضربة قوية لهيبة ماكرون في الداخل والخارج، خصوصًا في وقت تحتاج فيه أوروبا إلى قيادة مستقرة لمواجهة أزمات الطاقة والدفاع والهجرة.
مع رحيل لوكورنو قبل أن يبدأ فعليًا مهامه، تدخل فرنسا مرحلة ضبابية جديدة.
الأسئلة تتكاثر: من سيقود الحكومة المقبلة؟ وهل ما زال لماكرون القدرة على بناء تحالف برلماني مستقر؟
الإجابة قد تحدد ليس فقط مستقبل فرنسا السياسي، بل موقعها داخل الاتحاد الأوروبي خلال السنوات المتبقية من ولاية ماكرون.
المصدر:
وكالة الأنباء الفرنسية AFP – قناة BFM TV – تصريحات رسمية من الإليزيه.