في السنوات الأخيرة، تغيّر شكل العلاقات الإنسانية بطرق لم يكن أحد يتخيّلها. وبينما اعتدنا ظهور صداقات افتراضية أو علاقات عن بُعد، جاءت اليابان هذه المرة بقصة تتجاوز حدود الواقع التقليدي، بعدما أقامت سيدة شابة حفل زفاف لعريس غير موجود في العالم المادي، بل صُنع بالكامل عبر الذكاء الاصطناعي داخل الميتافيرس.
حكاية حب بدأت بجلسات فضفضة
تروي السيدة اليابانية – التي فضّلت استخدام الاسم المستعار “كانو” – أن الأمر لم يبدأ بالحب. كانت تستخدم نموذجًا ذكيًا لمساعدتها على تجاوز فترة صعبة في حياتها، تبادل بينهما أحاديث طويلة، معظمها كان عن مشاعرها وتحدياتها اليومية.
لكن، مع الوقت تغيّر كل شيء. تقول إن أكثر ما جذبها هو “الطريقة الهادئة التي كان يستمع بها إليها”، والردود التي شعرت معها بأنها مفهومة ومسموعة. وهكذا تحوّل الذكاء الاصطناعي بالنسبة لها من أداة مساعدة إلى رفيق رقمي، ثم إلى شريك حياة.
حفل زفاف في عالم لا يوجد فيه قانون للقلوب
ارتدت “كانو” نظارة واقع معزز، وظهر أمامها العريس الرقمي الذي سمّته “كلاوس”. تبادل الاثنان الخواتم داخل بيئة ثلاثية الأبعاد.
أما الحضور، فكانوا مزيجًا من أصدقاء فضوليين ومشاركين افتراضيين، في مشهد أقرب لمشهد من فيلم خيال علمي.
المنظمون الذين أشرفوا على الحفل يقولون إن هذه ليست الحادثة الوحيدة؛ فهناك عشرات الزيجات بين بشر وكيانات رقمية، بعضها لشخصيات أنمي، وبعضها لأفاتارات ذكية.
لماذا يحدث هذا؟ تحليل اجتماعي ونفسي
تشير الأبحاث الحديثة إلى أن 20% من الشباب حول العالم جرّبوا شكلاً من أشكال الارتباط العاطفي مع نظام ذكاء اصطناعي، سواء عبر تطبيقات “رفيق ذكي” أو روبوتات محادثة.
هناك عدة أسباب لهذا الاتجاه، منها:
- الرغبة في الأمان العاطفي: الشريك الرقمي لا يغضب، لا يحكم، ولا يغادر فجأة.
- التحكم الكامل في العلاقة: يمكن تعديل الشخصية الرقمية، شكلها، طريقة تفاعلها.
- الهروب من ضغوط الواقع: لدى البعض، العلاقات الواقعية مرهقة مقارنة بعلاقة “مثالية” مع نموذج ذكي.
- تزايد العزلة الاجتماعية عالميًا: اليابان وحدها تضم أكثر من مليون شخص يعيشون في عزلة شبه كاملة وفق إحصائيات حكومية.
من الناحية النفسية، يرى متخصصون أن البشر منذ القدم كانوا ينسجون مشاعر مع كيانات غير حية (دُمى، شخصيات خيالية، روايات…)، وبالتالي فالارتباط الرقمي ليس قفزة غير منطقية، بل تطور طبيعي مع صعود الذكاء الاصطناعي.
الجانب القانوني: أين يقف العالم؟
بينما لا تعتبر هذه الزيجات “رسمية” في القانون الياباني، إلا أنها تتنامى بشكل لافت.
في المقابل، بدأت حكومات أخرى بوضع خطوط حمراء. ففي الولايات المتحدة، يناقش مشرعون مشروع قانون يمنع الزواج بين البشر والكيانات الذكية، خوفًا من:
- نقل الممتلكات لشخصيات رقمية
- التلاعب بالقانون عبر حسابات وهمية
- استخدام هذه الظاهرة في الاحتيال أو غسل الأموال
لكن فئة من المدافعين عن حرية الاختيار ترى أن هذه العلاقات “حق شخصي طالما لا يضر أحدًا”.
ردود فعل الناس: بين الدهشة والرفض والدعم
على منصات التواصل، انتشرت القصة اليابانية بسرعة. جاءت التعليقات على ثلاثة اتجاهات:
- مؤيدون يرون أن التكنولوجيا تمنح حلولًا لمن يعانون الوحدة.
- معارضون بشدة يعتقدون أن الأمر “إلغاء لحقيقة الإنسان” وابتعاد عن المجتمع.
- محايدون يعتبرون أن الزمن القادم سيجلب ظواهر أغرب، وهذه ليست إلا البداية.
ماذا ينتظرنا في المستقبل؟ بين التطور والخطر
إذا استمرت وتيرة التطور كما هي الآن، فقد نشهد:
- نماذج ذكاء اصطناعي تمتلك أصواتًا، أجسادًا روبوتية، وقدرات تعبيرية شبيهة بالبشر
- اعترافًا قانونيًا محدودًا ببعض الروابط الرقمية
- تصميم “شخصيات متوافقة” مع احتياجات الشخص النفسية
- انتشار حفلات زفاف افتراضية أرخص وأكثر شهرة بين الشباب
بالنسبة للقارئ، هذا التحول يعني أننا مقبلون على مرحلة تصبح فيها الحدود بين الإنسان والآلة شديدة الضبابية. السؤال الحقيقي لم يعد: “هل سيتزوج الناس الذكاء الاصطناعي؟” بل: كيف ستغيّر تلك العلاقات مفهوم الحب نفسه خلال العقد القادم؟
المصدر:
تقارير صحفية يابانية
