الثلاثاء, ديسمبر 2, 2025
إعلان

قد يمرّ على الواحد منا يوم يشعر فيه بأن ذهنه أثقل من المعتاد، وأن التفاصيل الصغيرة تتفلت رغم بساطتها. في تلك اللحظات، نميل للبحث عن حلول معقدة: مكملات غذائية، تمارين ذهنية، أو حتى تطبيقات لتقوية الذاكرة. ومع ذلك، يكتشف الكثيرون — غالبًا بالمصادفة — أن أبسط ما يقومون به يوميًا قد يكون أكثر تأثيرًا مما توقعوا: المشي.

فالحركة الإيقاعية المنتظمة ليست مجرد عادة صحية، بل عملية تمنح الدماغ فرصة لالتقاط أنفاسه وإعادة ترتيب فوضاه الداخلية. ومع تراكم الأبحاث العلمية، بدأت صورة جديدة تتشكل: ليس الجهد العالي هو ما يصنع الفرق دائمًا، بل الاستمرارية والوتيرة الهادئة التي ترافق خطوات ثابتة على الرصيف أو في الحديقة.

المشي.. نقطة التحول لدماغ أقوى

أظهرت أبحاث جامعية في الولايات المتحدة وأوروبا أن ممارسة المشي بانتظام تُعيد تشكيل الدماغ حرفيًا.

ففي واحدة من أشهر الدراسات التي تابعت بالغين لمدة 12 شهرًا، لوحظ أن حجم منطقة الحُصين — المسؤولة عن تكوين الذكريات — ازداد بنحو 2% لدى من مارسوا المشي، بينما انكمش لدى من اكتفوا بتمارين خفيفة.

هذه الزيادة، وإن بدت بسيطة، تُعد مهمة جدًا لأنها تعاكس الانكماش الطبيعي المرتبط بالتقدم في العمر.

إعلان

عدد من العلماء يصفون هذه النتيجة بأنها «تجدد طبيعي للدماغ دون تدخل طبي».

لماذا يؤثر المشي بهذا العمق؟

وفقًا لعلم الأعصاب، يساهم المشي في ثلاث عمليات جوهرية:

1. بناء خلايا دماغية جديدة (Neurogenesis)

كل خطوة تزيد من إفراز بروتينات مهمة مثل BDNF، وهي مواد تُغذي الخلايا العصبية وتشجعها على التكاثر. يشبّه بعض الباحثين BDNF بـ«السماد الحيوي» الذي يجعل الدماغ قادرًا على النمو باستمرار.

2. رفع تدفق الدم والأكسجين

مع المشي يتحسن ضخّ الدم، فيغتني الدماغ بالأكسجين والمواد المغذية. هذه العملية ترتبط مباشرة بوتيرة التفكير والحفظ والاسترجاع.

3. تقليل الالتهاب الذي يسرّع الشيخوخة

كثير من الأمراض العصبية، خصوصًا الزهايمر، ترتبط بالالتهاب المزمن. الحركة اليومية — خاصة المشي — تُخفّض مسارات الالتهاب وتُبقي نسيج الدماغ في حالة صحية.

كيف يساعد المشي في تحسين الذاكرة؟

تشير مراجعات طبية حديثة إلى أنّ الأشخاص الذين يمشون بمعدل 150 دقيقة أسبوعيًا يملكون:

  • ذاكرة أفضل بنسبة 20–30%
  • تركيزًا أعلى خلال الأعمال اليومية
  • قدرة أفضل على حل المشكلات
  • استجابة أسرع للمواقف غير المتوقعة

وفي استطلاع حديث نشرته جمعية الدماغ البريطانية، قال 62% من المشاركين إنهم لاحظوا تحسنًا ملموسًا في المزاج والذاكرة بعد شهر واحد فقط من الالتزام بالمشي.

هل يطيل المشي العمر فعلًا؟

دراسة من جامعة هارفارد تابعت 16 ألف شخص لمدة عشر سنوات، وخلصت إلى أن المشي:

  • يقلل خطر الوفاة المبكرة بنسبة تصل لـ 39%
  • يخفّض احتمال الإصابة بالخرف بنحو 30%
  • يحسّن جودة النوم ويقلل التوتر

هذه الأرقام ليست صغيرة، وهي كافية لتُظهر أن المشي ليس مجرد عادة صحية بل استراتيجية طويلة الأمد لحياة أطول.

كم دقيقة من المشي تكفي؟

التوصيات العلمية تشير إلى:

  • 30 دقيقة يوميًا لمعظم الأيام
  • يمكن تقسيمها إلى 15 + 15 دقيقة
  • الهدف: رفع ضربات القلب قليلًا مع القدرة على التحدث دون صعوبة

أما المشي في الهواء الطلق (حديقة – كورنيش – شاطئ) فيضيف فوائد نفسية إضافية بفضل التعرض لأشعة الشمس والبيئة الطبيعية.

لماذا يعتبر المشي «دواءً مبنيًا على الحركة»؟

بعد مراجعة البيانات العلمية، يمكن تلخيص السرّ في ثلاث نقاط:

  1. تكلفة صفر – فعالية عالية: لا يحتاج المشي اشتراكًا، معدات، أو أماكن محددة. وهذا يجعله متاحًا للجميع.
  2. أثر تراكمي: الدماغ يستجيب لاستمرارية الحركة أكثر من شدتها، ما يعني أن خطوات بسيطة تُحدث فرقًا كبيرًا.
  3. حماية طويلة الأمد: على عكس المكملات أو العقاقير، لا يحمل المشي آثارًا جانبية، بل يعمل بطريقة طبيعية تدعم وظائف الدماغ من الداخل.

ببساطة: المشي هو أكثر «دواء» يتوافق مع طبيعة الجسم البشري.


قسم الأسئلة الشائعة

كم يجب أن أمشي يوميًا لتحسين صحة الدماغ؟
تشير الدراسات إلى أن 30 دقيقة يوميًا تكفي لتحسين الذاكرة ودعم تجدد الخلايا العصبية.
هل يساعد المشي في الوقاية من الزهايمر؟
نعم، المشي المنتظم يقلل خطر الإصابة بالخرف والزهايمر بنسبة تصل إلى 30% وفق أبحاث متعددة.
هل المشي البطيء يحقق نفس الفائدة؟
المهم هو رفع معدل ضربات القلب قليلًا، وليس السرعة بحد ذاتها. المشي المتوسط مناسب جدًا.
هل المشي داخل المنزل يعطي نفس نتائج المشي في الخارج؟
يحقق الأساسيات، لكن المشي في الهواء الطلق يضيف فوائد نفسية بفضل ضوء الشمس والطبيعة.
هل يمكن تقسيم مدة المشي إلى جلسات قصيرة؟
نعم، يمكن تقسيمها إلى 10 دقائق × 3 مرات يوميًا دون فقدان الفائدة.

شاركها.

أحب الكتابة عن كل ما يلامس حياتنا اليومية. أدوّن في مواضيع الجمال والصحة بأسلوب مبسّط وعملي، وأشارك من حين لآخر تجاربي في السفر لأماكن أحببتها، علّ كلماتي تكون دليلك إلى العافية أو وجهتك القادمة.

إعلان
Subscribe
Notify of
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
تعليقات داخلية
عرض كل التعليقات
إعلان
wpDiscuz
0
0
حابين نسمع رأيك، اترك تعليقك.x
()
x
Exit mobile version