إعلان

حين تُذكر غويانا، قد يتبادر إلى الذهن بلد صغير يقع في الزاوية الشمالية الشرقية من أمريكا الجنوبية، يعاني من الفقر والهجرة وتحديات التنمية. لكن الواقع تغيّر جذرياً في السنوات القليلة الماضية. فقد أصبحت غويانا مثالاً عالمياً على التحول الاقتصادي السريع، محققة معدلات نمو لم تشهدها أي دولة أخرى في هذا العصر، وبدأت تجذب اهتمام كبرى المؤسسات المالية وشركات الطاقة العالمية. فكيف حصل هذا التحول؟ وما التحديات التي تواجهه؟

الطفرة النفطية التي غيّرت قواعد اللعبة

منذ عام 2019، بدأت غويانا استكشاف مواردها النفطية البحرية، لتقفز إلى إنتاج أكثر من 650 ألف برميل يومياً بحلول 2024، بعد أن كانت لا تنتج شيئاً على الإطلاق. ووفقاً لتقديرات صندوق النقد الدولي، سجلت البلاد متوسط نمو اقتصادي مذهل بلغ 47% سنوياً منذ 2022، وقفز الناتج المحلي بنسبة 58% في عام 2024 وحده.

لكن لا تنخدع بالأرقام، فهناك بُعد أعمق لهذه القصة الاقتصادية.

هل أصبح شعب غويانا ثرياً فعلاً؟

مع ارتفاع نصيب الفرد من الناتج المحلي إلى نحو 90 ألف دولار وفقاً لتعادل القوة الشرائية، تجاوزت غويانا دولاً كبرى، من بينها الولايات المتحدة. إلا أن هذا لا يعكس بالضرورة تحسناً فورياً في نمط الحياة اليومي لجميع المواطنين. فجزء كبير من عائدات النفط يذهب إلى الشركات متعددة الجنسيات أو يُعاد استثماره في البنية التحتية النفطية نفسها.

لذلك، حرصت الدولة على إنشاء صندوق للثروة السيادية تجاوزت قيمته 12.5% من الناتج المحلي الإجمالي، بهدف تحويل هذه الثروة المؤقتة إلى أساس للتنمية طويلة الأمد.

إعلان

تنويع الاقتصاد.. من النفط إلى الاستدامة

الرهان الأكبر الآن هو التنويع. فغويانا لم تكتفِ بالاعتماد على النفط، بل بدأت تستثمر العائدات في الصحة والتعليم والبنية التحتية، وتعمل على تنمية قطاعات غير نفطية مثل الزراعة والسياحة والتكنولوجيا.

تشير التقديرات إلى أن الاقتصاد غير النفطي سينمو بنسبة 13% في 2025، مع توقعات بمعدل نمو مستقر يبلغ 6.75% سنوياً حتى 2030. وهو مسار فريد في قارة غالباً ما عجزت دولها عن تحويل ثرواتها الطبيعية إلى رفاه حقيقي للشعوب.

التحديات الحقيقية خلف الأرقام

رغم كل الإشادة الدولية، تواجه غويانا تحديات اجتماعية حقيقية، أبرزها نقص الكفاءات المحلية. فقد أدى النمو المفاجئ إلى ارتفاع الطلب على المهارات الفنية، مما دفع الكثير من الشركات إلى استقدام موظفين من الخارج. تقول تيفاني بالجوبين، مدربة غوص من العاصمة جورج تاون:

“الوظائف كثيرة، لكن البرامج التدريبية المحلية غير كافية لتأهيل الشباب، وهذا يسبب فجوة في سوق العمل”.

إضافة إلى ذلك، فإن الاعتماد الكبير على النفط يطرح مخاطر مستقبلية، خاصة في ظل تقلبات أسعار الطاقة عالميًا، أو التوترات الجيوسياسية.

إشادة دولية بنهج غويانا المتزن

يرى صندوق النقد الدولي أن غويانا تسير في الاتجاه الصحيح، مشيدًا بإصلاحاتها الاقتصادية وانضباطها المالي. وقال كينجي أوكامورا، نائب المدير العام للصندوق:

“غويانا تُعد نموذجًا لإدارة فعالة للثروات الطبيعية، وهي على أعتاب نهضة اقتصادية مستدامة”.

ويُقارن بعض الخبراء تجربة غويانا بتجربة النرويج، التي أحسنت استثمار عائدات النفط في بناء مجتمع متوازن ورعاية اجتماعية شاملة.

هل تنجح غويانا في امتحان المستقبل؟

ما تقوم به غويانا اليوم يُعد تجربة تستحق الدراسة، ليس فقط بسبب النمو السريع، بل لكونها تسعى بجدية لتحويل مورد زائل إلى ثروة دائمة للأجيال القادمة. السؤال الحاسم الآن: هل ستحافظ على هذا التوازن بين الطموح والاستقرار؟
إن نجحت، فإنها ستكون حالة فريدة في التاريخ الحديث، تُدرّس في الجامعات، وتُحاكى في الدول الغنية والفقيرة على حد سواء.


ما الذي ساعد غويانا على تحقيق هذا النمو الاقتصادي السريع؟

الجواب: اكتشاف وتصدير كميات ضخمة من النفط، مع سياسات مالية حذرة واستثمارات مدروسة في القطاعات الحيوية.

هل أصبح جميع سكان غويانا أغنياء بفضل النفط؟

الجواب: لا، فرغم ارتفاع الناتج المحلي، لا تزال هناك تحديات في توزيع الثروات، ونسبة كبيرة من العائدات تُستثمر خارجياً أو في مشاريع طويلة الأجل.

هل تعتمد غويانا كلياً على النفط؟

الجواب: لا، بل بدأت بتنويع اقتصادها وتوسيع الاستثمارات في مجالات مثل الصحة والتعليم والزراعة.

شاركها.

منصة شاملة تقدم محتوى متنوعًا يجمع بين الأخبار الحديثة والمدونات التحليلية، بالإضافة إلى إحصائيات دقيقة، واختبارات تفاعلية، ومقاطع فيديو مبتكرة.

إعلان
Subscribe
Notify of
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
تعليقات داخلية
عرض كل التعليقات
إعلان
wpDiscuz
0
0
حابين نسمع رأيك، اترك تعليقك.x
()
x
Exit mobile version