حين يتحوّل الحمار إلى لوحة فنية
في زمنٍ يركض باتجاه الحداثة والروبوتات، تظل بعض الحرف الشعبية شاهدة على تراث إنساني لا يُقدّر بثمن. في سوق كبوشية الأسبوعي شمال السودان، لا تلفتك فقط أصوات الباعة وروائح البن والذرة، بل مشهد نادر أشبه بمتحف شعبي مفتوح: صالون حلاقة مخصص للحمير. نعم، في هذا المكان، يلتقي الفن والوظيفة في تقليد تراثي يشكل علامة فارقة في الهوية الريفية.
صالون حلاقة الحمير: مزيج من الدقة والفن
يمارس الشقيقان بلة وبدر حميدة هذه الحرفة التي ورثاها عن والدهما، في ركن هادئ خلف سوق “الرواكيب”. لا يتعلق الأمر بمجرد تقصير الشعر أو تنظيف الجلد، بل بإبداع أشكال هندسية على ظهر الحمار: أهرامات، دوائر، وخطوط متوازية تُرسم بدقة عالية. يُشبه الأمر “وشماً ريفياً مؤقتاً”، يضيف للحمار لمسة من الهيبة والجمال.
أنواع الحلاقات والأسعار:
نوع الحلاقة | الوصف | السعر (جنيه سوداني) |
---|---|---|
الشرافة | نقش بسيط تقليدي | من 15 إلى 30 |
الحفلة | زخارف أكثر دقة | من 30 إلى 50 |
الشريط | خطوط معقدة متوازية | حتى 65,000 |
أدوات خاصة وتقنيات حذرة
وفقًا لبلة حميدة، فإن هذه المهنة رغم صعوبتها إلا أنها ممتعة. لا تُحلق منطقة البطن لكونها حساسة، وتُستخدم أدوات متنوعة مثل:
- مقصات يدوية
- ماكينات كهربائية
- صريمة توضع في فم الحمار لتثبيته
- أربطة خاصة للأرجل لضمان السلامة
هذه التفاصيل تدل على وعي تقني وحرفي رغم بساطة البيئة.
انتشار إقليمي وتجميل لأغراض تجارية
لا يقتصر نشاط الأخوين على كبوشية، بل ينتقلان إلى أسواق مثل المكنية، كلي، وقوزبرة. وفي يوم السوق الأسبوعي “الأربعاء”، قد يحلقان ما يصل إلى 20 حماراً.
يشير بدر إلى أن شكل الحمار يؤثر على قيمته:
“الحمار النظيف والمزين يرفع سعره في السوق، ويمنح صاحبه وجاهة في القرية.”
وهكذا تصبح الحلاقة وسيلة لتحسين السعر الاجتماعي والاقتصادي للحمار وصاحبه على حد سواء.
تجارة وعناية بيطرية موازية
إلى جانب الحلاقة، ينخرط الشقيقان في تجارة الحمير. وتُعد شندي من أبرز المناطق التي تخرج سلالات متميزة، لما لها من قوة، سرعة، وجمال بنية.
كما يتوافر في كبوشية مركز بيطري بسيط، إلى جانب العلاج الشعبي باستخدام القطران أو الكي أو عبر البصيرين لاستخراج الأشواك.
هل تخيّلت يومًا برنامجًا تلفزيونيًا دون مذيع؟ 📺
اكتشف كيف يتفاعل الجمهور مباشرة دون وسيط في مقالنا الجديد:
برنامج تلفزيوني لا يقدّمه أحد: المشاهدون يتفاعلون مباشرة!
أكثر من مجرد دابة: الحمار كرمز اجتماعي
في الريف السوداني، الحمار ليس مجرد وسيلة نقل بل رمز اجتماعي واقتصادي. تُولى له عناية خاصة، ويُنظر إليه كجزء من الكرامة الشخصية لصاحبه، خاصة بين المزارعين.
حلاقة الحمار، إذن، ليست عملاً عابرًا بل طقسًا تراثيًا يُمارس بفخر كل أسبوع، تذكير دائم بأن الجمال لا يقتصر على البشر، وأن كل كائن يستحق العناية والتقدير.
حين يحلق التراث في وجه الحداثة
بينما ينشغل العالم بتقنيات الذكاء الاصطناعي والواقع الافتراضي، تظل مشاهد حلاقة الحمير في كبوشية تهمس للزمن:
“بعض التقاليد لا تُنسى.. بل تزداد أصالة مع كل صباح أربعاء.”
إنه إرث حي، يروي قصة شعب يعرف كيف يدمج الفن بالحياة، والتراث بالوظيفة، ويقدّر البساطة كقيمة عليا في عالم يركض دون توقف.
ما هي أنواع حلاقات الحمير في السودان؟
هناك أنواع عديدة منها “الشرافة”، “الحفلة”، و”الشريط”، وكل نوع يتميز بزخارف ودقة مختلفة.
لماذا يُعتنى بالحمار إلى هذا الحد في القرى السودانية؟
لأن الحمار ليس فقط وسيلة نقل، بل واجهة اجتماعية تعكس مكانة صاحبه، وتؤثر حتى في سعره عند البيع.
هل يوجد بيطريون مختصون برعاية الحمير في كبوشية؟
نعم، يوجد مركز بيطري وبعض العلاجات التقليدية الشعبية يقدمها “البصيرين”.