عندما تُذكر كلمة “مثلث غامض”، يقفز إلى الأذهان فورًا اسم “برمودا“، ذلك الامتداد المائي الأسطوري الذي ابتلع سفنًا وطائرات لعقود. لكن ماذا لو كانت هناك مناطق أخرى، أقل شهرة، لكنها أكثر فتكًا وإثارة للحيرة؟ بعيدًا عن الأضواء، تخفي الولايات المتحدة منطقتين حيرتا المحققين وألهمتا منظري المؤامرات، حيث الأرقام الصادمة والقصص المروعة ترسم واقعًا يفوق الخيال: مثلث ألاسكا الجليدي، ومثلث ميشيغان المائي.
من براري ألاسكا المتجمدة إلى أعماق بحيرة ميشيغان.. لماذا تختفي الطائرات والبشر بلا أثر؟
إنها ليست مجرد قصص عشوائية، بل أنماط مقلقة من حوادث الاختفاء التي تتحدى المنطق وتفتح الباب أمام كل التكهنات الممكنة، من الدوامات الكهرومغناطيسية الخفية إلى ما هو أبعد من ذلك.
مثلث ألاسكا: حيث يبتلع الفراغ الأبيض كل شيء
تخيل منطقة برية شاسعة، تفوق مساحتها مساحة ولاية تكساس، ذات تضاريس وعرة وطقس متقلب بشكل جنوني. هذا هو مثلث ألاسكا، الذي يمتد بين مدن أنكوريج وجونو وأوتكياغفيك. منذ سبعينيات القرن الماضي، اختفى في هذا المثلث ما يزيد عن 20,000 شخص، وهو رقم مرعب بالنظر إلى أن الكثافة السكانية في ألاسكا هي الأقل في الولايات المتحدة. إحصائيًا، معدل الأشخاص المفقودين هنا يزيد عن ضعف المعدل الوطني، مما يجعل السؤال ملحًا: أين يذهب كل هؤلاء الناس؟
لم تقتصر المآسي على متنزهين أو صيادين، بل وصلت إلى أعلى المستويات السياسية. في 16 أكتوبر 1972، اختفت طائرة سيسنا 310 كانت تقل شخصيتين بارزتين: زعيم الأغلبية في مجلس النواب الأمريكي، توماس هيل بوغز، وعضو الكونغرس عن ألاسكا، نيك بيغيتش. انطلقت واحدة من أضخم عمليات البحث في تاريخ أمريكا، غطت أكثر من 840 ألف كيلومتر مربع، ولكن لم يُعثر على أي أثر للطائرة أو ركابها. هذا الاختفاء أطلق العنان لنظريات المؤامرة، خاصة أن بوغز كان عضوًا في “لجنة وارن” التي حققت في اغتيال الرئيس كينيدي، وكان يشكك علنًا في رواية “القاتل المنفرد”.
التفسيرات تتراوح بين المنطقي والخارق. يرى المشككون أن الطبيعة القاسية لألاسكا، بوجود آلاف الأنهار الجليدية والشقوق العميقة والحيوانات المفترسة، هي المقبرة الحقيقية. ولكن، يرى آخرون أن هناك قوة أخرى تعمل في الخفاء. يتحدث السكان الأصليون عن “كوشتاكا”، كائنات أسطورية قادرة على تغيير شكلها واستدراج البشر إلى حتفهم. بينما يميل المهتمون بالظواهر الخارقة إلى فرضية وجود “دوامات طاقة” أو قواعد لكائنات فضائية تحت الأرض.
مثلث ميشيغان: أسرار “ستونهنغ” الغارق في البحيرة العظمى
على النقيض من براري ألاسكا، يقع اللغز الثاني في قلب إحدى البحيرات العظمى. مثلث ميشيغان ليس محيطًا شاسعًا، بل بحيرة مياه عذبة، مما يزيد من غرابة حوادثه. تعود قصص الاختفاء هنا إلى قرون مضت. في عام 1679، اختفت سفينة “لو غريفون”، وهي أول سفينة أوروبية تبحر في البحيرات العظمى، مع طاقمها وحمولتها الثمينة من الفراء. لم يُعثر لها على أثر مؤكد حتى اليوم.
وتتوالى الحوادث الغريبة:
- 1891: سفينة الشحن “توماس هيوم” تختفي في عاصفة خفيفة مع طاقمها السبعة.
- 1921: العثور على المركب الشراعي “روزا بيل” مقلوبًا، دون أي أثر لطاقمه المكون من 11 فردًا، رغم أن الضرر الذي لحق به كان طفيفًا.
- 1937: القبطان جورج دونر يختفي من مقصورته المقفلة من الداخل على متن سفينته، في لغز يضاهي قصص أجاثا كريستي.
الحادثة الأكثر مأساوية وقعت في 23 يونيو 1950، عندما هوت طائرة الركاب DC-4 التابعة لشركة نورث ويست (الرحلة 2501) في البحيرة وعلى متنها 58 شخصًا. ورغم تحديد موقع السقوط التقريبي، لم يتم العثور على جسم الطائرة الرئيسي أبدًا.
ما يزيد الأمر إثارة هو اكتشاف العلماء في عام 2007 لهيكل غامض في قاع البحيرة يشبه “ستونهنغ”، وهو عبارة عن دائرة من الصخور، إحداها تحمل نقشًا لحيوان الماستودون المنقرض. هذا الاكتشاف الذي يعود تاريخه إلى 9000 عام، غذى نظريات “خطوط الطاقة” التي تزعم أن هذه المناطق هي نقاط تقاطع لقوى أرضية غامضة تسبب خللًا في البوصلات والأجهزة.
بين الأسطورة والحقيقة القاسية
من السهل الانجراف وراء التفسيرات الخارقة للطبيعة، فهي تضفي على المأساة طابعًا أسطوريًا. ومع ذلك، عند تحليل الحقائق، يظهر تفسير أكثر واقعية، وإن كان لا يقل رعبًا. في مثلث ألاسكا، نحن نتحدث عن بيئة لا ترحم، حيث يمكن لعاصفة مفاجئة أن تظهر في دقائق. ويمكن لشخص أن يختفي على بعد أمتار قليلة من الطريق دون أثر. أما في مثلث ميشيغان، فالبحيرات العظمى معروفة بقدرتها على توليد أمواج مارقة وعواصف سريعة تضاهي المحيطات.
إن تسمية هذه المناطق بـ”المثلثات” هي بحد ذاتها نوع من التحيز التأكيدي؛ فنحن نجمع حوادث غير مترابطة تحت مسمى واحد جذاب. في نهاية المطاف، قد لا تكون هناك قوة غامضة واحدة، بل مزيج من الطقس القاسي، والأخطاء البشرية، والطبيعة الشاسعة التي تجعل من العثور على أي حطام أو بقايا مهمة شبه مستحيلة.
نظرة نحو المستقبل: هل سيكشف العلم كل الأسرار؟
مع تطور تقنيات السونار، والأقمار الصناعية، والطائرات بدون طيار، تزداد فرصنا في حل بعض هذه الألغاز القديمة. يتم اكتشاف حطام سفن غارقة منذ قرون في بحيرة ميشيغان بشكل دوري، وكل اكتشاف يضيف قطعة جديدة إلى الأحجية. ولكن، بالنسبة لمثلث ألاسكا، ستبقى البرية الشاسعة هي المسيطرة، وقد تظل آلاف القصص مدفونة إلى الأبد تحت الجليد.
التأثير الحقيقي لهذه الألغاز على القارئ ليس الخوف، بل هو الشعور بالتواضع أمام قوة الله سبحانه وتعالى، وإدراك أنه رغم كل تقدمنا التكنولوجي، لا تزال هناك بقاع على هذا الكوكب تحتفظ بأسرارها بقوة، لتذكرنا دائمًا بوجود الله عزَّ وجل.
أسئلة شائعة:
-
ما هو مثلث ألاسكا؟
- هو منطقة جغرافية وعرة في ألاسكا، تشتهر بمعدل اختفاء مرتفع جدًا للأشخاص والطائرات، حيث فُقد فيها أكثر من 20,000 شخص منذ السبعينيات.
-
هل مثلث ميشيغان حقيقي؟
- نعم، هو مصطلح يطلق على منطقة في بحيرة ميشيغان شهدت العديد من حوادث اختفاء السفن والطائرات الغامضة على مر القرون، أشهرها حادثة طائرة الركاب DC-4 عام 1950.
-
ما هي أبرز النظريات حول هذه الاختفاءات؟
- تتنوع النظريات بين تفسيرات علمية (طقس متقلب، تضاريس وعرة، أخطاء بشرية) وتفسيرات خارقة للطبيعة (دوامات كهرومغناطيسية، كائنات فضائية، مخلوقات أسطورية).