في عالم يعج بالضجيج وصور المآسي التي تمر سريعًا على شاشات هواتفنا، هناك أصوات ترفض أن تموت. صوت الطفلة هند رجب، ابنة الست سنوات، كان أحد هذه الأصوات. لم يكن مجرد استغاثة طفولية في ليلة مظلمة من ليالي غزة، بل كان صرخة مدوية فضحت هشاشة إنسانيتنا وصمت العالم. اليوم، وبفضل قوة السينما، لم يعد هذا الصوت همسًا في أذن المسعفين، بل أصبح إعصارًا عاطفيًا هز أحد أعرق المهرجانات السينمائية في العالم، ليؤكد أن الفن لا يزال ضمير البشرية الحي.
فوز فيلم “صوت هند رجب” للمخرجة التونسية كوثر بن هنية بجائزة الأسد الفضي في مهرجان البندقية السينمائي ليس مجرد انتصار فني، بل هو إعلان بأن بعض القصص يجب أن تُروى، مهما كانت مؤلمة. لقد نجح الفيلم في تحويل قاعة السينما إلى مساحة للتأمل والغضب والدموع، حيث وقف الحضور في تصفيق تاريخي استمر لـ 24 دقيقة، في مشهد يعكس حجم التأثير الذي أحدثه هذا العمل الصادق والموجع.
من مأساة حقيقية إلى إنجاز تاريخي: قصة الفيلم الذي أبكى العالم
لم يعتمد الفيلم على الخيال ليصنع تأثيره، بل استند إلى تسجيلات صوتية حقيقية ومروعة. يعود بنا إلى الساعات الأخيرة في حياة الطفلة هند، التي حوصرت وحيدة في سيارة مع جثث أقاربها بعد أن أطلق الجيش الإسرائيلي النار عليهم. على مدار ثلاث ساعات، كانت هند تتحدث عبر الهاتف مع مسعفي الهلال الأحمر الفلسطيني، صوتها الصغير المرتجف يصف الخوف والظلام، ويرجو النجدة: “تعالوا خذوني… أنا خايفة”.
هذه المكالمة لم تكن مجرد توثيق، بل كانت شهادة حية على الرعب الذي يعيشه أطفال فلسطين. وبحسب إحصائيات صادرة عن منظمات دولية، فإن الأطفال يشكلون نسبة هائلة من ضحايا الحرب، حيث قُتل الآلاف منهم منذ بدء التصعيد الأخير، وأصبح أكثر من 17 ألف طفل يتيمًا. لقد حوّل فيلم صوت هند رجب هذه الأرقام الصادمة إلى وجه وصوت وقصة إنسانية لا يمكن تجاهلها.
المخرجة كوثر بن هنية، التي سبق وترشحت للأوسكار، شعرت بمسؤولية ملحة لتقديم هذا العمل. لم تسعَ لإعادة تصوير مشاهد العنف المباشر التي اعتدنا عليها، بل اختارت بذكاء أن تبقي الكاميرا داخل مركز عمليات الهلال الأحمر، جاعلةً من صوت هند بطل الفيلم الأوحد. هذا القرار الفني جعل الجمهور شريكًا في تجربة العجز والألم التي عاشها المسعفون، الذين كانوا يسمعون صوت الطفلة يتلاشى دون أن يتمكنوا من الوصول إليها.
السينما كسلاح للذاكرة
في خطابها المؤثر بعد تسلم الجائزة، قالت بن هنية: “السينما لا يمكنها أن تعيد هند إلى الحياة، لكنها قادرة على حفظ صوتها”. هذه الجملة تلخص جوهر الفن المقاوم. في زمن تُستخدم فيه آلات الدعاية لطمس الحقائق وتبرير الجرائم، يأتي فيلم مثل “صوت هند رجب” ليكون بمثابة أرشيف إنساني ووثيقة تاريخية. إنه فيلم عن طفلة فلسطينية، ولكنه في جوهره فيلم عن كل طفل ضاع حلمه في الحروب، وعن كل صوت أُسكت ظلمًا.
لقد نجح الفيلم في ما فشلت فيه نشرات الأخبار اليومية: اختراق جدار اللامبالاة. فبدلاً من تقديم المأساة كخبر عاجل، قدمها كتجربة شعورية عميقة، مما أجبر مشاهدين من ثقافات مختلفة على مواجهة الحقيقة المرة. وهذا يثبت أن السينما، حين تكون صادقة، لا تزال قادرة على توحيد المشاعر الإنسانية وتوجيه الأنظار نحو القضايا التي تحتاج إلى اهتمام عاجل.
أسئلة شائعة حول فيلم صوت هند رجب:
1. ما هي قصة فيلم “صوت هند رجب”؟
الفيلم يروي القصة الحقيقية للساعات الأخيرة في حياة الطفلة الفلسطينية هند رجب (6 سنوات)، التي حوصرت في سيارة مع جثث أقاربها في غزة، مستخدمًا التسجيلات الصوتية الأصلية لمكالمتها مع فرق الإنقاذ.
2. ما هي الجائزة التي فاز بها الفيلم؟
فاز الفيلم بجائزة “الأسد الفضي” في الدورة الـ 82 لمهرجان البندقية السينمائي، وهي من أرفع الجوائز في المهرجان.
3. من هي مخرجة الفيلم؟
الفيلم من إخراج المخرجة التونسية كوثر بن هنية، المعروفة بأعمالها التي تمزج بين الوثائقي والروائي، والتي سبق لها الترشح لجائزة الأوسكار.
4. كيف كان رد فعل الجمهور في المهرجان؟
حظي الفيلم باستقبال مؤثر للغاية، حيث بكى الحضور وصفقوا وقوفًا لمدة 24 دقيقة متواصلة بعد عرضه الأول، في رقم قياسي يعكس قوة تأثيره.



