في لحظة مشحونة إقليميًا، شنت إسرائيل هجومًا جويًا غير مسبوق في قلب العاصمة القطرية الدوحة، مستهدفة مقرات يُعتقد أنها تضم قيادات من حركة حماس. الحدث أثار صدمة واسعة، ليس فقط بسبب اختراق السيادة القطرية، بل بسبب التناقض الحاد بين تصريحات واشنطن ونفي الدوحة. فبينما أكدت الإدارة الأميركية أنها أُخطرت مسبقًا بالعملية وأبلغت قطر بها، نفت الخارجية القطرية ذلك بشكل قاطع، مؤكدة أن الاتصال الأميركي جاء بعد بدء الانفجارات مباشرة. هذا التضارب يضعنا أمام مشهد معقد من الألعاب السياسية والمصالح المتشابكة.
الرواية الأميركية: إشعار مسبق لتجنّب الحرج
صرح البيت الأبيض بأن الإدارة الأميركية تلقت بلاغًا مسبقًا من إسرائيل حول نيتها استهداف قيادات حماس في الدوحة. وبحسب المسؤولين الأميركيين، تم تكليف مبعوث خاص لتحذير قطر قبل وقوع الضربة. الهدف من هذا الطرح مزدوج:
- إظهار أن واشنطن لم تكن “مفاجَأة” بالهجوم.
- إثبات أن إسرائيل ما زالت على تنسيق وثيق مع حليفها الاستراتيجي، رغم التباينات الأخيرة.
لكن هذه الرواية تحمل أيضًا بعدًا سياسيًا داخليًا، إذ يُراد منها امتصاص أي انتقادات في واشنطن تتهم الإدارة بالتقصير أو فقدان السيطرة على حليفها الأقرب في الشرق الأوسط.
الرواية القطرية: لم نتلقَّ أي إنذار
على الجانب الآخر، جاء رد الخارجية القطرية حاسمًا. فقد أكد المتحدث ماجد الأنصاري أن الاتصال الأميركي لم يكن تحذيرًا مسبقًا، بل جرى خلال سماع أصوات الانفجارات التي هزت العاصمة. وبذلك، تظهر قطر نفسها كضحية مزدوجة:
- اعتداء على السيادة من قبل إسرائيل.
- خذلان دبلوماسي من قبل الولايات المتحدة التي لم توفر أي حماية أو إبلاغ حقيقي.
هذا الموقف يعزز من خطاب قطر القائم على الدفاع عن شرعية دورها كوسيط محايد في النزاعات الإقليمية.
ما يتم تداوله من تصريحات حول أنه تم إبلاغ دولة قطر بالهجوم مسبقاً عارية عن الصحة، الاتصال الذي ورد من قبل أحد المسؤولين الأمريكين جاء خلال سماع دوي صوت الانفجارات الناتجة عن الهجوم الإسرائيلي في الدوحة.
— د. ماجد محمد الأنصاري Dr. Majed Al Ansari (@majedalansari) September 9, 2025
لعبة سياسية مزدوجة
عند النظر بعمق، يبدو واضحًا أن ما حدث هو جزء من لعبة سياسية مركّبة:
- إسرائيل: أرادت أن تبعث برسالة واضحة مفادها أن قيادات حماس ليست في مأمن حتى خارج حدود غزة، وأنها قادرة على الوصول إلى أهدافها أينما كانت. هذا التصعيد يعكس رغبة تل أبيب في فرض معادلة جديدة، مفادها أن “لا ملاذ آمن” لخصومها.
- الولايات المتحدة: لم ترغب في الظهور كطرف متواطئ، وفي الوقت ذاته لا تريد أن تبدو وكأنها فقدت السيطرة على حليفتها إسرائيل. لذلك تبنّت خطابًا متذبذبًا: تعلن أنها أُخطرت مسبقًا لتظهر على تماس وثيق مع تل أبيب، لكنها تترك الباب مفتوحًا أمام قطر لتشعر أنها ليست متروكة بالكامل.
التبريرات المتوقعة
- تبرير إسرائيل: من المتوقع أن تضع الهجوم تحت مظلة “الدفاع عن النفس” و”مكافحة الإرهاب”، معتبرة أن وجود قيادات حماس في الدوحة يشكل تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي.
- تبرير الولايات المتحدة: ستواصل استخدام خطاب مزدوج:
- داخليًا: التأكيد أنها أُخطرت مسبقًا وأنها لم تشارك، لتجنب الانتقادات من الكونغرس واللوبيات المؤيدة لإسرائيل.
- خارجيًا: الترويج لفكرة أنها لم تعطَ الضوء الأخضر للهجوم، وأنها ما زالت تسعى للاحتواء والتهدئة للحفاظ على علاقاتها الاستراتيجية مع قطر.
بعبارة أخرى، تحاول واشنطن أن تُبقي قدمًا في كل معسكر: لا تخسر قطر كوسيط أساسي في ملف التفاوض مع حماس، ولا تضعف علاقتها الخاصة مع إسرائيل.
التداعيات الإقليمية والدبلوماسية
هذا التناقض بين التصريحات سيترك أثرًا واضحًا على عدة مستويات:
- مستقبل الوساطة القطرية: الهجوم قد يضعف دور الدوحة كوسيط رئيسي في ملف غزة وتبادل الأسرى.
- الثقة بين واشنطن والدوحة: النفي القطري العلني يزيد من احتمالية التوتر، وربما يفتح نقاشًا أوسع حول حدود الاعتماد على الولايات المتحدة كضامن أمني.
- الشرخ الدبلوماسي الدولي: ازدواجية المواقف قد تُستغل من قِبل أطراف أخرى — مثل تركيا وإيران — لتعزيز خطابها ضد “النفاق الأميركي” في المنطقة.
الهجوم الإسرائيلي على الدوحة لم يكن مجرد ضربة عسكرية، بل كان اختبارًا دبلوماسيًا كشف التباينات بين الحلفاء. التناقض بين التصريح الأميركي والنفي القطري يعكس بوضوح طبيعة اللعبة السياسية الدائرة: إسرائيل تفرض وقائع على الأرض، والولايات المتحدة تحاول الموازنة بين إرضاء حليفها وإبقاء قنواتها الدبلوماسية مع قطر مفتوحة. النتيجة النهائية: اهتزاز الثقة، وتصعيد يزيد من هشاشة أي مساعٍ للسلام في المنطقة.
المصدر:
- وكالة رويترز
- واشنطن بوست
- الجزيرة
- Metalsy — تحليل وتحرير