في أكتوبر 2025، كشفت الفيفا وشركة أديداس عن كرة تريوندا (Trionda) لتكون الكرة الرسمية لكأس العالم 2026، الذي ستستضيفه ثلاث دول: الولايات المتحدة وكندا والمكسيك. هذا الكشف لم يكن حدثًا عاديًا، بل إشارة إلى التحوّل الكبير في تقنيات كرة القدم، حيث تدمج هذه الكرة بين التصميم الرمزي والابتكار التكنولوجي.
في هذا المقال، أتناول أبرز ملامح تريوندا من التصميم إلى الاستشعار الذكي، وأعرض أمثلة وتحديات، ثم أضع تقييمي وتحليلي، وأُختتم بنظرة مستقبلية لما قد تحمله الأجيال القادمة من كرات في ملاعب العالم.
ما الجديد في تريوندا؟ (الابتكارات والمزايا)
1. التصميم الرمزي والإنسجام البصري
- اسم «Trionda» يأتي من دمج كلمتين: “Tri” أي ثلاثة (يرمز للدول المضيفة الثلاث) و“Onda” الإسبانية بمعنى “موجة”.
- ألوان الكرة تتضمّن الأحمر (مرتبط بكندا)، والأخضر (للمكسيك)، والأزرق (لأمريكا) متداخلة مع رموز وطنية مثل ورقة القيقب، النسر، والنجوم.
- والحواف تُركّب بطريقة لتشكل مثلثًا في مركز الكرة، كرمز للوحدة بين الدول الثلاث.
2. الهيكل الرباعي والتوازن الهوائي
- عادت أديداس إلى استخدام تصميم بـ أربعة ألواح panel فقط في الكرة، وهو أقل عدد ألواح جرى استخدامه في كرات كأس العالم حتى الآن.
- وجود درزّات عميقة بين الألواح يوفّر توزيعًا متساويًا للمقاومة الهوائية (drag) أثناء الطيران، ما يمنح الكرة استقرارًا أفضل في الهواء.
- الأيقونات المنبوشة (embossed) المرئية عن قرب على سطح الكرة تساعد على تحسين الالتصاق (grip) وقت التسديد أو المراوغة في الأجواء الرطبة.
3. مستشعر حركة ذكي بتردد 500 هرتز
- من أبرز الابتكارات في تريوندا هو تضمين شريحة استشعار حركة (IMU sensor) تعمل بتردد 500 هرتز، ترسل بيانات في الزمن الحقيقي إلى نظام الحكام المساعدين (VAR) لتحسين دقة القرارات.
- هذه الشريحة تلتقط تسارع الكرة، دورانها، والمواقع الدقيقة التي تُضرب فيها.
- تم نقل الشريحة من مركز الكرة (كما في بعض الكرات السابقة) إلى جانب أحد الألواح، مع موازنات (counter-balances) في الألواح الأخرى لضمان توازن الطيران.
- كل هذه البيانات يمكن أن تساعد في قرارات متعلقة بالتسلل (offside)، لمس اليد، أو حالات الاتصال الدقيقة التي قد تكون مخفية عن رؤية الحكام أو كاميرات VAR فقط.
4. اختبار المناخات المختلفة وضمان الأداء الموحد
- تريوندا هي أول كرة لكأس العالم تُختبر في ظروف مناخية متعددة (رطوبة، حرارة، ارتفاعات، تفاوت الضغط الجوي) لضمان أنها تعمل بشكل موحد في المدن الـ 16 المضيفة.
- أديداس أخذت الكرة في جولات تجريبية في عدد من المدن المضيفة، حيث شارك بعض اللاعبين المحليين في تجارب الأداء.
- المواد المستخدمة خضعت لاختبارات صارمة في الوزن، امتصاص الماء (water uptake)، الاحتفاظ بالشكل والحجم تحت الاستخدام المكثف.
- الكرة تحمل شهادة FIFA Quality Pro، وهي أعلى تصنيف يُمنح للكرات من ناحية المعايير القياسية.
ردود فعل وتحديات عملية
تجارب أولية
- في مقالات تحليلية، ذُكر أن تريوندا اختُبرت في ملاعب في فانكوفر وخليج مكسيكو، لضبط خصائصها تحت اختلاف العوامل البيئية.
- بعض الفرق في الـ MLS والمكسيك جرى دعوتها لتجربة الكرة في تدريباتها لمعرفة الإحساس والثبات أثناء الاستخدام الحقيقي.
ردود فعل الجمهور والمحللين
- بعض المعجبين وصفوا التصميم بأنه “مزدحم بصريًا” أو “هجوم على العينين” بسبب كثافة الرموز والألوان المتداخلة.
- من جهة أخرى، رأى البعض أن الرموز الوطنية المتضمّنة تجعل الكرة غنية بالهوية وتعكس تعاون الدول المضيفة.
- على المستوى التقني، بعض المحللين أعربوا عن انبهارهم بالتقدم في دمج الاتصال الزمني الحقيقي مع كرة القدم وتوقعوا أن تصبح هذه الميزة معيارًا مستقبليًا.
التحديات المحتملة
- دقة المستشعرات: إذا كان هناك خطأ بسيط في معايرة الشريحة أو تداخل إشارات في الملاعب المكتظة، قد تؤدي إلى قرارات خاطئة.
- الاعتماد المفرط على التكنولوجيا: قد ينحصر دور الحكام البشريين إذا باتت البيانات تُستخدم بشكل آلي دون مراجعة دقيقة.
- تكلفة الصنع والصيانة: الكرات الذكية أغلى في التصنيع، وقد تواجه مشكلات في الإصلاح أو الاستبدال أثناء البطولات.
- تهريب الإشارات أو الاختراق التقني: في عالم متصل، لا يمكن إغفال احتمالية التلاعب بالإشارات إذا لم تُحكم منظومة الأمان.
- تباين الأجواء الفعلية: رغم الاختبارات، قد تبرز ظروف غير متوقعة في ملاعب بعيدة أو مرتفعة تجعل الأداء مختلفًا.
تحليلي ورؤيتي الخاصة
إن كرة تريوندا تمثّل نقطة تحول في كيفية فهمنا لعلاقة التكنولوجيا مع الرياضة. حتى الآن، كانت تطورات كرة المونديال تميل إلى تحسين المواد أو الديناميكا الهوائية، لكن تريوندا تجمع بين الأداء الفيزيائي والذكاء الرقمي داخل الكرة نفسها.
من زاوية تحليلية، أعتقد أن المستشعرات في الكرة إذا عملت بكفاءة ستكون أداة قوية لمراجعة الأخطاء التي كان من الصعب اكتشافها بالكاميرات فقط، لكن يجب أن تبقى هناك آلية بشريّة للمراجعة وضبط النتائج. إذا أصبح الحكم يعتمد على الإشارات فقط من الكرة، نفقد عنصر الحكم البشري الذي يُقدّر ظروف اللحظة والتقدير.
كما أن تقليص عدد الألواح إلى أربعة يُعد مخاطرة محسوبة، لأن كل خطأ في التوازن أو في موازنة القوى سيؤثر بشكل أكبر مقارنة بالكرات التي تضم عددًا أكبر من الألواح. لكن إذا نجحت، فإن هذه الخطوة تُعد قفزة هائلة للأمام في تصميم الكرات الكروية.
أرى كذلك أن تجربة تريوندا ستفتح الباب أمام كرات أكثر ذكاءً في البطولات القارية والدوريات، وربما نصل يومًا إلى أن الكرة تُرسل بيانات فورية للاعبين (مثلاً عن السرعة أو النقطة المثلى للتمرير).
النظرة المستقبلية: ماذا ينتظرنا؟
إلى أين نتجه؟
- من المتوقع أن تصبح الكرات الذكية معيارًا في البطولات الكبرى خلال العقد المقبل. مع توسيع خصائص المستشعرات لتشمل الرطوبة، الضغط، ارتفاع الإرتفاع، وحتى “الصوت” أو “الضغط من الداخل”.
- قد تتطوّر التكنولوجيا إلى دمج الذكاء الاصطناعي داخل الكرة نفسها لتوقع مسارات اللعب أو اقتراح تصويبات مثلى.
- الاتصالات بين الكرة والملعب (مثل الأضواء أو الإشارات على أرضية الملعب) قد تُستخدم لتوضيح الفاول أو التسلل للعامة فورياً.
- ستظهر معايير أمنية مشددة لضمان سلامة البيانات المرسلة ومنع التلاعب أو القرصنة.
للمهتمين بالرياضة
إذا كنت من متابعي كرة القدم، فترقب أن المباريات المستقبلية قد تصبح أكثر شفافية ودقة. لكن هذا لا يعني أن الكرة ستكون “وحشًا آليًا” بلا روح — بل بالعكس: إن نجاح تريوندا سيعزز الثقة بين الجماهير، اللاعبين، والحكام.
قد ترى نفسك يومًا تشاهد مباراة وتُعرض أمامك تحليلات فورية لكل لمسة للكرة، وتفهم كيف اتخذ الحكم قراره بدقة مستندًا إلى بيانات حية.
على المستوى الشخصي، تشكّل تريوندا مثالًا حيًّا على كيف يُمكن للتكنولوجيا – عند دمجها بعناية وحكمة – أن ترتقي برياضة قديمة إلى عوالم جديدة.
المصادر:
- الموقع الرسمي للاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)
- الموقع الرسمي لشركة أديداس
- صحيفة إلبايس الإسبانية
- موقع سي بي إس سبورتس
- موقع ذا إنديان إكسبريس
أسئلة شائعة
ما معنى اسم تريوندا؟
الاسم مشترك بين “Tri” (ثلاثة) و“Onda” (موجة)، في إشارة إلى الدول الثلاث المضيفة وتدفق المباراة.
كم عدد الألواح في تريوندا؟
تتكوّن من أربعة ألواح فقط، وهي أقل عدد استخدم في كرة مونديالية حتى الآن.
ما فائدة المستشعر داخل الكرة؟
يلتقط بيانات الحركة (تسارع، دوران، النقاط التي تضرب فيها الكرة) ويرسلها إلى نظام VAR لتحسين دقة القرارات.
كيف تم ضمان الأداء في ظروف مناخية متنوعة؟
خضعت الكرة لاختبارات في عدة بيئات (رطوبة، ارتفاع، حرارة) وفي ملاعب الدول المضيفة. لضمان أنها تعمل بشكل متساوٍ في جميع الملاعب.
هل هناك مخاطر لتعطّل التكنولوجيا أثناء البطولة؟
نعم، قد تواجه مشاكل في دقة المستشعر، التداخل الإلكتروني، أو القرصنة، أو فقدان التوازن — لذا يجب وجود خطط بديلة وإشراف بشري دائم.



