النقاط الرئيسية
- فودافون تعتمد على شركة سامسونغ لتطبيق تقنية Open RAN في ألمانيا وأوروبا خلال السنوات الخمس المقبلة.
- تهدف الخطوة إلى استبدال مكونات هواوي وتعزيز استقلالية وأمان الشبكات الأوروبية.
- تقنية Open RAN تتيح دمج مكونات من موردين مختلفين عبر واجهات مفتوحة، ما يمنح الشبكات مرونة أكبر.
- يتوقع أن يؤدي المشروع إلى خفض التكاليف وتحسين الأداء مع توسع المنافسة بين مزودي التقنية.
- نجاح فودافون في هذا التحول قد يجعلها نموذجًا رائدًا لمستقبل الاتصالات في أوروبا.
في خطوة استراتيجية تُمثّل علامة فارقة في مجال البنى التحتية لشبكات الهواتف المحمولة في أوروبا، أعلنت شركة فودافون عن تعاون كبير مع سامسونغ لتطبيق تقنية شبكة Open RAN على نطاق واسع، بهدف استبدال أجزاء من مكونات هواوي في شبكاتها بدول ألمانيا وبعض الدول الأوروبية. هذه المبادرة تعكس تحوّلًا في صناعة الاتصالات نحو الشبكات المفتوحة، وتقليل الاعتماد على مورد واحد، مع تعزيز مرونة التشغيل وكفاءة التكاليف.
في هذه المقالة نستعرض السياق التقني والسياسي وراء هذا القرار، مميزاته وتحدياته، مع تحليل مستقبلي ورأي خاص مبني على الأرقام والصيحات العالمية.
ما هي شبكة Open RAN ؟
مفهوم Open RAN
شبكة Open RAN (أو O-RAN، اختصار لـ Open Radio Access Network) تعني فصل المكونات المختلفة للشبكة اللاسلكية (الأجهزة، البرمجيات، وحدات المعالجة، ووحدات التحكم) وجعل واجهات الربط بينها مكشوفة وفق معايير مشتركة، مما يتيح إدخال مكوّنات من عدة موردين بدل التقيّد بمورد واحد فقط.
في الشبكات التقليدية، عادة ما تأتي الهوائيات، محطات القاعدة، وحدة التحكم البرمجية، وكل أجزاء الربط من نفس المزود، مما يخلق ما يُعرف بـ الاعتماد على مورد واحد (vendor lock-in). مع Open RAN، يمكن لمشغّل الشبكة اختيار أفضل مكوّن من أي شركة بشرط التزامه بالمعايير.
كما تتضمّن الشبكة المفتوحة عادة طبقة ذكية تُدعى RIC (RAN Intelligent Controller) التي تستخدم الذكاء الاصطناعي لتحسين أداء الشبكة أوتوماتيكيًا.
مزايا الشبكة المفتوحة
من أبرز الفوائد:
- مرونة التنوع بين الموردين والتجديد الجزئي دون هدم الشبكة كلها.
- خفض في التكاليف التشغيلية والصيانة بسبب إمكانية مقارنة الأسعار والمنافسة بين الموردين.
- تسريع إدخال التقنيات الجديدة أو الترقية عبر الاستبدال الجزئي.
- استقلالية تقنية أكبر وأمن محسن عند توزيع الاعتماد على عدة موردين.
- استهلاك طاقة أقل وتصميم أبسط لبعض التطبيقات، كما أظهرت بعض الدراسات أن الشبكات المفتوحة يمكن أن تقلل استهلاك الطاقة بنسبة كبيرة مقارنة بالتصميمات التقليدية.
التحديات التي تواجه Open RAN
لكن ليست كل الأمور وردية؛ فهناك عدة عقبات:
- التعقيد في التكامل: التناغم بين مكونات من عدة شركات قد يسبب مشكلات في التوافق.
- الأداء في البيئات الحضرية الكثيفة: في التضاريس المعقدة أو الاستخدام المكثف، قد تواجه الشبكات المفتوحة تحديات في تلبية معدل السرعة واستقرار الاتصال.
- الأمان: فتح الكثير من الواجهات يزيد احتمالية نقاط الهجوم، ويستلزم تأمينًا قويًا.
- الانتشار البطيء في البداية: بعض التقارير تشير إلى أن Open RAN سيأخذ قسطًا من الوقت للتغلغل في شبكات الجيل الخامس كاملة.
التحالف: فودافون تختار سامسونغ – ماذا تعني هذه الشراكة؟
خلفية الشراكة
في أكتوبر 2025، أعلنت سامسونغ أن فودافون اختارتها كمورّدة رئيسية لتقنيات vRAN وOpen RAN في ألمانيا وعدة دول أوروبية، لتجهيز آلاف المواقع على مدى خمس سنوات.
أُشير إلى أن أول موقع بدأ العمل في مدينة هانوفر، وأن مدينة Wismar ستصبح أول مدينة كاملة بتقنية Open RAN في أوائل 2026. المشروع يُعرف داخليًا بـ “Spring 6” ضمن خطة تحديث واسعة لشبكة فودافون الأوروبية.
ما ستُقدمه سامسونغ
سامسونغ ستزوّد بأنظمة vRAN، وحدات راديو متوافقة مع O-RAN بما في ذلك تكنولوجيا Massive MIMO، ومنصة تشغيل ذكية (CognitiV Network Operations Suite) قائمة على الذكاء الاصطناعي لإدارة الشبكة تلقائيًا. كما ستتولى أيضًا دمج الأنظمة والتنسيق بين مختلف المكوّنات لضمان التوافق بين الموردين.
المنافسون والشركاء الآخرون
رغم الحصة الكبيرة لسامسونغ، فإن فودافون لم تستبعد الموردين التقليديين كـ إريكسون ونوكيا. في بعض الدول، ستستمر هذه الشركات بدور أساسي أو مشارك مع سامسونغ. في ألمانيا، يُتوقع أن تكون الشبكة المختلطة بين سامسونغ وإريكسون فعّالة لضمان استقرار التشغيل وسط التنوع في المكوّنات.
السياق الجيوسياسي والاقتصادي: لماذا يُستبدَل هواوي؟
المخاوف الأمنية والعلاقات الدولية
في السنوات الأخيرة، تعرّضت معدات هواوي لانتقادات وقيود فرضتها حكومات عدة، بدعوى مخاطر التجسس والتأثير الخارجي. في أوروبا، زاد الضغط على مشغّلي الشبكات للاستغناء تدريجيًا عن المكونات الحساسة القادمة من الصين. فودافون تقول إن الشبكة الأساسية (Core) لم تعتمد هواوي منذ فترة.
التحول تجاه Open RAN يُعد أيضًا ردًّا على الالتزامات السياسية والأمنية لتقليل الاعتماد على مورد واحد.
السوق الأوروبي لتقنيّة Open RAN
في 2024، بلغ حجم سوق Open RAN في أوروبا نحو 584.2 مليون دولار، ومن المتوقع أن ينمو بمعدل سنوي مركب 29.4٪ بين 2025 و2030.
وعالميًا، يُتوقّع أن يصل سوق Open RAN إلى نحو 38.71 مليار دولار بحلول 2034.
في أوروبا وأمريكا الشمالية، قُدّر السوق بـ 1.41 مليار دولار في 2024، مع معدّل نمو سنوي مركب 32٪ حتى 2034.
هذه الأرقام تُظهر أن Open RAN لم يعد مشروعًا تجريبيًا فقط، بل تحوّلًا في البنية التحتية للاتصالات.
كيف ستؤثّر هذه المبادرة عمليًا على الشبكات والمستخدمين؟
تحسين مرونة الشبكة
مع القدرة على استبدال أو ترقية مكون واحد دون المسّ بالبنية الكاملة، يمكن لفودافون تنفيذ تحسينات محلية أو استجابة أسرع لمتطلبات السوق المحليّة (مدن ذكية، إنترنت الأشياء، الحوسبة الحافة، وغيرها).
خفض التكاليف على المدى الطويل
على الرغم من أن الاستثمارات الأولية قد تكون كبيرة، إلا أن المنافسة بين الموردين وتقليل الاعتماد الأحادي يمكن أن يخفض التكاليف التشغيلية والصيانة على المدى المتوسط والطويل.
تعزيز الابتكار الشريك
موردون جدد بإمكانهم دخول السوق (مثل الشركات الناشئة في البرمجيات والشبكات)، ما يوسّع Ecosystem الاتصالات، ويزيد فرص بناء حلول متخصصة للمستخدمين أو القطاعات الصناعية.
تجربة مضمونة للمستخدمين
في المدن ذات الكثافة العالية، سيكون على فودافون التأكد من أن أداء الشبكة (السرعة، زمن الاستجابة، الاستقرار) لا يتأثر بانتقال المكوّنات.
هل ستنجح التجربة حقًّا؟
أرى أن المبادرة تحمل إمكانيات كبيرة، لكنها محاطة بعوامل تحدد نجاحها:
- إذا نجحت فودافون في إدارة التكامل بين مورّدين وضمان الأداء الموحد، فسيكون هذا مشروعًا نموذجيًا يُحتذى به.
- إذا ظلت التحديات في الأداء أو الأمان دون معالجة، قد تؤدي إلى تردد في التبني من مشغّلين آخرين.
- الأرقام السوقية تشير إلى توجه عالمي نحو Open RAN، مما يعزز جاذبية المشروع.
- الجانب الجيوسياسي يزيد الأهمية والإلحاحية لتطبيق البدائل، خاصة في أوروبا التي تسعى لاستقلالية تكنولوجية.
بناءً على كل ذلك، نرى أن فودافون وسامسونغ أمام فرصة كبيرة لبناء شبكة مرنة ومستقبلية، وإن نجحت، ستكون نقطة تحول في مشهد شركات الاتصالات الأوروبية.
