أنهار المريخ المفقودة: اكتشاف شبكة مائية هائلة في أرض نوح يغيّر فهمنا للكوكب الأحمر

أعلن فريقٌ دولي من الباحثين عن اكتشاف أنهار المريخ المفقودة الممتدّة لمسافة تُقدَّر بنحو 16 ألف كيلومتر داخل إقليم أرض نوح. نتيجة لذلك، تغيّرت النظرة السائدة لمناخ الكوكب الأحمر تغيّرًا جذريًّا، إذ تشير هذه الشبكة الهيدروجيولوجية إلى أنّ المريخ كان – على عكس حالته الجافة اليوم – عالمًا رطبًا، غزير الأمطار أو الثلوج، طوال حقبةٍ طويلةٍ قبل أكثر من 3 مليارات عام.

أرض نوح: سجلٌّ جيولوجي شاهد على الماضي المائي

منطقة أرض نوح من أقدم مناطق السطح المريخي، إذ تعود تضاريسها المُثقّبة بالفوّهات إلى العصور الأولى للكوكب. هكذا، ورغم توقّعات النماذج المناخية السابقة بهطول أمطار غزيرة هناك، ظلَّ غياب دلائل مائية واضحة لغزًا مُحيّرًا. حاليًّا، ومع توفّر خوارزميات معالجة صورٍ أكثر تطوّرًا، تمّ التعرف على قنواتٍ نهريةٍ متحجّرة يصل بعضها إلى 160 كيلومترًا طولًا بينما يتشعّب بعضها الآخر على هيئة شبكاتٍ متداخلة. نتيجةً لذلك، يُسدّ فجوةً معرفيةً طال أمدها.

كيف تكوَّنت القنوات المتحجّرة؟

بينما واصلت الرياح والأمطار النيزكية نحت سطح المريخ، أدّت الترسيبات النهرية القديمة إلى نشوء ما يُعرَف بـ«النتوءات النهرية الملتوية». علاوة على ذلك، صارت تلك الرسوبيات أكثر صلابة من الصخور المحيطة، ولذلك ارتفعت بمرور الزمن على هيئة أشرطةٍ متعرّجةٍ تعلو التضاريس. بعض هذه الأشرطة يتجاوز عرضه كيلومترًا ونصفًا، ما يُشير – من ناحية أخرى – إلى تدفّقاتٍ مائيةٍ غزيرةٍ ومستمرّة.

نوافذ على الديناميكا الهيدرولوجية القديمة

على سبيل المثال، تُظهر إحدى الصور نهرين قديمين يصبّان في فوّهةٍ بركانية ضخمة، حيث انحبس الماء وشكّل بحيرةً مؤقّتة قبل أن تفيض وتتابع مسارها. كذلك، تكشف هذه المشاهد عن نظامٍ مائي متكامل يشبه أحواض الأنهار الأرضية: مجاري تصريف، وبحيرات داخلية، ومناطق فيضانات. إنّ هذا السيناريو، بلا شك، يؤكد استمرارية دورةٍ مائيةٍ نشطةٍ تشمل الهطول والتبخّر وإعادة التدوير لفترةٍ زمنيّةٍ طويلةٍ نسبيًّا.

تداعيات مناخية وحياتية عميقة

إضافةً إلى ذلك، يقترح الباحثون أنّ وجود أنهار المريخ المفقودة بهذا الامتداد يشير إلى غلافٍ جويٍّ أكثر كثافةً وقدرةٍ على الاحتفاظ بالحرارة. لذلك، يرتفع احتمال توفّر بيئاتٍ صالحةٍ لنشوء الحياة الميكروبية. خصوصًا أنّ المياه السطحية والقنوات الرطبة هي من أهم الشروط الأساسية لظهور الكائنات الحيّة. كما أنّ هذا الاكتشاف يدعم فرضيّة الفقدان التدريجي لمياه المريخ، بدلًا من حدوث كارثةٍ مفاجئةٍ أزالت الغلاف المائي دفعةً واحدة.

ماذا بعد؟

بناءً على ما سبق، تستعدّ بعثات «أوريجين» و«إكسو مارس» المستقبلية لاختيار مواقع هبوطٍ قريبةٍ من شبكات الأنهار القديمة على المريخ، بهدف حفر عيناتٍ أساسية وتحليل التركيب الكيميائي للرواسب. من هنا، قد يجد العلماء بصماتٍ عضوية دقيقة أو رواسبَ معدنية دالّة على نشاطٍ حيوي قديم. علاوة على ذلك، إذا كان هناك خزّاناتٍ جوفيةٍ من المياه المجمّدة، فيسهل خطط الاستيطان البشري بتوفير مصدرٍ للماء والأكسجين والوقود.

في النهاية، تؤكّد أنهار المريخ المفقودة أنّ التاريخ المناخي للكوكب الأحمر أكثر تعقيدًا ممّا ظننّا. فإنّ دراسة المريخ لا تعني فقط فهم كوكبٍ بعيد، بل تعني أيضًا إعادة النظر في تطوّر الكواكب الصخرية – ومنها الأرض – وفهم الآليات التي تجعل بعضها واحاتٍ للحياة وبعضها صحارى متجمّدة.

الأسئلة الشائعة (FAQs)

1. ما هي أنهار المريخ المفقودة؟
   هي شبكة من المجاري المائية القديمة المتحجرة على سطح المريخ، اكتُشفت في منطقة “أرض نوح”، وتعود لأكثر من 3 مليارات سنة.
2. أين تقع أرض نوح على سطح المريخ؟
   أرض نوح (Noachis Terra) تقع في الجزء الجنوبي المرتفع من المريخ وتُعد من أقدم مناطق الكوكب من حيث التركيب الجيولوجي.
3. ما الذي يميز هذه القنوات النهرية المكتشفة؟
   تمتد لمسافة 16,000 كم، وتضم نتوءات نهرية ملتوية بعرض يزيد عن 1.5 كم، ما يدل على تدفّقات مائية غزيرة ومستمرة.
4. هل تشير هذه الاكتشافات إلى وجود حياة على المريخ؟
   لا تؤكد وجود حياة، لكنها تشير إلى بيئة كانت ملائمة للحياة الميكروبية بسبب وجود مياه سطحية مستقرة لفترات طويلة.
5. كيف تؤثر هذه الاكتشافات على مستقبل استكشاف المريخ؟
   تفتح آفاقًا جديدة للبحث عن آثار حياة قديمة، كما قد تساعد في تحديد مواقع مناسبة لهبوط البعثات واستيطان البشر مستقبلًا.

المصادر

• The Guardian – Science Desk.
• Phys.org – Research Highlights.
• Royal Astronomical Society – Press Release.
• EurekAlert – University of Glasgow.
• Business Today – Science & Tech.