ارتفاع أسعار الذهب: ما أسبابها؟ وهل يُنصَح بالاستثمار فيه الآن؟

ارتفاع أسعار الذهب في عامي 2024 و2025: لمحة سريعة

شهد العالم في عام 2024 ارتفاع أسعار الذهب بنحو 24%، ما جعل المعدن الأصفر محور اهتمام المستثمرين والخبراء. وفي مطلع 2025، استمر هذا الارتفاع بوتيرة أقوى من التوقعات التي رجّحت وصوله إلى 3000 دولار للأوقية بنهاية العام. لكن الذهب باغت الجميع باقترابه من هذا المستوى في فبراير/شباط 2025، متجاوزًا توقعات الأسواق.

تؤكد الإحصائيات أن الذهب سجل في الربع الرابع من 2024 متوسط سعر بلغ 2663 دولارًا للأوقية، وبلغ متوسط السعر السنوي لنفس العام 2386 دولارًا للأوقية. وجذب هذا الصعود القوي تداولات عالمية تاريخية بلغت 111 مليار دولار في ربع واحد، ليرتفع إجمالي التداول السنوي في 2024 إلى 382 مليار دولار.

رغم أن كثيرين توقّعوا تصحيحات حادة للأسعار مع كل قمة جديدة يحققها الذهب، أثبت المعدن الأصفر قدرته على الصمود في مواجهة المعطيات الاقتصادية والسياسية المعقدة، محافظًا على مكانته كأحد أكثر الأصول أمانًا.

وفي هذا المقال، نستعرض أسباب ارتفاع أسعار الذهب وكيفية تأثير التطورات العالمية على استمراره، إضافةً إلى نصائح مهمة للمستثمر والمستهلك في الشرق الأوسط حول الاستثمار في الذهب.

أسباب ارتفاع أسعار الذهب

عند الحديث عن ارتفاع أسعار الذهب، لا يمكن اختزاله في عاملٍ واحد، بل إنه نتاج مزيج من العوامل الجيوسياسية والاقتصادية التي تفاعلت لتدفع أسعار المعدن النفيس إلى مستويات غير مسبوقة. سنلقي الضوء على أبرز الأسباب التي تفسّر هذا الصعود المستمر.

1. العوامل الجيوسياسية

تُعَد التوترات السياسية عالميًا من أقوى محفزات ارتفاع أسعار الذهب، فهو الملاذ الآمن الذي يلجأ إليه المستثمرون عندما تسيطر حالة عدم اليقين. ومن أبرز الأمثلة:

1. العقوبات الغربية على روسيا

   • منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية عام 2022، جُمّدت أصول روسية تقدّر بنحو 400 مليار دولار من إجمالي 624 مليار دولار، أي نحو 65% من الاحتياطي الروسي الخارجي.
   • أثار هذا التجميد موجة قلق عالمية حول الاستثمار في الأصول الخاضعة للسيطرة الغربية، ما دفع عدة دول لإعادة النظر في سياساتها الاستثمارية، والتوجه نحو الذهب.

2. التحرّكات الصينية

   • ردًا على العقوبات المفروضة على روسيا، سعت الصين إلى حماية استثماراتها من أي عقوبات مستقبلية.
   • خفّضت حيازتها من السندات الأميركية من تريليون دولار قبل الحرب إلى 782 مليار دولار في منتصف 2024، بنسبة تراجع 21%.
   • ارتفعت احتياطيات الذهب الصينية بقرابة 330 طنًا بين عامي 2022 و2024، أي حوالي 16.9% زيادة في حيازة الذهب، مما يعكس تركيزًا متزايدًا على الأصول الآمنة.

3. عدم الاستقرار السياسي في أوروبا

   • تعيش أوروبا اضطرابات سياسية واقتصادية، مثل صعود الأحزاب اليمينية في عدة دول، واستمرار تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية.
   • أدى ذلك إلى تراجع مؤشرات الثقة في اقتصادات القارة، ودفع المستثمرين إلى التوجه نحو الذهب لتجنّب أي خسائر محتملة في الأصول الأوروبية.

4. هيمنة الدولار والعقوبات الأميركية

   • السيطرة الكبيرة للدولار على التجارة العالمية تتيح للولايات المتحدة فرض عقوبات قوية على دول وشركات.
   • دفع هذا الأمر دولًا عدّة إلى تعزيز احتياطياتها من الذهب لتقليل الاعتماد على الدولار والتخفيف من وطأة أي عقوبات مستقبلية.

5. أزمة الديون الأميركية

   • تجاوز الدين الأميركي 36 تريليون دولار نهاية 2024، ما يثير مخاوف بشأن التصنيف الائتماني للولايات المتحدة.
   • أدى هذا الوضع إلى إحجام بعض المستثمرين عن أدوات الدين الأميركية والبحث عن ملاذات أكثر أمانًا مثل الذهب.

6. توترات الشرق الأوسط

   • تعد المنطقة العربية بوابة أساسية لتدفّق النفط العالمي وللتجارة الدولية.
   • منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، يشهد الشرق الأوسط مواجهات عسكرية متصاعدة بين قوى إقليمية وإسرائيل.
   • هذه الاضطرابات زادت مخاوف انقطاع الملاحة في الممرات المائية الحيوية، ودعمت بدورها ارتفاع أسعار الذهب كتحوّط من المخاطر.

     

7. التوتر في شرق آسيا

   • تتصاعد التحديات في علاقات الصين مع تايوان والفلبين، إضافةً إلى النزاع بين الكوريتين وتوتر السياسات في كوريا الجنوبية.
   • تدفع هذه الأجواء المضطربة الأسواق الآسيوية إلى البحث عن أصول آمنة، ما ينعكس إيجابًا على أسعار المعدن النفيس.

2. العوامل الاقتصادية

إلى جانب الأحداث الجيوسياسية، هناك محفزات اقتصادية جوهرية ساهمت في ارتفاع أسعار الذهب:

1. الحرب التجارية

   • تجلّى ذلك بشكل رئيسي في السياسات الحمائية الأميركية، خصوصًا مع التعريفات الجمركية المرتفعة على الدول التي تعاني من عجز تجاري مع الولايات المتحدة.
   • أثّر هذا النهج على استقرار أسواق الشركات العالمية، ودفع المستثمرين للتحوط عبر الذهب.

     

2. التوقعات بارتفاع التضخم

   • تتسبّب الرسوم الجمركية والعقوبات في رفع تكلفة السلع عالميًا.
   • يهرع المستثمرون لحماية رؤوس أموالهم من تآكل قيمتها بفعل التضخم، فيعززون حيازتهم للذهب.

3. مسار خفض الفائدة

   • مع انتهاء ولاية الرئيس جو بايدن، دخلت السياسة النقدية الأميركية في مسار خفض سعر الفائدة.
   • يُقلّل خفض الفائدة من تكلفة الفرصة البديلة لحيازة الذهب، ما يؤدي إلى تعزيز الطلب ورفع الأسعار.

4. مشتريات البنوك المركزية والمؤسسات الاستثمارية

   • تواصل البنوك المركزية حول العالم تكديس الذهب بوتيرة قياسية.
   • في 2024، تجاوزت مشتريات البنوك المركزية 1000 طن للعام الثالث على التوالي، منها 333 طنًا في الربع الرابع وحده.
   • ارتفع الاستثمار في الذهب عالميًا إلى 1180 طنًا في 2024، مسجلًا زيادة بنحو 25%.

5. زيادة الإنفاق على المجوهرات

   • رغم ارتفاع الأسعار، بلغ الطلب على المجوهرات 1877 طنًا في 2024، غير أن قيمتها المالية قفزت بنسبة 9% إلى 144 مليار دولار.

6. الطلب من قطاع التكنولوجيا

   • يعزز التوسع في الذكاء الاصطناعي والاستخدامات التقنية الأخرى من الاعتماد على الذهب.
   • ازداد الطلب التكنولوجي بنسبة 7% في 2024، بمعدل نمو بلغ 21 طنًا وفقًا لمجلس الذهب العالمي.

هل سيكمل الذهب رحلته الصاعدة؟

حتى لحظة إعداد هذا التقرير، لم تتلاشى بعد الأسباب الكبرى التي أسهمت في ارتفاع أسعار الذهب، سواء كانت سياسية أو اقتصادية. ومع ظهور إدارة أميركية جديدة ذات توجّهات شعبوية، يتصاعد القلق من المزيد من التقلبات في الأسواق العالمية، ما يجعل الذهب ملاذًا مغريًا للمستثمرين.

ومن المتوقع أن يظل الذهب محل جذب للمستثمرين طالما استمرت التوترات العالمية والتضخم المرتفع أو التقلبات في أسعار الفائدة. ومع الأخذ بالاعتبار هذه المعطيات، فإن المعدن الأصفر لا يزال أمامه فرصة لمواصلة الارتفاع، خصوصًا إن استمرت الظروف الحالية على ما هي عليه أو شهدت مزيدًا من التدهور.

نصائح للمستثمر والمستهلك في الشرق الأوسط

في المنطقة العربية، تختلف استراتيجيات الاستثمار في الذهب تبعًا للاحتياجات المالية ولطبيعة الاقتصادات المحلية. إليكم أبرز الحقائق والنصائح:

1. تراجع الإقبال على الذهب في 2024

   • انخفض الطلب على الحلي والمصوغات الذهبية من 171.5 طنًا في 2023 إلى 157 طنًا في 2024، أي بنسبة 8%.
   • كما تراجع الطلب على العملات والسبائك الذهبية من 114.1 طنًا في 2023 إلى 109.5 أطنان في 2024، بنسبة مماثلة.

2. تفاوت إقليمي في طلب الذهب

   • بينما يتمتع مواطنو دول الخليج بقدرة أكبر على شراء المعدن النفيس، تواجه دول أخرى تحديات اقتصادية تقلل من السيولة المتاحة للاستثمار.

3. العقوبات الاقتصادية

   • تدفع بعض الدول المتأثرة بالعقوبات إلى استخدام الذهب كوسيلة تحوّط ضد انهيار عملاتها المحلية أو تقييد استثماراتها الخارجية.

4. الحذر والتحوط

   • يُنصَح بعدم شراء الذهب بأموال مقترضة أو الدخول في صفقات مبالغ فيها.
   • يبقى الذهب أحد أهم وسائل حفظ الثروة، خاصة في البيئات غير المستقرة اقتصاديًا وسياسيًا.
   • اختيار التوقيت المناسب للشراء والاستثمار يُعدّ عاملًا حاسمًا لتقليل المخاطر وحماية رأس المال.

في ظل كل ما سبق، تظل استراتيجية الاستثمار في الذهب خيارًا جذابًا عندما يُدار بحكمة، ويُبنى على قراءة دقيقة للمشهد العالمي والإقليمي. إنّ ارتفاع أسعار الذهب قد يستمر ما دامت العوامل المؤثرة فيه باقية أو متفاقمة، لذا على المستثمر العربي حساب خطواته بعناية لضمان الاستفادة من فرص المعدن النفيس مع تفادي المخاطر المحتملة.

الخلاصة

إنّ ارتفاع أسعار الذهب ليس مجرد موجة عابرة، بل هو انعكاس لجملة تعقيدات دولية تشمل العقوبات، وعدم الاستقرار السياسي، والتغيرات الاقتصادية الكبرى. وبينما قد يستمر هذا الاتجاه ما دامت التوترات قائمة، يُعدّ التخطيط الاستثماري السليم مفتاحًا أساسيًا لتحقيق الاستفادة القصوى من صعود المعدن الأصفر، سواء بالنسبة للمستثمرين أصحاب الملاءة المالية الكبيرة أو للأفراد الباحثين عن التحوط في أوقات الأزمات.

تذكير مهم:
الاستثمار في الذهب، رغم جاذبيته، ينطوي على مخاطر إذا لم يتم بصورة مدروسة. لذا، يُنصَح دائمًا بمراجعة مستشار مالي أو خبير استثمار قبل اتخاذ أي قرار.