إعلان

على ارتفاع يتجاوز 4600 متر فوق سطح البحر، حيث الهواء قليل والكائنات الحية قليلة، تجوب قطعان الظباء التبتية المراوغة سهوب هضبة التبت الشاسعة. هذه المخلوقات، المعروفة أيضاً باسم “تشيرو”، لطالما كانت لغزاً للعلماء بسبب طبيعتها الخجولة وبيئتها القاسية التي تجعل دراستها شبه مستحيلة. ولكن اليوم، انضم عضو جديد وغريب إلى أحد هذه القطعان، عضو لا يملك قلباً نابضاً بل دوائر كهربائية، إنه الروبوت الظبي الذي جاء في مهمة استثنائية: حماية “إخوته” من لحم ودم.

مهمة في أصعب تضاريس العالم

لطالما شكلت محمية كيكيسيلي الطبيعية في شمال غرب هضبة التبت تحدياً هائلاً للباحثين. فالظروف المناخية القاسية والارتفاع الشاهق يجعلان المراقبة البشرية المباشرة والمستمرة أمراً محفوفاً بالمخاطر وغير فعال. بالإضافة إلى ذلك، فإن الظباء التبتية حساسة للغاية لوجود الإنسان وتهرب فوراً عند الشعور بأي خطر، مما يمنع العلماء من جمع بيانات دقيقة حول سلوكها الاجتماعي، طرق هجرتها، وتكاثرها.

من هنا، ولدت فكرة الروبوت الظبي كحل عبقري لهذه المعضلة. فبدلاً من محاولة الاقتراب من القطيع، قرر العلماء إرسال فرد “مزيف” لينضم إليه. هذا الابتكار، الذي طوره باحثون من معهد الشمال الغربي لبيولوجيا الهضبة، ليس مجرد كاميرا متحركة، بل هو تحفة من الهندسة البيولوجية المصممة لتقليد شكل وحركة الظبي الحقيقي بأربع أرجل، مما سمح له بالاندماج بنجاح مذهل.


جاسوس بعيون الكاميرا: كيف يعمل؟

بعد رحلة قطع خلالها كيلومترين في التضاريس الوعرة، نجح الروبوت الظبي في الانضمام إلى القطيع دون إثارة أي شكوك. لقد تقبلته الظباء الحقيقية كواحد منها، مما فتح الباب أمام العلماء لمراقبة حياتها اليومية عن قرب غير مسبوق.

يقول ليان شين مينغ، الباحث في الأكاديمية الصينية للعلوم، إن هذا النهج “سيوفر صوراً وبيانات أكثر دقة وموثوقية لدراسة سلوك الظباء”. فمن خلال كاميرتين عاليتي الدقة مثبتتين تحت عينيه. يبث الروبوت لقطات حية وحقيقية من قلب القطيع. كاشفاً عن تفاصيل لم يكن من الممكن رؤيتها من قبل.

إعلان

هذه ليست مجرد خطوة لمراقبة الحيوانات، بل هي قفزة نوعية في مجال الحفاظ على البيئة. فالظباء التبتية تواجه خطر الصيد الجائر بسبب صوفها الثمين والنادر المعروف باسم “شاتوش”، والذي يُعد من أغلى أنواع الصوف في العالم. البيانات التي يجمعها الروبوت الظبي ستساعد في فهم مناطق الخطر وتحديد مسارات الهجرة. وبالتالي تمكين السلطات من توفير حماية أفضل لهذه الكائنات المهددة بالانقراض.


عندما تخدم التكنولوجيا الطبيعة

إن نشر الروبوت الظبي يمثل أكثر من مجرد إنجاز تقني؛ إنه يجسد تحولاً في فلسفة الحفاظ على الحياة البرية. فبدلاً من الأساليب القديمة التي قد تكون مزعجة أو تطفلية، نشهد الآن ولادة نهج جديد قائم على المراقبة الصامتة والاحترام الكامل لبيئة الكائن الحي. هذه الطريقة غير التوسعية لا تحمي الحيوانات فحسب، بل تضمن أيضاً أن البيانات التي يتم جمعها تعكس سلوكها الطبيعي الحقيقي دون أي تأثير خارجي.

هذا المشروع هو شهادة على أن التقدم التكنولوجي لا يجب أن يكون على حساب الطبيعة، بل يمكن أن يكون أقوى حليف لها. إنها دعوة للتفكير في كيفية تسخير الابتكارات البشرية، من الذكاء الاصطناعي إلى الروبوتات الحيوية، لشفاء كوكبنا وحماية كنوزه الثمينة.


ردود الفعل والتوجه العالمي

أثار خبر الروبوت الظبي تفاعلاً واسعاً عبر المنصات العلمية والاجتماعية، حيث امتزجت ردود الفعل بين الدهشة والإعجاب والأمل. يرى الكثيرون في هذا الابتكار نموذجاً ملهماً للتعايش الإيجابي بين الإنسان والتكنولوجيا والطبيعة.

هذا التوجه نحو استخدام الروبوتات المستوحاة من الأحياء (Bio-inspired robotics) ليس جديداً تماماً، بل هو مجال متنامٍ بسرعة. فقد شهدنا في السنوات الأخيرة استخدام روبوتات على شكل طيور بطريق لمراقبة مستعمراتها في القطب الجنوبي دون إزعاجها. وروبوتات أسماك لدراسة التلوث في المحيطات. وحتى روبوتات سلاحف لوضع بيض مزيف مزود بأجهزة تتبع لمكافحة الصيد غير المشروع. تشير الإحصاءات إلى أن الاستثمار في “تكنولوجيا الحفاظ على البيئة” قد تضاعف خلال السنوات الخمس الماضية. مما يعكس وعياً عالمياً متزايداً بأهمية هذه الأدوات.

يؤكد الخبراء أن هذه التقنيات ستصبح أكثر أهمية في المستقبل، خاصة مع تفاقم آثار تغير المناخ وفقدان التنوع البيولوجي. فكل معلومة دقيقة نجمعها اليوم هي خطوة نحو إنقاذ فصيلة من الانقراض غداً.

المصدر: وكالة شينخوا الصينية للأنباء.


أسئلة شائعة حول الروبوت الظبي:

1. ما هو الروبوت الظبي؟

هو روبوت متطور مصمم ليشبه الظبي التبتي، تم إرساله للاندماج مع قطعان الظباء الحقيقية في هضبة التبت بهدف مراقبتها وجمع بيانات علمية عنها عن قرب دون إخافتها.

2. لماذا تم استخدام روبوت لدراسة الظباء التبتية؟

لأن الظباء التبتية حيوانات خجولة جداً وتعيش في بيئة جبلية قاسية ومرتفعة، مما يجعل دراستها بالطرق التقليدية صعبة للغاية. الروبوت يتيح للعلماء مراقبتها في بيئتها الطبيعية دون أي تدخل بشري مباشر.

3. ما أهمية هذا المشروع؟

تكمن أهميته في توفير بيانات دقيقة وموثوقة حول سلوك الظباء التبتية المهددة بالانقراض بسبب الصيد الجائر. هذه البيانات ستساعد في وضع استراتيجيات حماية أفضل للحفاظ عليها وعلى بيئتها الطبيعية.

4. هل هذه هي المرة الأولى التي تُستخدم فيها الروبوتات لمراقبة الحياة البرية؟

لا، هذا جزء من توجه عالمي متنامٍ لاستخدام الروبوتات المستوحاة من الكائنات الحية في أبحاث البيئة والحياة البرية، مثل روبوتات البطريق والأسماك والسلاحف التي استُخدمت في مهام مماثلة حول العالم.

شاركها.

منصة شاملة تقدم محتوى متنوعًا يجمع بين الأخبار الحديثة والمدونات التحليلية، بالإضافة إلى إحصائيات دقيقة، واختبارات تفاعلية، ومقاطع فيديو مبتكرة.

إعلان
Subscribe
Notify of
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
تعليقات داخلية
عرض كل التعليقات
إعلان
wpDiscuz
0
0
حابين نسمع رأيك، اترك تعليقك.x
()
x
Exit mobile version