تأتي حلوى العيد في الوطن العربي على رأس مظاهر البهجة والاحتفال، إذ تعبّر عن روح الكرم والترابط الاجتماعي الذي يميز هذه المناسبة السعيدة. فمنذ الأيام الأولى لاستقبال العيد، تتعالى روائح المخبوزات والحلوى الشهية في كل بيت، وتبدأ الأمهات والجدات في تجهيز أنواع فريدة من الحلوى التي تكتسب طابعاً محلياً يختلف من بلدٍ لآخر. ورغم التنوع الكبير في المكونات ونكهات حلوى العيد، فإن القاسم المشترك بينها جميعاً هو الفرحة التي تنشرها في نفوس الصغار والكبار، إلى جانب الروابط العائلية التي تزداد قوة في جلسات التحضير والتذوق. في هذه المقالة، سنأخذكم في جولة للتعرف على تقاليد تصنيع حلوى العيد في بعض البلدان العربية، ونستكشف كيفية تطورها مع مرور الزمن، مع التركيز على القيم الاجتماعية التي توثّق أواصر المحبة والألفة.
أشهر أنواع حلوى العيد في بعض الدول العربية
تشتهر المنطقة العربية بتنوع واسع في أصناف حلوى العيد، حيث تبرز في كل بلد حلوى مميزة تعبّر عن ثقافته وتاريخه:
- المعمول في السعودية
في المملكة العربية السعودية، يُعَدُّ المعمول أحد أبرز أنواع حلوى العيد وأكثرها انتشاراً. يتميز بعجينته الهشة وحشواته المتنوعة مثل التمر، والفستق، والجوز. يختار العديد من السعوديين إعداده قبل العيد بأيام، ليكون جاهزاً لتقديمه مع القهوة العربية صباح يوم العيد، حيث يستمتع الضيوف بنكهته الغنية وقوامه الناعم. - الكحك في مصر
أما في مصر، فيعدُّ الكحك رمزاً للعيد بلا منازع. يعود تاريخ الكحك إلى العصور الفرعونية، لكنه ما زال يتربع على عرش المائدة المصرية في أيام العيد. يتم تحضير عجينته من الدقيق والسمن، وتُحشى غالباً بالعجوة (التمر) أو الملبن أو المكسرات، ثم تُزيَّن بنقوش جميلة باستخدام قوالب خاصة. يقدم المصريون الكحك مع الشاي أو القهوة، في لقاءات عائلية مميزة تملؤها البهجة. - الشباكية في المغرب
تتميز المغرب بالشباكية، وهي من أشهر أنواع حلوى العيد التي تُصنع خصوصاً في شهر رمضان وتستمر شعبيتها خلال أيام العيد. تتخذ الشباكية شكلاً ضفائرياً معقداً، وتُغمر في العسل أو القطر بعد قليها، مما يمنحها مذاقاً حلواً مميزاً. تُقدَّم عادةً بجانب الشاي المغربي بالنعناع، لتكتمل بذلك الأجواء الاحتفالية. - الغريبة والمبرومة في سوريا ولبنان
في بلاد الشام كـسوريا ولبنان، تتربع الغريبة والمبرومة على قائمة حلوى العيد الشهيرة. تتميز الغريبة بقوامها الناعم وطعمها الذي يذوب في الفم، في حين تتميز المبرومة بأنها تُحشى بالفستق أو الجوز وتُلف في رقائق عجين رفيعة، ثم تُشرب بالقطر لتكتسب ملمساً مقرمشاً ونكهة رائعة.
في كل هذه البلدان وغيرها، لا يقتصر تناول حلوى العيد على المذاق اللذيذ فحسب، بل يمتدّ ليكون جُزءاً من الثقافة المحلية والهوية المجتمعية.
طرق التحضير التقليدية والاختلاف في المكونات
تختلف تقاليد التحضير والمكونات التي تدخل في صناعة حلوى العيد من منطقة لأخرى:
-
المعمول
- العجينة: تُصنع عجينة المعمول عادةً من السميد أو الدقيق أو مزيجٍ منهما، ويُضاف إليها السمن أو الزبدة، بالإضافة إلى السكر الناعم.
- الحشوات: أشهر الحشوات هي التمر الممزوج بالقليل من الزبدة أو الزيت والبهارات العطرية مثل الهيل، إلى جانب المكسرات (الفستق والجوز).
- التشكيل: يتمُّ استخدام قوالب خاصة لمنح المعمول شكلاً مزخرفاً يدلّ على نوع الحشوة بداخله.
-
الكحك
- العجينة: تعتمد عجينة الكحك على الدقيق الفاخر والسمن والسكر والخميرة، فيترك ليتخمّر قبل تشكيله.
- الحشوة: غالباً ما تُستخدم العجوة أو المكسرات أو الملبن، مع إضافة رشات من السكر البودرة بعد الخبز.
- النكهات الإضافية: قد تُضاف رشة من ماء الورد أو المسك لإضفاء عطر مميز يزيد من جاذبية طعم الكحك.
-
الشباكية
- العجينة: تُحضَّر من خليط الدقيق واللوز المطحون والسمسم والتوابل كاليانسون والقرفة، ثم تُعجن جيداً قبل تشكيلها في شكلٍ ضفائري مميز.
- طريقة الطهي: تُقلى الشباكية في زيت ساخن، ثم تُنقع في العسل أو القطر المعطّر بماء الزهر أو ماء الورد.
- التقديم: عادةً ما تُقدَّم بجانب الشاي المغربي في سهرات العيد والأعياد الدينية.
-
الغريبة والمبرومة
- الغريبة: تُحضَّر من الطحين والسمن والسكر، وتُعجن حتى تتماسك وتشكل كرات صغيرة تُخبز على حرارة هادئة لتحافظ على قوامها الهش.
- المبرومة: يتمّ لف طبقات من العجين الرفيع حول حشوة المكسرات، ثم تُحمَّص وتُغمر بالقطر أو العسل. قد يُضاف السمن أو الزبدة لإثراء النكهة.
هذه الاختلافات في المكونات وأساليب التحضير تدل على ثراء المطبخ العربي وتعدد مذاقاته، كما تعكس عادات وتقاليد تناقلتها الأجيال.
الجانب الاجتماعي والروح الجماعية في إعداد حلوى العيد
تمثل حلوى العيد جانباً اجتماعياً عميقاً يتجاوز مجرّد الطبخ والأكل. ففي كثير من المجتمعات العربية، تبدأ التحضيرات قبل العيد بأيام أو أسابيع:
- التجمّع العائلي
عادةً ما تتجمّع النساء في البيت الكبير أو منزل الجدّة لإعداد كمية كبيرة من حلوى العيد، يتقاسمن المهام بين عجن العجين وتشكيل القوالب وحشوها. هذه الأجواء الحميمية تخلق ذكريات مشتركة وتعزّز الروابط العائلية. - مشاركة الجيران والأصدقاء
في بعض المناطق، لا تقتصر عملية صنع حلوى العيد على أفراد العائلة فقط، بل قد يُدعى الجيران والأصدقاء للمساعدة، فتتحوّل التجهيزات إلى احتفالية حيّ كامل. يتبادلون الأحاديث والقصص وسط روائح طيبة تملأ المكان. - توارث الحِرف اليدوية
تمثّل عملية تصنيع حلوى العيد يدوياً فرصةً لنقل الخبرات من الجيل الأكبر إلى الجيل الأصغر، ما يضمن استمرار العادات والمهارات التقليدية. ففي جلسات العمل الطويلة هذه، تتعلم الفتيات الصغيرات وصفات الجدّات وتكتسبن أسرار المطبخ العائلي. - الدور التربوي
يتعلّم الأطفال من خلال مشاركتهم في صنع حلوى العيد أهمية التعاون والصبر والدقة في إنجاز الأعمال. كما يزرع فيهم حس الانتماء والافتخار بثقافتهم وتراثهم الشعبي.
التطور العصري والحفاظ على الجذور
مع التقدّم التكنولوجي وانتشار المخابز والمتاجر المتخصصة في صناعة حلوى العيد، أصبحت بعض العائلات تفضّل شراء هذه الحلوى جاهزة. ومع ذلك، لم تختف روح العيد وعادات التحضير التقليدية:
-
المخابز والأسواق الحديثة
- توفر المخابز تشكيلة واسعة من حلوى العيد، مطابقة إلى حد كبير للوصفات التقليدية، لكنها مجهّزة بطرق عصرية تضمن جودة الإنتاج وتوفّر الوقت.
- يعتمد البعض على شراء المعمول والكحك أو الشباكية بأشكال فاخرة تضيف لمسة من الحداثة على سفرة العيد.
-
الابتكار في النكهات
- أدخلت بعض المحال تعديلات عصرية على الوصفات، مثل استخدام الشوكولاتة أو الكراميل أو حتى إضافة الفواكه المجففة.
- رغم هذه الإضافات، تظل النكهات الأصلية هي الأساس الذي يجذب المستهلكين الباحثين عن طعم الذكريات الأصيلة.
-
المحافظة على التراث
- تعمل العديد من الجمعيات والمتاحف التراثية على تنظيم ورش عمل لتعليم الأجيال الجديدة طرق إعداد حلوى العيد التقليدية؛ حفاظاً على أصالة هذه الحلوى في ظل التطور.
- يتبنى الشباب هواية إحياء الموروث الشعبي في صناعة الحلويات، فيظهرون حرصهم على تفاصيل الوصفات القديمة، مع إضفاء لمساتهم الخاصة.
-
التواصل الاجتماعي والوسائط الرقمية
- ساهمت وسائل التواصل الاجتماعي في نشر وصفات حلوى العيد بسرعة كبيرة، حيث يتبادل الناس الصور والوصفات عبر المنصات الرقمية.
- توفر قنوات الطهي على الإنترنت شروحات تفصيلية بالفيديو، ما يسهل تعلّم هذه الحِرف في أي وقت.
رمزية الحلوى في أجواء العيد
لا تقتصر أهمية حلوى العيد على كونها طعاماً شهياً يتذوقه الناس، بل تتجلى قيمتها الحقيقية في كونها رمزاً للفرح والكرم والمحبة. فهي تجمع بين أفراد الأسرة والجيران والأصدقاء، وتعزّز التواصل الاجتماعي الذي يليق بأيام العيد. وفي الوقت الذي تطورت فيه بعض هذه الوصفات لتُصنع بطرق عصرية، ما زالت تنقل في طيّاتها روح الماضي وجمال الأصالة. إن تقديم حلوى العيد يعكس حُسن الضيافة وحرارة الاستقبال، ويرسّخ في الذاكرة الجماعية قيمة الترابط والتلاحم بين الناس في هذه المناسبة المباركة.