في عصر تتوفر فيه مكعبات الثلج بكبسة زر، يبدو الحديث عن صناعته وسط الصحراء، ومن دون كهرباء، أشبه بالخيال. لكن الفرس، منذ أكثر من ألفي عام، استطاعوا تحقيق هذا “المستحيل” من خلال اختراع مذهل يسمى “الياخجال” — حفرة الثلج. فكيف تمكنوا من تحويل حرارة الصحراء إلى بيئة للتجميد؟ دعونا نغوص في أسرار هذه التقنية التي جمعت بين العلم والعبقرية المعمارية.
ما هو “الياخجال” وكيف يعمل؟
الياخجال (Yakhchal) هو بناء طيني ضخم يشبه القبة المخروطية، استخدمه الفرس لتخزين وصناعة الثلج في مناطق شديدة الحرارة مثل مدينة يزد الإيرانية. الاسم نفسه يعني “حفرة الثلج”، وهي فعليًا أكثر من مجرد حفرة، بل منظومة ذكية تستخدم الفيزياء والهندسة للتغلب على حرارة الصحراء.
لماذا كانت مدينة يزد مثالية؟
يزد تتميز بصيف حار وجاف تصل حرارته إلى 40 مئوية، لكنها في الشتاء تنخفض إلى ما دون الصفر. هذه الفروقات في درجات الحرارة استغلها الفرس ببراعة لإنشاء بيئة تسمح بتكوين الجليد.
خطوات صناعة الثلج داخل “الياخجال”
- نقل المياه عبر قنوات تحت الأرض: جلب الفرس المياه من الجبال الباردة إلى المدينة عبر قنوات “قنات” تحت الأرض للحفاظ على برودتها.
- البرك الضحلة المسورة: يُفرغ الماء في برك ضحلة محاطة بجدران عالية، فتمنع أشعة الشمس وتسرع التبريد الليلي.
- تجميد ليلي متكرر: في الليالي الباردة، يتجمد سطح الماء تدريجياً حتى يصل سمكه إلى 50 سم.
- نقل الجليد إلى الداخل: يتم تكسير الجليد وتخزينه في القبة الطينية التي تبقيه بارداً طوال الصيف.
هذه العملية تكررت يوميًا خلال الشتاء لتخزين كميات تكفي للاستخدام طوال العام.

التركيبة الهندسية: كيف يتحقق العزل والتبريد؟
الياخجال ليست مجرد قبة، بل نظام مكون من:
- قبة مخروطية: تعمل على تصريف الهواء الدافئ لأعلى عبر فتحة صغيرة، بينما يبقى الهواء البارد في الأسفل.
- حفرة تخزين ضخمة تحت الأرض: تصل سعتها إلى 5 آلاف متر مكعب.
- مدخلان موسميان: مدخل شمالي للشتاء ومدخل جنوبي صيفي فيه درج للوصول للثلج.
- مزيج مواد عازل: الجدران سميكة بمترين ومغلفة بطبقة من الطين، الرمل، بياض البيض، صوف الغنم، الجير، والرماد — خليط يقدم عزلًا مذهلًا ضد الحرارة والرطوبة.

ثلج صيفي وسط الصحراء
رغم درجات الحرارة العالية، كانت “الياخجال” تحافظ على الثلج لأشهر. بل إن المياه الذائبة كانت تتجمع أسفل القبة لتتجمد مجددًا ليلاً. هذه الدورة الطبيعية سمحت بتوفير الثلج للسكان طيلة العام، وكانت متاحة لعامة الناس وليس فقط للأغنياء.
نهاية عصر “الياخجال” ومحاولات الإحياء
مع حلول الستينات، توقف استخدام الياخجال بسبب التلوث بالغبار وعدم نقاء الجليد. لكن في زمن الأزمات البيئية والبحث عن حلول صديقة للبيئة، بدأ بعض العلماء والمهندسين إعادة دراسة هذه التقنية الفريدة، بحثًا عن وسائل لصناعة الثلج بدون كهرباء في مناطق نائية أو فقيرة بالطاقة.
قصة “الياخجال” ليست مجرد حكاية من الماضي، بل درس معاصر في الابتكار البيئي والهندسي. ففي مواجهة حرارة الصحراء وشح الموارد، استطاع الفرس صناعة الثلج باستخدام قوانين الفيزياء فقط. وربما يحمل المستقبل عودة لهذه التقنية الذكية، ولكن بنسخة أكثر تطورًا وأقل تلوثًا.
أسئلة شائعة حول صناعة الثلج بدون كهرباء
ما هو الياخجال؟
الياخجال هو مبنى طيني ابتكره الفرس لصناعة وتخزين الثلج وسط الصحراء باستخدام التبريد الليلي والعزل الحراري.
هل يمكن استخدام تقنية الياخجال اليوم؟
نعم، يدرس بعض المهندسين إمكانية استخدامها في المناطق النائية أو كمصدر بديل للثلج دون طاقة كهربائية.
ما سبب استخدام بياض البيض في بناء الياخجال؟
بياض البيض كان ضمن طبقة العزل التي تغطي الجدران، ويُعتقد أنه يساعد في مقاومة الماء وتعزيز الصلابة.
كيف يبقى الثلج مجمداً طوال الصيف؟
بفضل التصميم الذكي للقبة، يتم الحفاظ على درجات حرارة منخفضة في الداخل مع تجنب دخول الهواء الساخن.