إعلان

إذا كنت تتصفح الإنترنت بحثًا عن مشهد يخطف الأنفاس، فلن تجد ما هو أكثر إثارة من ظاهرة شلال دماء التي ظهرت في جزيرة هرمز الواقعة جنوب إيران. هذه الجزيرة المتواضعة، التي وصفها الرحّالة ابن بطوطة منذ قرون بأنها مدينة حسنة وأسواقها حافلة، تمتلئ اليوم بقصص فريدة عن البحر الأحمر الداكن الذي يبدو وكأنه لوحة فنية خرجت من عالم خيالي.


كيف ظهرت تسمية “شلال دماء”؟

قبل بضعة أشهر، هطلت أمطار غزيرة على جزيرة هرمز، فتدفقت المياه عبر الشاطئ الأحمر محمّلة بأكسيد الحديد، لتشكّل مشهدًا مثيرًا بدا للناظرين كأنه تدفق دماء حقيقية. سرعان ما انتشر مقطع فيديو يوثق هذه الظاهرة على مواقع التواصل الاجتماعي، وسط دهشة الناس الذين تخيّلوا للحظات أن الشاطئ قد تحول إلى أنهار من الدم. لكن الحقيقة العلمية تحسم الأمر: إن اللون الأحمر ما هو إلا نتيجة لتفاعل مياه الأمطار مع تركيز عالٍ من أكسيد الحديد في التربة.


أصول الظاهرة العلمية

يُعزى لون المياه والرمال الشديد الاحمرار في جزيرة هرمز إلى التركيز العالي لمركّب أكسيد الحديد. هذا المركّب، المكوّن من الحديد والأكسجين، شائع الاستخدام في مجالات متنوعة؛ فهو يُعدّ صبغة طبيعية تدخل في صناعات الأغذية والحلويات، كما يستخدمه أهالي الجزيرة في إنتاج خبز محلي يُعرف باسم “تومشي”. وعندما تمتزج هذه المادة بمياه الأمطار، تتفاعل فتمنح البحر والشاطئ لونًا أحمر قاتمًا، يوحي بنشوء شلال دماء على أرض الواقع.


تشابه مع نهر تينتو في إسبانيا

ما يحدث في هرمز يشبه كثيرًا ظاهرة التلوّن الفريد في نهر تينتو الإسباني؛ إذ تتسبب التركيزات العالية من المعادن والحديد هناك في ظهور الماء بلون أحمر مشابه. في هرمز، إذا جرّبت كشط الرمال تحت سطح الشاطئ، فستُفاجأ برمال حمراء زاهية تكتسبها أمواج البحر، وهي كفيلة بأن تترك لونًا أحمر على بشرتك لأيام في حال الاستحمام في هذه المياه.

تشابه مع نهر تينتو في إسبانيا

استخدامات وفوائد أكسيد الحديد

يُعرف أكسيد الحديد بكونه عنصرًا مهمًا في المجالات الصناعية، مثل صناعة الدهانات والسيراميك ومستحضرات التجميل. وفي جزيرة هرمز تحديدًا، يُستعمل هذا المسحوق الأحمر في الأطعمة المحلية، كإضافة مميزة لصلصات الفاكهة والمربّى وأطباق السمك التقليدية. كما يدخل في تصنيع العديد من المنتجات الصيدلانية والصحية. لذلك، لا تقتصر أهمية هذا المعدن على المشهد الفريد فحسب، بل يُعتبر موردًا اقتصاديًا قيّمًا يُساهم في استقطاب السياح.

إعلان

المغرة الحمراء وثروة الجزيرة

يطلق السكان المحليون على هذه التربة الحمراء اسم “جلاك”، وهي تُعدّ من أهم صادرات المنطقة. تجمع هذه التربة بين أكسيد الحديد ونسب مختلفة من الطين والرمال، ما يؤدي إلى ألوان متنوعة تمتد من الأصفر والبرتقالي الغامق حتى الأحمر والبني والذهبي. في جزيرة هرمز، يمكنك زيارة وادي قوس قزح المذهل جنوب غرب الجزيرة، حيث تظهر الصخور والمعادن بأكثر من 70 لونًا. كل هذه العوامل تجعل من الجزيرة كتابًا جيولوجيًا مفتوحًا يحكي قصص ملايين السنين.

جزيرة هرمز

العوامل الجيولوجية والظروف المناخية

يتراوح العمر الجيولوجي لجزيرة هرمز، التي تبلغ مساحتها 42 كيلومترًا مربعًا، بنحو 600 مليون عام. تكوّنت نتيجة اصطدام الصفائح التكتونية العربية والأوراسية الذي أدى إلى تكون الجبال والوديان في منطقة الخليج العربي. ومع مرور الزمن، تركّزت المعادن الغنية بالحديد في تربة الجزيرة، وهو ما يعطي المياه والرمال هذا اللون الفريد الذي يذكّرنا دائمًا بمشهد شلال دماء.

وتلعب ظروف الجزيرة القاحلة دورًا مهمًا في تفاقم عملية تآكل هذه الصخور والمعادن، ما يسرّع من انتشار جزيئات أكسيد الحديد ويعطي الشاطئ لونه الأحمر المتوهج. ومع تغير ضوء الشمس على مدار اليوم، تتغير درجات هذا اللون بين الأحمر الداكن والأحمر الفاتح بطريقة مدهشة تجذب السيّاح والمصورين.


جاذبية السياحة في شلال دماء

لا شك أن ظاهرة شلال دماء تلفت الأنظار وتدفع الزوار لخوض تجربة فريدة من نوعها. المشهد البصري الأخّاذ للبحر الممزوج بصبغة الحديد هو عامل جذب قوي، جعل من جزيرة هرمز واحدة من أبرز الوجهات السياحية لعشاق الطبيعة والمهتمين بالظواهر الجيولوجية. وبينما يستمتع السياح بالمناظر الخلابة، يستفيد سكان الجزيرة من زيادة الدخل وخلق فرص عمل جديدة.

شاركها.

منصة شاملة تقدم محتوى متنوعًا يجمع بين الأخبار الحديثة والمدونات التحليلية، بالإضافة إلى إحصائيات دقيقة، واختبارات تفاعلية، ومقاطع فيديو مبتكرة.

إعلان
Subscribe
Notify of
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
تعليقات داخلية
عرض كل التعليقات
إعلان
wpDiscuz
0
0
حابين نسمع رأيك، اترك تعليقك.x
()
x
Exit mobile version