في خطوة جريئة قد تعيد رسم خريطة القوة التكنولوجية العالمية، أزاحت هواوي الستار عن استراتيجيتها طويلة الأمد لغزو سوق رقائق الذكاء الاصطناعي. لم يعد الأمر مجرد محاولة للمنافسة، بل هو إعلان حرب صريح على هيمنة إنفيديا المطلقة، وتأكيد على أن العملاق الصيني لم يخرج من رحم العقوبات الأمريكية منكسرًا، بل أكثر إصرارًا على تحقيق الاكتفاء الذاتي والريادة.
لعقود، كان اسم “إنفيديا” هو المرادف الأوحد للقوة الحاسوبية في عالم الذكاء الاصطناعي. لكن هذا الواقع الراسخ بدأ يهتز. فبدلًا من الاستسلام للقيود التي فرضتها الولايات المتحدة والتي كانت تهدف إلى شل قدراتها التكنولوجية، استخدمت هواوي هذه التحديات كوقود لتسريع وتيرة الابتكار الداخلي. والنتيجة؟ خارطة طريق واضحة ومفصلة تمتد لثلاث سنوات، تهدف ليس فقط إلى سد الفجوة، بل إلى التفوق.
خارطة الطريق نحو القمة: جيل جديد من القوة
لم تكتفِ هواوي بالحديث عن الطموحات، بل وضعت جدولًا زمنيًا دقيقًا يكشف عن ترسانتها القادمة. بعد النجاح الأولي لشريحة Ascend 910C، تستعد الشركة لإطلاق سلسلة متتالية من المعالجات التي تبدو أرقامها كإحداثيات لمستقبل جديد:
-
Ascend 950 (2026):
- سيأتي هذا المعالج في نسختين، ليمثل قفزة نوعية في الأداء وكفاءة الطاقة، وبحسب التسريبات الأولية، سيقدم قوة حوسبة تصل إلى 2 PFLOPS، وهو رقم يضعه في منافسة مباشرة مع أفضل ما تقدمه إنفيديا.
-
Ascend 960 (2027):
- من المتوقع أن يضاعف هذا الإصدار قوة سابقه، مع تحسينات جوهرية في عرض النطاق الترددي للذاكرة وسرعة الاتصال البيني بين الرقائق.
-
Ascend 970 (2028):
- يمثل هذا المعالج رؤية هواوي النهائية للمستقبل القريب، حيث يتوقع أن يقدم أداءً يتجاوز 4 PFLOPS، مما يجعله مرشحًا لتشغيل أضخم نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي وأكثرها تعقيدًا.
السلاح السري: ليس قوة الرقاقة فقط، بل قوة الترابط
تدرك هواوي أن قوة الرقاقة الفردية لم تعد المقياس الوحيد للتفوق. لذلك، فإن استراتيجيتها لا ترتكز على المعالجات فحسب، بل على كيفية ربط آلاف منها معًا بكفاءة خارقة. هنا يأتي دور عُقد الحوسبة الفائقة “Atlas”:
- Atlas 950: نظام عملاق قادر على ربط 8,192 رقاقة Ascend معًا لتعمل كوحدة واحدة متكاملة.
- Atlas 960: يرتقي هذا النظام بالرقم إلى 15,488 رقاقة مترابطة، مكونًا ما وصفته الشركة بأنه “أقوى عنقود حوسبة في العالم”.
هذه البنية، التي تسميها هواوي “العقد الفائقة” (SuperPoD)، تستخدم بروتوكولات اتصال بيني خاصة بها (Lingqu) تتجاوز القيود المادية للكابلات التقليدية، مما يسمح بتوسيع نطاق القوة الحاسوبية بشكل لم يكن ممكنًا من قبل. هذا هو رد هواوي العملي: “قد لا نمتلك أقوى رقاقة فردية اليوم، لكننا سنبني أقوى عقل جماعي”.
ما وراء الأرقام
من خلال تطوير ذاكرة النطاق الترددي العالي (HBM) الخاصة بها، تكون هواوي قد كسرت إحدى أهم حلقات الحصار التكنولوجي التي كانت تقتصر على الموردين الأمريكيين والكوريين. هذا الإنجاز وحده يمثل نصرًا استراتيجيًا هائلًا للصين في سعيها نحو الاستقلال التكنولوجي.
تُظهر هذه الخطوات أن العقوبات، بدلًا من أن تكون ضربة قاضية، تحولت إلى حافز أجبر الصناعة الصينية على بناء سلسلة توريد محلية متكاملة، من تصميم الرقائق إلى تصنيعها وتجميعها. تشير بعض الإحصائيات إلى أن الصين تهدف إلى الوصول إلى نسبة 70% من الاكتفاء الذاتي في أشباه الموصلات بحلول عام 2025، وخطط هواوي هي المحرك الأساسي لتحقيق هذا الهدف.
عالم بمعسكرين تكنولوجيين؟
من المتوقع أن تؤدي هذه التطورات إلى تشكيل سوق ذكاء اصطناعي منقسم. ففي حين سيستمر الغرب في الاعتماد على منظومة إنفيديا وشركائها، ستتحول الصين والعديد من الأسواق الناشئة بشكل متزايد إلى حلول هواوي كبديل استراتيجي آمن وذي تكلفة تنافسية.
بالنسبة لهواوي، هذا يعني التحول من شركة تبيع الهواتف ومعدات الاتصالات إلى كونها المزود الأساسي للبنية التحتية التي سيقوم عليها اقتصاد المستقبل الرقمي في الصين وخارجها. إنها مقامرة ضخمة، لكن إذا نجحت، فإنها لن تضمن بقاء الشركة فحسب، بل ستضعها في قلب الثورة التكنولوجية القادمة.
أسئلة شائعة حول رقائق Ascend AI
1. ما هي أهم المنتجات التي أعلنت عنها هواوي لمنافسة إنفيديا؟
أعلنت هواوي عن خارطة طريق لثلاثة أجيال جديدة من رقائق الذكاء الاصطناعي (Ascend 950, 960, 970)، بالإضافة إلى عُقد حوسبة فائقة (Atlas 950 و Atlas 960) قادرة على ربط آلاف الرقائق معًا.
2. كيف تمكنت هواوي من تحقيق هذا التقدم رغم العقوبات الأمريكية؟
ركزت هواوي على الابتكار الداخلي وبناء سلسلة توريد محلية متكاملة. كان من أبرز إنجازاتها تطوير ذاكرة النطاق الترددي العالي (HBM) الخاصة بها، مما قلل من اعتمادها على الموردين الخارجيين.
3. هل رقائق هواوي الجديدة أقوى من رقائق إنفيديا؟
على مستوى الرقاقة الفردية، قد تظل إنفيديا متفوقة حاليًا. لكن استراتيجية هواوي تعتمد على ربط آلاف من رقائقها بكفاءة فائقة عبر أنظمة “Atlas”، مما يمنحها قوة حوسبية إجمالية هائلة قد تتفوق على الأنظمة المنافسة في بعض المهام.
4. ما هو التأثير المستقبلي لهذه الخطوة على سوق التكنولوجيا؟
من المرجح أن تؤدي هذه المنافسة إلى انقسام السوق العالمية إلى معسكرين رئيسيين: أحدهما يعتمد على تقنيات إنفيديا الغربية، والآخر يتبنى حلول هواوي الصينية، خاصة في الأسواق التي تسعى إلى بدائل استراتيجية.