إعلان

في تاريخ البشرية أحداث يصعب تصديقها حتى لو رُويت على شكل رواية خيالية. من بين هذه القصص المدهشة، يبرز مشهد إعدام جثة أوليفر كرومويل، القائد الإنجليزي المثير للجدل، الذي حُكم عليه بالموت بعد سنوات من وفاته. هذا الحكم الفريد لا يزال حتى اليوم يوصف بأنه أغرب حكم بالإعدام في التاريخ.

خلفية الحرب الأهلية الإنجليزية

لوحة تجسد أوليفر كرومويل

بدأت القصة في عام 1642 مع اندلاع الحرب الأهلية الإنجليزية، حيث انقسمت البلاد بين أنصار الملكية ومؤيدي البرلمان. هذه الحرب التي استمرت تسع سنوات أودت بحياة أكثر من 150 ألف شخص، وهو رقم هائل في ذلك العصر يمثل قرابة 5% من سكان إنجلترا آنذاك.

وسط هذا الصراع الدموي ظهر اسم أوليفر كرومويل، الذي قاد القوات البرلمانية إلى النصر، وأسهم بشكل مباشر في إعدام الملك تشارلز الأول سنة 1649. لقد كان كرومويل بالنسبة لأنصاره بطلاً دافع عن الجمهورية، بينما اعتبره خصومه مغتصبًا للسلطة وعدوًا للملكية.

من “اللورد الحامي” إلى هدف للانتقام

حكم كرومويل إنجلترا بلقب “اللورد الحامي” منذ 1653 وحتى وفاته الطبيعية عام 1658. دُفن بجنازة ملكية مهيبة في دير وستمنستر، وكأنه أحد ملوك البلاد. لكن المشهد تغيّر جذريًا بعد عودة الملكية على يد تشارلز الثاني سنة 1660.

فبمجرد جلوسه على العرش، قرر الملك الجديد الانتقام لوالده. لم يستطع معاقبة كرومويل حيًّا لأنه مات بالفعل، فاختار معاقبة جسده. وهكذا أصدر البرلمان الموالي للملك قرارًا غريبًا: استخراج جثة كرومويل من قبرها وإعدامها بشكل رمزي.

إعلان

طقوس إعدام غير مسبوقة

في يناير 1661، أُخرجت جثة كرومويل، مع جثتين أخريين (القاضي جون برادشاو والجنرال هنري إيريتون). نُقلت الجثث إلى ساحة تيبورن في لندن، حيث شُنقت كما لو كانت أحياء، ثم قُطعت رؤوسها ووضعت على أعمدة خشبية بلغ طولها ستة أمتار، أمام قاعة وستمنستر، لتبقى عبرةً لكل من يعارض الملكية.

بحسب المؤرخين، ظل رأس كرومويل معروضًا للعلن أكثر من عشرين عامًا، قبل أن يسقط أو يُسرق. بعدها بدأ رحلة غريبة، متنقلًا بين أيدي جامعي التحف وأصحاب المتاحف الخاصة، وكأنه قطعة فنية وليست بقايا إنسانية.

النهاية الغريبة للرأس

بعد قرون من التنقل، دُفن رأس كرومويل أخيرًا عام 1960 في كلية سيدني سوساكس بجامعة كامبريدج، وهي الكلية التي درس فيها في شبابه. المفارقة أن رأس الرجل الذي حارب الملكية عاد ليستقر بهدوء داخل مؤسسة تعليمية، بدلًا من ساحات العقاب.

قصة إعدام كرومويل بعد وفاته تعكس إلى أي مدى قد يصل الصراع السياسي والانتقام الشخصي. في رأيي، هذا الحدث يكشف أن الأنظمة السياسية في فترات الاضطراب لا تكتفي بهزيمة الخصم في حياته، بل تسعى لطمس رمزيته حتى بعد رحيله. وربما كان الهدف النفسي من ذلك هو إرسال رسالة: “لا مكان لذكراك بيننا”.

ومع ذلك، فإن ما فعله تشارلز الثاني ومواليه لم ينجح في محو أثر كرومويل. بالعكس، جعلت هذه القصة من اسمه أكثر شهرة، وأدخلته التاريخ كأحد أكثر الشخصيات إثارة للجدل في إنجلترا.

المصدر

مراجع تاريخية بريطانية (موسوعة بريتانيكا، BBC History، مؤلفات حول الحرب الأهلية الإنجليزية).


الأسئلة الشائعة:

1. من هو أوليفر كرومويل؟

سياسي وعسكري إنجليزي، قاد قوات البرلمان في الحرب الأهلية، وحكم البلاد بلقب “اللورد الحامي”.

2. لماذا أُعدم بعد وفاته؟

انتقامًا من دوره في إعدام الملك تشارلز الأول، قرر الملك تشارلز الثاني معاقبته رمزيًا بعد موته.

3. متى أُخرجت جثته من القبر؟

في يناير 1661، أي بعد نحو ثلاث سنوات من وفاته.

4. ماذا حدث لرأس كرومويل بعد الإعدام؟

ظل معروضًا علنًا لعقود، ثم تنقل بين جامعي التحف حتى دُفن عام 1960.

5. ما المغزى من هذه الحادثة؟

ترمز إلى أن السياسة قد تتحول إلى ساحة للانتقام حتى من الموتى، وأن الرمزية قد تكون أقوى من الواقع أحيانًا.

شاركها.

منصة شاملة تقدم محتوى متنوعًا يجمع بين الأخبار الحديثة والمدونات التحليلية، بالإضافة إلى إحصائيات دقيقة، واختبارات تفاعلية، ومقاطع فيديو مبتكرة.

إعلان
Subscribe
Notify of
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
تعليقات داخلية
عرض كل التعليقات
إعلان
wpDiscuz
0
0
حابين نسمع رأيك، اترك تعليقك.x
()
x
Exit mobile version