إعلان

في زمنٍ أصبحت فيه الحقيقة سلعة نادرة، لا يكاد يمرّ يوم دون أن نشاهد على شاشات هواتفنا مقطع فيديو “مدهشًا” يتحدث عن طفل بنى مستشفى، أو شاب اشترى عشرين سيارة فاخرة لشعبه، أو فتاة أصبحت مليارديرة بفضل نغمةٍ موسيقية. تبدو القصة جميلة ومُلهمة، لكنها في الواقع لا تتجاوز كونها مزيجًا من الوهم والإبهار.

الحقيقة وسط زحام الأكاذيب

حين نحلل هذه المقاطع المنتشرة على تيك توك أو إنستغرام أو يوتيوب، نجد أن كثيرًا منها يحتوي على نواة صغيرة من الحقيقة، لكن تُغلف بـ 50 إلى 70 بالمئة من المبالغة أو المعلومات المضللة.

ربما يكون الشخص في المقطع موجودًا فعلًا، وربما حقق إنجازًا بسيطًا، لكن صناع المحتوى يضخمون القصة حتى تصبح “أسطورة رقمية”.

أحد الأمثلة الشائعة هو شخصية تُدعى “تنغي تنغي” التي يُقال إنه “أهدى 18 لامبورغيني لقريته” و“بنَى ستة مستشفيات في عمر 15 سنة”. في الواقع لا وجود لمثل هذا الشخص في أي مصدر موثوق، لكنها قصة انتشرت بشكل عجيب، وشاهدها ملايين الناس دون أن يسألوا: هل هذا حقيقي؟

مقطع منتشر على اليوتيوب يحتوي على معلومات مضللة جزئيًا — يُستخدم هنا كمثال لدراسة الظاهرة.

الواقع بالأرقام

وفقًا لدراسة أجرتها جامعة ستانفورد عام 2024 حول سلوك المراهقين تجاه الأخبار الرقمية:

إعلان
  • 82% من المراهقين لا يستطيعون التمييز بين الخبر الحقيقي والمحتوى الدعائي أو الزائف.
  • 68% يصدقون المعلومات المصوّرة أكثر من النصوص، حتى دون مصدر واضح.
  • بينما أظهرت تقارير “ريترز للصحافة الرقمية” أن أكثر من 60% من المقاطع الأكثر انتشارًا على تيك توك تحتوي على معلومات مضللة جزئيًا.

هذه الأرقام تكشف أزمة عميقة:

لم تعد الأكاذيب تحتاج إلى أن تُكتب.. يكفي أن تُصوّر.

الحافز الاقتصادي وراء الفوضى

قد يتساءل البعض:
إذا كانت المنصات تعرف أن هذه الفيديوهات كاذبة، فلماذا لا توقفها؟

الجواب بسيط ومؤلم: المال.
كلما كان الفيديو صادمًا أو غريبًا، زادت نسبة المشاهدة، وزادت معها أرباح الإعلانات.

خوارزميات تيك توك وإنستغرام ويوتيوب صُممت لتكافئ المحتوى “الذي يُبقيك أطول وقت ممكن”، وليس المحتوى “الأكثر صدقًا”. ولهذا، نجد هذه المقاطع تتصدر صفحات “لك” و“Trending” حتى لو كانت مليئة بالأكاذيب، لأن النظام نفسه يعتبرها ناجحة تجاريًا.

بل إن بعض المنصات بدأت تدمج الذكاء الاصطناعي التوليدي لصناعة مقاطع مماثلة بسرعة أكبر — مما يعني أن التضليل أصبح الآن شبه مؤتمت.

التأثير على الأجيال

الضرر الأكبر يصيب الأطفال والمراهقين. فعندما يشاهد طفل عمره 10 أو 15 سنة قصة “ملياردير عمره 14 عامًا”، يبدأ في تكوين صورة مشوهة عن النجاح والثروة والجهد.

بدل أن يتعلم قيمة العمل والصبر، يظن أن الشهرة السريعة هي طريق المجد.
وهكذا تتشكل أجيال تبحث عن الضوء لا الحقيقة.

ما الذي يمكن فعله؟

  1. تفعيل أدوات الذكاء الاصطناعي للتحقق من الحقائق قبل عرض الفيديوهات على نطاق واسع.
  2. فرض شفافية على المنصات: عندما يُكتشف أن مقطعًا مضلل، يجب أن تُظهر المنصة تنبيهًا واضحًا للمستخدم.
  3. تعليم التفكير النقدي في المدارس ليعرف الجيل الجديد كيف يفرّق بين الحقيقة والدعاية.
  4. تشجيع المستخدمين على الإبلاغ عن المقاطع الزائفة بدل مشاركتها بدافع الترفيه.

لكن رغم كل هذه الحلول، يبقى السؤال المؤلم:
هل فعلاً نريد الحقيقة؟ أم أننا أصبحنا مدمنين على الأكاذيب الجميلة؟

يبدو أن العالم يذهب إلى الخراب في هذه الدوامة التي تسحبنا إلى الأسفل،
وإن لم نتحرك الآن لإيقاف هذه المهزلة، فعلى الدنيا السلام.

Metalsy

شاركها.

منصة شاملة تقدم محتوى متنوعًا يجمع بين الأخبار الحديثة والمدونات التحليلية، بالإضافة إلى إحصائيات دقيقة، واختبارات تفاعلية، ومقاطع فيديو مبتكرة.

إعلان
Subscribe
Notify of
2 Comments
Oldest
Newest Most Voted
تعليقات داخلية
عرض كل التعليقات
Anonymous
1 day ago

كان من زمان في ام زكي هي يلي تنقل الاخبار بالحارة وترش عليهم ملح وتبهر الخبر وتساوي من الحبة قبة بس مشان تكسب قرص كبة من هون ولا غدا من هون هلق عم يكسبوا بلاوي بدك ياهم ما يبهروا الخبر 😂

إعلان
wpDiscuz
2
0
حابين نسمع رأيك، اترك تعليقك.x
()
x
Exit mobile version