إعلان

مقبرة تحتمس الثاني: البداية المذهلة لاكتشاف مفاجئ

مقبرة تحتمس الثاني، التي ظلت مختفية قرونًا طويلة، أصبحت حديث العالم بعد إعلان وزارة السياحة والآثار المصرية اكتشافها في الأقصر. منذ لحظة الكشف، جذب هذا الحدث اهتمامًا محليًا ودوليًا واسعًا، لا سيّما أنها المرة الأولى التي يُعثر فيها على مقبرة ملكية جديدة منذ اكتشاف مقبرة الفرعون الذهبي توت عنخ آمون عام 1922. ويؤكد الباحثون أنّ هذه الخطوة قد تعيد تشكيل فهمنا لتاريخ المملكة المصرية القديمة، خاصة فترة حكم الأسرة الثامنة عشرة الغنية بالأسرار والصراعات.

اكتشاف غير متوقع في الأقصر

في البداية، خُيّل للخبراء أنّ المقبرة المكتشفة تعود لإحدى الزوجات الملكيات أو الأميرات من عصر الأسرة الثامنة عشرة، لكن المفاجأة الكبرى كانت عندما أكدت الفحوص الأثرية أنها تعود للملك تحتمس الثاني نفسه. عُثر على المقبرة في الوادي الغربي بمدينة طيبة بالقرب من الأقصر، وهي منطقة مخصّصة تقليديًا لدفن الملكات. وسرعان ما اتضح أن لعالم الآثار دائمًا مفاجآت حبسها التاريخ طويلاً، وأن الأقصر ما زالت تخفي الكثير من الأسرار الفرعونية التي لم تُكتشف بعد.

عالم الآثار البريطاني هوارد كارتر هو أول من كشف أسرار مقبرة توت عنخ آمون في 16 فبراير/شباط 1923م

أهمية تاريخية تفوق التوقعات

توالت الاكتشافات الأثرية في مصر بشكل ملفت خلال العقود الأخيرة، لكن مقبرة تحتمس الثاني شكلت نقطة تحول مهمّة. إذ صرّح علماء المصريات بأنّ كل اكتشاف جديد يثير مزيدًا من الأسئلة ويفتح أبوابًا جديدة للبحث في أزمنة ماضية. ومع أن العديد من المقابر قد اكتُشفت في الأقصر وطيبة، فإن ما توصل إليه الفريق المصري البريطاني المشترك أضاف طبقة جديدة من الغموض حول تاريخ الأسرة الثامنة عشرة، خاصةً أن الفرعون المكتشف لم يكن معروفًا بكثير من التفاصيل مسبقًا.

مقبرة تحتمس الثاني في عين العاصفة الإعلامية

اهتمت الصحف والمواقع البريطانية – وعلى غير عادتها مؤخرًا – بهذا الكشف. ربما يعود ذلك إلى ارتباط الذاكرة البريطانية باكتشافات فرعونية سابقة. مثل اكتشاف مقبرة توت عنخ آمون على يد عالم الآثار البريطاني هوارد كارتر عام 1922. هذه المقبرة الجديدة جمعت عناصر جذب عديدة: ملك مفقود، وتاريخ غامض، وصعوبة الوصول إلى المقبرة بسبب الانهيارات الناجمة عن الفيضانات. فقد اضطر فريق التنقيب للزحف في ممر ضيق يبلغ طوله عشرة أمتار، قبل أن يصلوا إلى غرفة الدفن التي كانت مليئة بأنقاضٍ تراكمت على مدى قرون.

تفاصيل المقبرة وكنوزها المنقولة

أشارت الدراسات الأولية إلى أنّ المقبرة كانت قد تعرّضت للسيول shortly بعد وفاة الملك تحتمس الثاني، مما تسبّب في إتلاف محتوياتها وإغراقها بالطمي. ولهذا السبب، نُقلت أغلب القطع الجنائزية إلى موقعٍ آخر في زمنٍ مبكر من تاريخ مصر القديمة. يُرجَّح أن هذه العملية هدفت إلى الحفاظ على ما تبقى من مقتنيات الفرعون الراحل. ورغم أن غرفة الدفن بدت فارغة تقريبًا، فإن بقايا النقوش والعناصر الزخرفية باللون الأزرق المزيّنة بنجوم صفراء تبيّن لنا أنها مقبرة مخصصة بالكامل للملوك، وليست لأحد آخر.

إعلان
الملك تحتمس الأول أو “تحوتمس الأول” هو الفرعون الثالث من ملوك الأسرة 18

تحتمس الثاني: الملك الذي حاصرته الأقدار

صراع قصير على السلطة

ينتمي تحتمس الثاني إلى الأسرة الثامنة عشرة في مصر القديمة، وهي أسرة امتازت بالصراعات على النفوذ والتوسع العسكري. كان ابنًا للملك تحتمس الأول. لكنه واجه تحديات كبيرة بعد اعتلائه العرش. فلم يكن تحتمس الثاني يتمتع بصحة جيدة، وسرعان ما لجأت زوجته غير الشقيقة الملكة حتشبسوت إلى الحكم من وراء الستار، لتصبح هي الآمر الناهي في معظم شؤون الدولة.

إنجازات عسكرية في أوقات حرجة

رغم قصر مدة حكمه، كانت لتحتمس الثاني إنجازات عسكرية لافتة في النوبة وسوريا، حيث قضى على بعض حركات التمرد وأعاد السيطرة على مناجم النحاس في سيناء. كما ساهم في استكمال أعمال بناء في معبد الكرنك، إذ أقام البوابة الثامنة ونحت تمثالين أمامها، إضافة إلى بناء معبدٍ في شمال مدينة هابو بالأقصر أتمّه لاحقًا ابنه تحتمس الثالث.

وفاة مبكرة واختفاء للمقبرة

توفي تحتمس الثاني قبل سن الثلاثين، وعُثر على موميائه لاحقًا في مخبأ بالدير البحري. وبقي موضع مقبرته مجهولًا حتى الإعلان عن اكتشافها رسميًا عام 2022، على الرغم من تعرضها للفيضانات المتكررة بسبب موقعها الجغرافي. ونُقلت مومياؤه في العصور القديمة إلى مخبأ الدير البحري بهدف حمايتها من عبث اللصوص، وهي الآن في المتحف المصري بالقاهرة.

الملكة حتشبسوت: الحاكمة الفعلية للأسرة الثامنة عشرة

لا يمكن الحديث عن مقبرة تحتمس الثاني دون التطرق إلى الملكة حتشبسوت، التي لعبت دورًا محوريًا في فترة حكمه القصيرة. اشتهرت حتشبسوت بأنها أول امرأة فرعونية تتقلد مقاليد الحكم منفردة بعد وفاة زوجها وأخيها غير الشقيق. وبالرغم من الاعتراضات على حكم امرأة، استطاعت حتشبسوت إدارة مصر بقوة ودهاء لفترةٍ قاربت الـ22 عامًا، ورسخت صورتها كفرعون مُهاب حتى في النقوش الملكية والألقاب الإلهية.

النزاع على العرش وأثره في تاريخ مصر القديمة

شهدت الأسرة الثامنة عشرة تنافسًا حادًا على السلطة بين أكثر من طرف، بدءًا من التحامسة الأول والثاني ووصولًا إلى تحتمس الثالث وحتشبسوت. يعتقد بعض المؤرخين أن تحتمس الثالث قد تم تهميشه لسنوات خلال حكم حتشبسوت. وأنه حتى عند مشاركته في قيادة الحملات العسكرية، ظلّ تأثير الملكة قويًا في كواليس الحكم. هذا التداخل في السلطات هو ما منح حقبة الأسرة الثامنة عشرة طابعًا خاصًا في التاريخ المصري القديم، حيث برز عنصر الدهاء السياسي بجانب القوة العسكرية.

مصر القديمة لم تقل كلمتها الأخيرة

تبين لنا قصة مقبرة تحتمس الثاني أنّ آثار مصر لا تزال حافلة بالأسرار، وأن كل اكتشاف جديد يفتح بوابة فريدة على حقبة مبهرة من التاريخ. فرغم أن مقابر ملوك أقوياء مثل رمسيس الثاني وتوت عنخ آمون تجذب الأنظار عادة. فإن أسماءً كتحتمس الثاني تُعطينا لمحة أوضح عن واقع السلطة والصراع في دولة امتلكت من الحكمة والقوة ما يؤهلها لتصبح واحدة من أكبر الحضارات الإنسانية. ولا شك أن أعمال التنقيب والترميم الجارية ستواصل إماطة اللثام عمّا خبأته الرمال والفيضانات على مدى آلاف السنين، لتعيد للأذهان مدى عظمة مصر القديمة.


الخلاصة

إنّ مقبرة تحتمس الثاني تعدّ شاهداً حياً على تاريخٍ عامر بالأحداث والتحولات الدرامية في مصر الفرعونية. ورغم تعرضها للسيول وعمليات النقل في الماضي، فإن المعلومات المكتشفة حول تصميمها وديكوراتها تبرز قيمة الفرعون الذي لم ينل حظه الكامل من الشهرة. اليوم، يعكف الخبراء على ترميم ما تبقى من النقوش والقطع الأثرية النادرة، فيما يستعد العالم لاستقبال مزيد من الاكتشافات التي قد تغيّر نظرتنا المتوارثة عن ملوك الفراعنة وطرائق حكمهم وصراعاتهم.

ملحوظة: بفضل هذا الاكتشاف المهم، تتواصل البعثات الأثرية والحفريات في الأقصر وغيرها من مدن مصر بحثًا عن مزيد من الكنوز المفقودة، لأن أرض الكنانة – كما يقول خبراء المصريات – لا تزال تخفي الكثير من الأسرار التي تنتظر من يكشف عنها الستار.

 

المصدر : الجزيرة

شاركها.

منصة شاملة تقدم محتوى متنوعًا يجمع بين الأخبار الحديثة والمدونات التحليلية، بالإضافة إلى إحصائيات دقيقة، واختبارات تفاعلية، ومقاطع فيديو مبتكرة.

إعلان
Subscribe
Notify of
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
تعليقات داخلية
عرض كل التعليقات
إعلان
wpDiscuz
0
0
حابين نسمع رأيك، اترك تعليقك.x
()
x
Exit mobile version