الأربعاء, أكتوبر 8, 2025
إعلان

في تطور لافت في المشهد السوري، كشفت الاجتماعات التي عُقدت مؤخرًا في دمشق بين الحكومة السورية وقوات سوريا الديمقراطية (قسد) عن مناقشة إمكانية تعديل الإعلان الدستوري لضمان الحقوق الدستورية للأكراد.

هذا التحول لم يكن مجرد إشارة رمزية، بل يمثل أول اعتراف رسمي بالأكراد كمكوّن وطني أصيل في سوريا بعد سنوات من التوتر السياسي والعسكري.

من الإنكار إلى الاعتراف

لطالما كان الموقف الرسمي السوري قبل عام 2011 قائمًا على المركزية الصارمة؛ إذ لم تكن الدولة تعترف بوجود “مكونات قومية” داخل المجتمع السوري، بل تصف الجميع بأنهم “مواطنون سوريون” فقط.

لكن بعد الحرب الطويلة، وتنامي الدور الكردي في شمال وشرق البلاد، أصبح من غير الممكن تجاوز هذا المكوّن أو تجاهله سياسيًا.

اليوم، ومع التوجه نحو تسوية شاملة بين دمشق وقسد، يظهر تحوّل في الخطاب الرسمي من الإنكار إلى الاعتراف بالمكوّن الكردي كشريك في الدولة، وهو ما يُعد خطوة غير مسبوقة في التاريخ الدستوري السوري الحديث.

إعلان

تعديل الإعلان الدستوري: ما المقصود؟

تعديل الإعلان الدستوري يعني فتح الباب لإدخال نصوص تضمن الحقوق الثقافية والسياسية للأكراد ضمن الدستور أو الوثيقة الدستورية الانتقالية.
ومن أبرز ما يُتداول في هذا الإطار:

  • السماح باستخدام اللغة الكردية كلغة ثقافية وتعليمية محلية.
  • الاعتراف بالهوية الكردية كمكوّن من النسيج الوطني السوري.
  • ضمان تمثيل الأكراد في المؤسسات التشريعية والإدارية.
  • تعزيز مبدأ اللامركزية الإدارية الموسعة لإدارة مناطقهم ضمن الدولة.

بذلك، تتحول المواطنة السورية من مفهوم موحد جامد إلى مفهوم تعددي مرن يعترف بالتنوع القومي والثقافي داخل حدود الوطن الواحد.

ما هي اللامركزية التي يجري الحديث عنها؟

اللامركزية لا تعني الانفصال، بل تعني توزيعًا عادلًا للسلطة بين العاصمة والمناطق.

في النظام المركزي السابق، كانت كل القرارات تصدر من دمشق — من التعيينات حتى التعليم.

أما في النظام اللامركزي المقترح:

  • تُدار البلديات والمدارس والمستشفيات محليًا.
  • تبقى السياسة الخارجية، الجيش، والعملة بيد الدولة المركزية.

أي أن الأكراد سيحصلون على إدارة محلية موسعة دون أن يكون لديهم “حكم ذاتي” على غرار كردستان العراق.

هذا النموذج يتيح لهم المشاركة في القرار المحلي ضمن إطار السيادة السورية.

الفرق بين اللامركزية والحكم الذاتي

  • اللامركزية: توزيع إداري للسلطة داخل الدولة الواحدة.
  • الحكم الذاتي: نظام سياسي شبه مستقل يملك برلمانًا وحكومة خاصة.

دمشق اليوم تقترب من اللامركزية الإدارية لأنها تمنح المرونة السياسية دون المساس بوحدة الدولة، بينما ترفض فكرة الحكم الذاتي التي قد تُفسَّر كخطوة نحو الانفصال.

ملف الموارد: من يملك ماذا؟

واحدة من أعقد القضايا بين دمشق وقسد هي التحكم بالموارد الطبيعية في الشمال الشرقي، حيث تتركز:

  • أكثر من 70% من النفط والغاز السوري.
  • أهم السدود على نهر الفرات.
  • الأراضي الزراعية الغنية بالقمح والشعير.
  • معابر استراتيجية مع العراق وتركيا.

في النظام اللامركزي المقترح، تبقى ملكية الموارد للدولة المركزية، بينما تُدار العائدات محليًا بنسبة متفق عليها لتأمين الخدمات والتنمية.
بمعنى آخر:

النفط والقمح يعودان ملكًا للدولة، لكن الإيرادات تُوزّع جزئيًا على المنطقة المنتجة.

هذا النموذج المالي يُشبه ما يُعمل به في دول اتحادية مثل ألمانيا أو إسبانيا، حيث تُضمن العدالة في التوزيع مع الحفاظ على وحدة الميزانية الوطنية.

البعد السياسي للخطوة

الاعتراف بالأكراد كمكون وطني يفتح الباب أمام:

  1. إعادة بناء الثقة بين دمشق والمجتمع الكردي.
  2. توحيد المؤسسات المدنية والعسكرية في البلاد.
  3. تعزيز صورة الدولة السورية دوليًا كدولة قادرة على استيعاب التعددية.
  4. تحييد الدور التركي التدخلي الذي كان يستند إلى ذريعة “الخطر الكردي”.

كما أن هذه الخطوة تتزامن مع حضور أميركي واضح في رعاية الاتفاق، ما يشير إلى دعم غربي لسيناريو “اللامركزية ضمن الوحدة السورية”.

نظرة مستقبلية

إذا تم تثبيت هذا التحول سياسيًا ودستوريًا، فستدخل سوريا مرحلة جديدة قوامها:

  • دولة موحدة متعددة المكونات.
  • نظام إداري مرن يمنح المناطق صلاحيات واسعة دون تفكك.
  • توزيع عادل للموارد ينهي الاحتقان الاقتصادي في الأطراف.

لكن التحدي الحقيقي يكمن في تحويل النوايا السياسية إلى نصوص دستورية قابلة للتطبيق، وضمان أن لا تتحول اللامركزية إلى صراع نفوذ محلي جديد.

المصادر:

  • تقارير الأمم المتحدة (OCHA – ESCWA) حول الموارد السورية.
  • وكالة “العربية”، “سانا”، “رويترز”، و”المونيتور”.
  • تصريحات مظلوم عبدي وقيادات الإدارة الذاتية.
  • دراسات مركز كارنيغي للشرق الأوسط حول اللامركزية في سوريا.
  • مواقف رسمية من الحكومة السورية منذ 2023 حول تطوير الإدارة المحلية.

قسم الأسئلة الشائعة

ماذا يعني الاعتراف بالأكراد كمكون وطني؟
يعني أن الدولة السورية باتت تعترف رسميًا بالأكراد كشركاء في الوطن، يملكون حقوقًا سياسية وثقافية ودستورية ضمن وحدة الدولة.
هل يعني ذلك منح الأكراد حكمًا ذاتيًا؟
لا، ما يُناقش هو نموذج “اللامركزية الإدارية الموسعة” وليس الحكم الذاتي. تبقى السيادة والقرارات الاستراتيجية بيد الدولة المركزية.
من يدير الموارد في المناطق الكردية؟
ملكية الموارد تبقى للدولة السورية، لكن يمكن للإدارة المحلية المشاركة في إدارة العائدات لتأمين الخدمات والبنية التحتية في مناطقها.
هل يؤثر هذا التوجه على وحدة سوريا؟
بالعكس، يهدف الاعتراف بالأكراد واللامركزية إلى تعزيز وحدة سوريا عبر معالجة جذور التهميش وضمان تمثيل جميع المكونات.

شاركها.

منصة شاملة تقدم محتوى متنوعًا يجمع بين الأخبار الحديثة والمدونات التحليلية، بالإضافة إلى إحصائيات دقيقة، واختبارات تفاعلية، ومقاطع فيديو مبتكرة.

إعلان
Subscribe
Notify of
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
تعليقات داخلية
عرض كل التعليقات
إعلان
wpDiscuz
0
0
حابين نسمع رأيك، اترك تعليقك.x
()
x
Exit mobile version