في وقتٍ قريبٍ جدًا، أصبح شات جي بي تي ليس مجرد روبوت دردشة يجيب عن الأسئلة، بل منصة يمكنك من خلالها تشغيل تطبيقاتك المفضلة دون مغادرتها. هذه القفزة التي أطلقتها OpenAI تُعد خطوة نوعية في دمج الذكاء الاصطناعي مع خدمات العالم الواقعي، فتستطيع، مثلاً، أن تُنشئ قائمة تشغيل موسيقية أو تبحث عن منزل للبيع أو تطلب تصميمًا مرئيًا في لحظات—كل ذلك من داخل المحادثة نفسها.
لكن ما هي هذه التطبيقات التي أصبحت متاحة الآن؟ وما حدود هذا التكامل؟ وهل هو مجرد تجميل أم خطوة تؤسس لمستقبل جديد في التفاعل الرقمي؟ هذا ما سنغوص فيه في السطور التالية.
التطبيقات المتاحة الآن وميزاتها
بناءً على إعلان OpenAI الرسمي، تم تفعيل التكامل مع مجموعة من التطبيقات (Pilot partners) التي يُمكن استخدامها داخل ChatGPT في الوقت الحالي (خارج الاتحاد الأوروبي). إليك أبرزها:
| التطبيق | ماذا يمكنك فعله داخل ChatGPT؟ | ملاحظات / خطط مستقبلية |
|---|---|---|
| سبوتيفاي (Spotify) | ربط حسابك، طلب قائمة تشغيل أو اقتراحات موسيقية، الاستماع إلى البودكاست. | المستخدمون المجانيون يقتصرون على قوائم موجودة مسبقًا، بينما المشتركون المدفوعون يمكنهم إنشاء قوائم خاصة. |
| كانفا (Canva) | تصميم منشورات أو بطاقات، تعديل نصوص وألوان من خلال المحادثة، ثم الانتقال لمحرر Canva الكامل عند الحاجة | |
| فيغما (Figma) | اقتراح تصاميم جديدة، تعديل المخططات، بدأ التعديلات من داخل المحادثة بالضغط على “Edit in Figma” | |
| زيلو (Zillow) | البحث عن عقارات بناءً على ميزانيتك وتفضيلاتك، عرض الخرائط والصور مباشرة في الدردشة | حاليًا يدعم البيع والإيجار، مع خطط لإضافة جولات ثلاثية الأبعاد وقوائم جديدة. |
| إكسبيديا / Booking.com | البحث عن فنادق، اقتراح أماكن إقامة، عرض خيارات الطيران والخرائط المتاحة داخل المحادثة | |
| كورسيرا (Coursera) | البحث في الدورات، إظهار المحتوى التعليمي، استدعاء معلومات من المنصة حسب السياق |
من الجدير بالذكر أن هذه التكاملات تُعرض للمستخدمين المسجّلين في ChatGPT (خارج الاتحاد الأوروبي) على خطط Free وGo وPlus وPro.
عند استخدام التطبيق لأول مرة، سيُطلب منك ربط الحساب ومنح الأذونات المناسبة لمعرفة البيانات التي ستُشاركها مع ChatGPT.
ما أهمية هذا التحول حقاً؟
1. من “مجيب أسئلة” إلى “منفذ مهام”
في النسخ السابقة، كان ChatGPT يُستخدم لطرح الأسئلة والحصول على أجوبة نصية. لكن مع تكامل التطبيقات، أصبح بإمكانه تنفيذ المهام فعليًا: إنشاء قائمة موسيقية، حجز فندق، تصميم إعلان، بل وحتى اقتراح عقارات. هذا التحول يجعله أقرب إلى منصة شاملة للخدمات بدلًا من مجرد أداة للمحادثة.
2. تقليل التنقل بين التطبيقات
واحدة من أكبر عوائق الإنتاجية هي التنقل بين عدة تطبيقات: فتح المتصفح، التبديل بين النوافذ، نسخ ولصق … التكامل يُقلّص تلك الخطوات ويجمع كل شيء في نافذة واحدة. هذا ليس مجرد راحة، بل ميزة تؤثر في مدى سرعة الإنجاز.
3. تحديات الخصوصية والثقة
من المهم أن تكون الأذونات واضحة. فربط تطبيق مثل سبوتيفاي أو زيلو يعني أن ChatGPT سيصل إلى معلومات قد تعتبر حساسة (قوائمك الموسيقية، تفضيلاتك، بيانات العقارات). لذا، يجب أن تضمن OpenAI والتطبيقات المشاركة سياسات صارمة للخصوصية والشفافية.
كما أن الموثوقية مهمة: هل ستُنفّذ الطلبات بدقة؟ هل هناك تأخير؟ إذا كانت الأخطاء متكررة، قد يفقد المستخدم الثقة.
4. فرصة كبيرة للمطوّرين
إطلاق Apps SDK (في المعاينة الآن) يُتيح للمطورين بناء تطبيقاتهم الخاصة التي تعمل داخل ChatGPT عبر معيار مفتوح يُعرف بـ Model Context Protocol (MCP). هذا يعني أن النظام البيئي سيكبر بسرعة، مع ظهور وظائف جديدة لم تكن متوقعة. وفيما بعد، ستُفتح المنصة للجميع لتقديم تطبيقاتهم.
5. تأثير على المنافسين
هذا التوجه قد يجعل ChatGPT منافسًا لمنصات مثل متاجر التطبيقات (Apple App Store، Google Play)، خاصة إذا تم دمج عمليات الدفع داخل الدردشة (Instant Checkout). بالفعل يُشير المصدر إلى أن OpenAI يُخطط لدعم عمليات التجارة داخل ChatGPT.
أمثلة واقعية وردود مستخدمين (افتراضية / استرشادية)
-
أحد المستخدمات تقول: طلبت من ChatGPT: “سبوتيفاي، أنشئ لي قائمة تشغيل لجو الصباح”. خلال ثوانٍ، ظهرت مجموعة مقاطع تناسب ذوقها.
-
مستخدم آخر: بحث عن شقة في مدينة تركية معينة عبر زيلو، فاستلم صوراً مع خرائط وسعر تقريبي – ثم طلب من ChatGPT فلاتر إضافية (عدد غرف، قربها من المترو).
- في أحد المنتديات التقنية، عبّر أحد المستخدمين:
“ما كنت أتوقع أن أطلب من روبوت الدردشة أن يحجز لي فندق خلال المحادثة، الأمر أصبح فعليًا!”
هذه الأمثلة على بساطتها تبدو بسيطة لكنها تحمل في طيّاتها فكرة تحوّل جوهري في طريقة تعاملنا مع الحواسيب والخدمات الرقمية.
ماذا نتوقع في المستقبل؟
- توسّع المنصّة عالميًا: مع الوقت، ستتوفر هذه التكاملات في الاتحاد الأوروبي ودول أخرى، مع دعم لغات متعددة.
- ظهور تطبيقات مخصصة لكل مجال: تخيّل أن تطلب: “OpenTable، احجز لي طاولة بمطعم إيطالي في إسطنبول الليلة.” ستُنفّذ المهمة داخل ChatGPT.
- التجارة داخل الدردشة (Conversational Commerce): عند رغبتك في شراء شيء، لن تغادر المحادثة للطرف الآخر، بل تُنجز الدفع داخل ChatGPT.
- وكالات ذكية (Agents): يمكن أن يُكلفك ChatGPT بـ “عامل ذكي” يتابع حجوزاتك، يقترح تغييرات، يُفكّر نيابة عنك.
- دمج مع الواقع المختلط والـ AR/VR: ربما ترافقك واجهة ChatGPT – مع التطبيقات المدمجة – في نظارات الواقع المعزز.
كيف ستتغير الحياة الرقمية لك؟
- ستصبح إدارة مهامك الرقمية اليومية أسرع وأكثر انسيابية.
- لن تحتاج إلى التنقّل بين عشرات التطبيقات لإتمام مهمة واحدة.
- تحوّل الذكاء الاصطناعي من مساعد إلى “منفّذ” يقدّم حلولًا فعليّة.
- ستطرح أسئلة جديدة حول الخصوصية والثقة وما الذي تُفوضه لـ ChatGPT.
ومع ذلك، فإن دخول هذه الأدوات إلى حياتنا لن يحدث بين ليلةٍ وضحاها؛ فالتأقلم معها يحتاج إلى وقتٍ ونضجٍ رقمي، وربما إلى سنواتٍ من التعوّد حتى تصبح جزءًا طبيعيًا من إيقاعنا اليومي.
