معركة يوتيوب والذكاء الاصطناعي على المحتوى
إن الحديث عن يوتيوب والذكاء الاصطناعي في عالم تتسارع فيه وتيرة التطور التكنولوجي اصبح محور اهتمام كبير. خاصة فيما يتعلق بحقوق ملكية المحتوى. مؤخرًا، اشتعل جدل واسع النطاق بعد انتقادات لاذعة وجهها يوتيوبر شهير ضد منصة يوتيوب. متهمًا إياها باستغلال محتوى المبدعين لتدريب برامج الذكاء الاصطناعي دون دفع أي تعويض مادي. هذا الاتهام يفتح الباب أمام تساؤلات مهمة حول مستقبل صناعة المحتوى الرقمي، ومدى قدرة المنصات العملاقة على الموازنة بين الابتكار والحفاظ على ثقة صانعي المحتوى.
انتقاد صريح: ستيفن بارتليت يُحذّر يوتيوب
أثار ستيفن بارتليت، وهو أحد أشهر مقدمي البودكاست على يوتيوب من خلال برنامجه الشهير “The Diary of a CEO”، عاصفة من الجدل بتصريحاته الأخيرة. بارتليت لم يكتشف أن محتواه يُستخدم لتدريب الذكاء الاصطناعي إلا بعد أن تواصلت معه صحيفة “ذا تايمز” الأمريكية. وقد حذر بارتليت شركة غوغل، المالكة ليوتيوب، من أنها تُخاطر بـ”تفريغ” المنصة من جوهرها إذا فقدت ثقة المبدعين الذين يمثلون أساس قيمتها.
بارتليت، الذي يتابع قناته أكثر من عشرة ملايين مشترك ويُعد برنامجه من الأسرع نموًا بإضافة ما بين 300 ألف و500 ألف مشترك شهريًا. يرى أن هناك فجوة متزايدة بين المكاسب الهائلة التي يمكن أن يحققها الذكاء الاصطناعي والعائد الضئيل الذي يحصل عليه معظم المبدعين مقابل البيانات التي تغذي هذه النماذج. على سبيل المثال، قد تستخدم نماذج الذكاء الاصطناعي كميات هائلة من البيانات من فيديوهات بارتليت لتعلم كيفية صياغة الحوارات، أو تحليل تعابير الوجه، أو حتى تقليد أسلوب التقديم، وكل ذلك دون أن يحصل بارتليت على أي مقابل مباشر. هذه الفجوة، وفقًا لبارتليت، “تُهدد بتفريغ النظام البيئي الذي يمنح المنصة قيمتها. وهذا الخطر لا يهدد المبدعين فقط، بل يهدد YouTube نفسها.”
رد يوتيوب: هل كانت الشفافية كافية؟
ردت يوتيوب على هذه الانتقادات موضحة أنها كانت “شفافة” بشأن استخدام محتوى المبدعين في الذكاء الاصطناعي. واستشهدت المنصة بمنشور في مدونتها يعود إلى سبتمبر الماضي، جاء فيه: “نستخدم المحتوى الذي يُرفع على يوتيوب لتحسين تجربة المنتج لكل من المبدعين والمشاهدين على YouTube وGoogle، بما في ذلك من خلال تطبيقات تعلم الآلة والذكاء الاصطناعي. نقوم بذلك بما يتماشى مع الشروط التي يوافق عليها المبدعون.”
ومع ذلك، يرى العديد من المبدعين أن هذه الشفافية لم تكن كافية. فمعظمهم، كما أشار دان نيلي الرئيس التنفيذي لشركة Vermillio، “لا يعرفون أصلاً أن هذا يحدث.” هذا يطرح تساؤلاً جوهريًا: هل يعتبر تضمين فقرة ضمن شروط الخدمة المعقدة والمتشعبة بمثابة شفافية حقيقية. أم أن الأمر يتطلب إفصاحًا أوضح وأكثر بروزًا للمبدعين؟ على سبيل المثال، هل يجب على يوتيوب أن تُنشئ لوحة تحكم خاصة توضح للمبدعين كيف يُستخدم محتواهم لأغراض الذكاء الاصطناعي. أو أن تقدم خيارًا صريحًا للموافقة أو الرفض؟
دليل ملموس: دور Vermillio في كشف الحقائق
لتأكيد هذه المخاوف، دخلت شركة Vermillio على الخط. هذه الشركة الناشئة متخصصة في تعقب استخدام محتوى المبدعين في مخرجات الذكاء الاصطناعي. وقد كشفت Vermillio مؤخرًا عن استخدام مواد نشرها اليوتيوبر الأسترالي الشهير برودي موس. الذي يوثق مغامراته البحرية ورحلات الصيد على قناة “YBS Youngbloods”.
استخدمت Vermillio تقنيتها المسماة TraceID لإثبات أن مواد موس ظهرت في فيديو تم إنشاؤه باستخدام أداة Veo 3. تُعد Veo 3 أداة قوية قادرة على إنتاج فيديوهات فائقة الواقعية من مجرد أوامر نصية بسيطة. هذا الاكتشاف يُعزز من حجة المبدعين بأن محتواهم يُستخدم بشكل مباشر لتغذية وتطوير أدوات الذكاء الاصطناعي المتطورة، مما يبرر مطالبتهم بحصة عادلة. على سبيل المثال، قد تكون Veo 3 قد حللت آلاف الساعات من فيديوهات برودي موس لتعلم كيفية محاكاة حركة الأمواج، أو انعكاس ضوء الشمس على الماء، أو حتى طريقة سرد القصص لمغامرات الصيد، ومن ثم تستخدم هذه المعرفة لإنتاج محتوى جديد.
دعوات للحوار: نحو قيمة عادلة للمبدعين
في خضم هذا الجدل، دعا بارتليت إلى “حوار بنّاء يضمن قيمة عادلة للمبدعين ومالكي المحتوى، مع الاستمرار في السماح ليوتيوب وغيره من المنصات بالابتكار”. هذا الحوار ضروري لتجنب سيناريو “تفريغ” يوتيوب من محتواها الأصلي والمبتكر. يمكن أن يشمل هذا الحوار:
- نماذج تعويض جديدة: استكشاف آليات لدفع مقابل للمبدعين عن استخدام محتواهم في تدريب الذكاء الاصطناعي، ربما كنسبة مئوية من الأرباح الناتجة عن المنتجات المدعومة بالذكاء الاصطناعي.
- عقود واضحة ومفصلة: صياغة شروط خدمة أكثر وضوحًا تتناول بشكل صريح استخدام المحتوى لأغراض الذكاء الاصطناعي، وتُتيح للمبدعين خيارات واضحة للموافقة أو الرفض.
- أدوات تحكم للمبدعين: تزويد المبدعين بأدوات تمنحهم تحكمًا أكبر في كيفية استخدام محتواهم، وما إذا كانوا يرغبون في السماح باستخدامه لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي أم لا.
- الاعتراف والتقدير: توفير آليات للاعتراف بالمبدعين الذين يُساهم محتواهم في تطوير الذكاء الاصطناعي، ربما من خلال ذكرهم أو الإشارة إليهم.
مستقبل يوتيوب والذكاء الاصطناعي
إن العلاقة بين يوتيوب والذكاء الاصطناعي تتطور باستمرار، وهذا الجدل حول استغلال المحتوى يُمثل نقطة تحول حاسمة. على يوتيوب، بصفتها إحدى أكبر المنصات الرقمية في العالم، أن تتعامل مع هذه القضية بحكمة وشفافية لضمان استمرار ثقة المبدعين. فالابتكار المستمر في مجال الذكاء الاصطناعي يجب ألا يأتي على حساب حقوق وتقدير صانعي المحتوى الذين هم جوهر المنصة. كيف ستوازن يوتيوب بين طموحاتها التكنولوجية والحفاظ على نظام بيئي صحي للمبدعين؟ الأيام القادمة ستكشف لنا الإجابة.
المصدر: The Times، Vermillio.
الأسئلة المتداولة حول يوتيوب والذكاء الاصطناعي
هل تستخدم يوتيوب محتوى المبدعين لتدريب الذكاء الاصطناعي؟
نعم، تُقر يوتيوب بأنها تستخدم المحتوى الذي يُرفع على المنصة لتحسين منتجاتها وخدماتها، بما في ذلك من خلال تطبيقات تعلم الآلة والذكاء الاصطناعي، وفقًا لشروط الخدمة التي يوافق عليها المبدعون.
من هو ستيفن بارتليت وما هي انتقاداته ليوتيوب؟
ستيفن بارتليت هو مقدم بودكاست شهير “The Diary of a CEO” على يوتيوب. انتقد يوتيوب لاستغلالها محتوى المبدعين في تدريب برامج الذكاء الاصطناعي دون تعويض مالي، محذرًا من أن ذلك يُهدد بفقدان ثقة المبدعين وجوهر المنصة.
ما هي شركة Vermillio وما دورها في هذا الجدل؟
Vermillio هي شركة ناشئة متخصصة في تعقب استخدام محتوى المبدعين في مخرجات الذكاء الاصطناعي. كشفت الشركة عن استخدام مواد اليوتيوبر برودي موس (قناة YBS Youngbloods) في فيديو تم إنشاؤه باستخدام أداة الذكاء الاصطناعي Veo 3، مما يُقدم دليلًا ملموسًا على استخدام محتوى المبدعين.
ما هي Veo 3 وما علاقتها باستخدام محتوى المبدعين؟
Veo 3 هي أداة ذكاء اصطناعي قادرة على إنتاج فيديوهات فائقة الواقعية من مجرد أوامر نصية. تُستخدم محتويات المبدعين، مثل فيديوهات برودي موس، لتدريب نماذج مثل Veo 3 لتمكينها من إنتاج محتوى واقعي ومقنع.
هل تدفع يوتيوب للمبدعين مقابل استخدام محتواهم في تدريب الذكاء الاصطناعي؟
لا تُقدم يوتيوب حاليًا تعويضًا مباشرًا للمبدعين مقابل استخدام محتواهم لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي. هذه هي النقطة الرئيسية للخلاف التي أثارها ستيفن بارتليت وغيره من المبدعين، داعين إلى حوار حول قيمة عادلة.