لم يعد الجدل حول الذكاء الاصطناعي مقتصرًا على قدراته التقنية، بل بات يمتد إلى القضايا السياسية والصراعات الدولية. فخلال الفترة الأخيرة أثار تقرير نشره موقع “ريسبونسبل ستيت كرافت” الأميركي ضجة، بعدما كشف أن الحكومة الإسرائيلية أبرمت عقدًا بقيمة 6 ملايين دولار مع شركة أميركية تُدعى “كلوك تاور”، بهدف التأثير على نماذج الذكاء الاصطناعي مثل ChatGPT (شات جي بي تي)، وتوجيهها لتبني روايات أكثر انحيازًا لإسرائيل.
الانحياز الطبيعي: بيئة معرفية غربية
حتى لو لم يكن هناك عقد أو تدخل مباشر، فإن شات جي بي تي وغيره من النماذج يتغذى أساسًا على الصحف والمواقع الأميركية والأوروبية. هذه البيئة تشكل مرجعيته الأساسية، وبالتالي من الطبيعي أن يميل خطابه نحو الرؤية الغربية أكثر من الرؤية الشرقية أو العربية.
هذا ما يفسر أحيانًا أن الأجوبة المتعلقة بالصراعات في الشرق الأوسط تأتي بصياغة متوازنة ظاهريًا، لكنها في العمق تحمل تحيزًا ضمنيًا للسردية الغربية.
الانحياز المصطنع: توجيه مدفوع الثمن
لكن التقرير الأخير يطرح بُعدًا أخطر: محاولة التلاعب المتعمد عبر عقود مالية. فالشركة المتعاقدة مع إسرائيل تخطط لتسويق محتوى مؤيد لها على منصات مثل تيك توك ويوتيوب وإنستغرام، مع استهداف خاص لجيل Z الذي أظهرت استطلاعات الرأي أنه الأقل دعمًا لإسرائيل.
وبحسب الموقع، ستُستخدم تقنيات الذكاء الاصطناعي في رفع ترتيب هذه الروايات عبر محركات البحث، بل وحتى في التأثير على النماذج اللغوية الكبرى مثل ChatGPT.
أين يقف المستخدم؟
النتيجة أن القارئ أو المستخدم العادي يجد نفسه أمام مستويين من الانحياز:
- انحياز طبيعي ناتج عن البيئة الغربية التي صيغ فيها النموذج.
- انحياز مصطنع يجري تعزيزه عبر عقود مالية واستراتيجيات إعلامية موجهة.
قراءة مستقبلية
من المتوقع أن يتحول الذكاء الاصطناعي إلى ساحة صراع سردي عالمي، حيث تسعى كل دولة أو جهة إلى “تدريب” النماذج على تبني رواياتها. وهذا يثير أسئلة أخلاقية كبرى حول ضرورة وجود أطر تنظيمية دولية تضمن أن تبقى هذه الأدوات أقرب ما يمكن إلى الحياد.
ومع ذلك، يظل وعي الجمهور –وخاصة الجيل الشاب– هو السلاح الأهم. فكلما ازداد إدراك المستخدم لاحتمالات الانحياز والتلاعب، صار أكثر قدرة على التعامل النقدي مع المحتوى بدلًا من استهلاكه بشكل أعمى.
المصدر:
موقع Responsible Statecraft.
قسم الأسئلة الشائعة
هل ChatGPT (شات جي بي تي) منحاز فعلًا للغرب؟
نعم، لأنه يعتمد في تدريبه على مصادر غربية بالدرجة الأولى مثل الصحف والمواقع الأميركية والأوروبية، مما يجعله يعكس هذه السرديات بشكل طبيعي.
ما حقيقة عقد إسرائيل بقيمة 6 ملايين دولار؟
بحسب موقع “ريسبونسبل ستيت كرافت”، وقّعت إسرائيل عقدًا مع شركة أميركية تدعى “كلوك تاور” لتوجيه المحتوى الرقمي والذكاء الاصطناعي بما يخدم روايتها، خاصة لدى جيل الشباب.
هل يمكن التأثير على الذكاء الاصطناعي سياسيًا؟
نعم، فالنماذج الذكية ليست محايدة تمامًا، ويمكن عبر تدريبها على بيانات معينة أو عبر تحسين نتائج البحث الموجهة التأثير على السرديات التي تنتجها.
كيف يمكن للمستخدم كشف هذا التلاعب؟
من خلال الوعي النقدي ومقارنة الأجوبة من أكثر من مصدر، إضافة إلى متابعة المنصات المستقلة التي تكشف الانحياز الإعلامي والرقمي.
هل هناك حلول مستقبلية لتقليل الانحياز؟
الحل يكمن في وضع أطر تنظيمية دولية، وزيادة التنوع في مصادر البيانات، وتطوير أدوات تساعد المستخدم على التحقق من مصداقية المعلومات.