بين الاقتصاد والسياسة
لم يأتِ قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بإلغاء لقائه المرتقب مع نظيره الصيني شي جين بينغ من فراغ. فبعد أسابيع من مفاوضات هدفت إلى تهدئة التوترات بين البلدين، جاءت خطوة الصين الأخيرة لتشعل فتيل الخلاف مجددًا، وتفتح جبهة جديدة في الحرب التجارية التي أصبحت تمسّ مستقبل التكنولوجيا العالمية.
بكين تضرب في العمق الصناعي الأمريكي
فاجأت الصين واشنطن بإعلانها توسيع القيود على تصدير المعادن النادرة، وهي عناصر أساسية لصناعة رقائق الذكاء الاصطناعي والسيارات الكهربائية وتوربينات الرياح والأنظمة العسكرية.
القرار الجديد يشترط حصول أي شركة — داخل الصين أو خارجها — على إذن رسمي من الحكومة الصينية لتصدير المنتجات التي تحتوي على هذه المعادن بنسبة تتجاوز 0.1%.
كما حظرت بكين تصدير بعض المواد للاستخدام العسكري، وفرضت رسومًا إضافية على السفن الأميركية، وفتحت تحقيقًا ضد شركة “كوالكوم” بتهمة مكافحة الاحتكار، ما زاد التوتر الاقتصادي والسياسي مع واشنطن.
ترامب يرد بالتصعيد
في المقابل، أعلن ترامب إعادة فرض الرسوم الجمركية بنسبة 100% على الواردات الصينية، معتبرًا الخطوة الصينية “عدائية” وموجهة ضد الاقتصاد الأميركي.
وكتب على منصة “إكس”:
“الصين تحاول خنق الأسواق العالمية من خلال السيطرة على المواد الخام الضرورية لصناعاتنا.”
كما ألغى اللقاء المقرر مع شي في منتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ (APEC)، ما خيّب آمال المستثمرين الذين كانوا يعوّلون على تقارب جديد بين القوتين الاقتصاديتين الأكبر في العالم.
ما أهمية هذه المعادن؟
تُعدّ المعادن النادرة بمثابة “نفط المستقبل”، إذ تدخل في تصنيع كل ما يتعلق بالتكنولوجيا الحديثة — من الهواتف الذكية إلى أنظمة التوجيه الصاروخي.
أبرز هذه المعادن هو الديسبروسيوم، الذي لا يمكن تشغيل محركات السيارات الكهربائية أو توربينات الرياح من دونه. وبذلك، أصبحت الصين تمتلك ورقة ضغط عالمية، فهي تتحكم بأكثر من 80% من إنتاج هذه العناصر في العالم.
التأثيرات المحتملة على الاقتصاد العالمي
إجراءات بكين قد تؤدي إلى:
- ارتفاع أسعار المعادن النادرة عالميًا.
- اضطراب سلاسل توريد شركات كبرى مثل “إنفيديا” و”فورد” و”بوينغ”.
- بحث الولايات المتحدة عن بدائل من أستراليا وكندا.
- زيادة سباق الاستقلال الصناعي وتقليل الاعتماد على الصين.
لكن رغم هذه المحاولات، تبقى هيمنة الصين على السوق شبه مطلقة، خاصة أن تطوير منشآت استخراج جديدة يحتاج إلى سنوات طويلة واستثمارات ضخمة.
تأثير الأزمة على مستقبل الذكاء الاصطناعي وصناعة الرقائق
أزمة المعادن النادرة لا تمسّ التجارة فقط، بل تهدد مستقبل الثورة التقنية التي يعتمد عليها العالم اليوم. فصناعة رقائق الذكاء الاصطناعي، التي تمثل قلب التطور التكنولوجي في مجالات التعليم والطب والطاقة والدفاع، تحتاج إلى معادن مثل الديسبروسيوم والنيوديميوم لضمان أداء المعالجات عالية الكفاءة.
وإذا استمرت القيود الصينية، فإن شركات مثل إنفيديا وإنتل وتسلا قد تواجه تراجعًا في الإنتاج أو ارتفاعًا كبيرًا في الأسعار، ما قد يؤدي إلى تباطؤ انتشار تقنيات الذكاء الاصطناعي عالميًا.
كما أن الدول الغربية ستضطر لتسريع مشاريعها لاستخراج المعادن النادرة محليًا، في أستراليا أو أفريقيا، لتقليل الاعتماد على بكين.
بعبارة أخرى، لم تعد الحرب التجارية بين الصين وأمريكا مجرد صراع اقتصادي، بل أصبحت سباقًا على قيادة المستقبل التكنولوجي، حيث من يسيطر على المعادن النادرة، قد يحدد من يسيطر على الذكاء الاصطناعي ذاته.
قراءة مستقبلية
الصراع لم يعد مجرد حرب رسوم، بل صراع على مفاتيح التكنولوجيا في القرن الحادي والعشرين. وإذا استمر التصعيد، فقد نشهد ما يسميه الاقتصاديون “تفكك العولمة”، حيث تسعى الدول الكبرى لتأمين مواردها الحيوية محليًا. ومع تزايد الطلب على الذكاء الاصطناعي والسيارات الكهربائية، يبدو أن المعادن النادرة ستكون سلاح المستقبل في الصراعات الاقتصادية القادمة.
قسم الأسئلة الشائعة
ما هي المعادن النادرة التي تهيمن الصين على إنتاجها؟
لماذا ألغى ترامب لقاءه مع شي جين بينغ؟
ما تأثير القيود الصينية على الشركات الأميركية؟
هل يمكن للولايات المتحدة الاستغناء عن الصين في هذه الموارد؟
ما مستقبل الحرب التجارية بين البلدين؟
المصدر:
العربية – وول ستريت جورنال – X (حساب ترامب الرسمي)