تبدأ القصة غالبًا بخصلة شعر واحدة. خصلة فضية لامعة تظهر فجأة بين شعرك الداكن، لتكون بمثابة إعلان صريح بأن الزمن يترك بصماته. لسنوات طويلة، كان التعامل مع الشيب يقتصر على خيارين: إما التعايش معه بفخر، أو إخفاؤه تحت طبقات من الصبغات الكيميائية. ولكن، ماذا لو كان هناك خيار ثالث؟ ماذا لو أمكننا ليس فقط إخفاء الشيب، بل عكسه من الجذور؟ هذا هو السؤال الذي أشعلته ممثلة صينية مؤخراً، حين كشفت عن خضوعها لعلاج ثوري يعتمد على الحقن لاستعادة لون شعرها الطبيعي، فاتحةً بذلك باباً واسعاً من الأمل والجدل في آن واحد.
دعونا نتجاهل الضجة الإعلامية للحظة ونغوص في أعماق العلم. لماذا يظهر الشيب في المقام الأول؟ ببساطة، يفقد شعرنا لونه عندما تتوقف الخلايا الصبغية (Melanocytes) الموجودة في بصيلات الشعر عن إنتاج مادة الميلانين. يمكن أن يحدث هذا التوقف لأسباب عديدة، أبرزها التقدم الطبيعي في العمر والعوامل الوراثية. ومع ذلك، تشير الأبحاث بشكل متزايد إلى أن عوامل أخرى مثل التوتر النفسي الشديد، نقص بعض الفيتامينات (مثل B12)، والإجهاد التأكسدي تلعب دوراً محورياً في تسريع هذه العملية.

ثورة الحقن الدقيقة: كيف تعمل؟
العلاج الجدلي الذي خضعت له الممثلة يعتمد على حقن فروة الرأس بمزيج من المركبات التي يُعتقد أنها تعيد إحياء هذه الخلايا الصبغية الخاملة. المكون الرئيسي الذي تم الكشف عنه هو نوع معين من فيتامين B12 يُعرف بـ “أدينوسيل كوبالامين”، والذي يلعب دوراً في العمليات الخلوية. النظرية هنا بسيطة: إذا كان نقص هذا الفيتامين يساهم في ظهور الشيب، فإن توفيره مباشرة للبصيلات قد يحفزها على إنتاج الميلانين مجدداً.
ولكن القصة لا تنتهي هنا. يذكر خبراء آخرون تقنية أكثر تطوراً تُعرف بـ”الإكسوسومات” (Exosomes). تخيل الإكسوسومات كرسائل صغيرة جداً تنتقل بين الخلايا، حاملةً معها تعليمات وبروتينات. عند حقنها في فروة الرأس، يُعتقد أنها تستطيع “إخبار” الخلايا الجذعية الصبغية بأن الوقت قد حان للعودة إلى العمل. وبالتالي، بدلاً من مجرد توفير “وقود” مثل الفيتامينات، تقوم الإكسوسومات بإعطاء “الأوامر” مباشرة.
بين الأمل والواقع: ماذا يقول الخبراء؟
هنا يصبح المشهد أكثر تعقيداً. على الرغم من الحماس الذي أثارته هذه التقنية، فإن المجتمع الطبي لا يزال منقسماً.
- المؤيدون: يشير أطباء التجميل الممارسون لهذه التقنية إلى نتائج واعدة ولكنها فردية. أحد المستخدمين على وسائل التواصل الاجتماعي علّق قائلاً: “بعد ست جلسات، لاحظت أن الشعر الجديد ينمو بلون أغمق قليلاً. إنه ليس تحولاً كاملاً، ولكنه ملحوظ”. يرى هؤلاء أن العلاج، الذي يتم على مدى عدة أشهر، قد يكون فعالاً بشكل خاص للشيب الناتج عن التوتر ونقص التغذية، وليس الشيب الوراثي المتقدم.
- المشككون: في المقابل، يؤكد أطباء الجلدية الأكثر تحفظاً أن الأدلة السريرية القوية لا تزال غائبة. تقول الدكتورة شيرين لاخاني، أخصائية التجميل: “نحن نتحدث عن دراسات حالة فردية وقصصية، وليس عن تجارب سريرية واسعة ومحكّمة. من الصعب تحديد ما إذا كان التحسن ناتجًا عن الحقن نفسها، أم عن التحفيز الذي تحدثه الإبر الدقيقة (Microneedling) في فروة الرأس”. بالإضافة إلى ذلك، هناك حاجة ماسة لمزيد من الدراسات لتقييم سلامة هذه العلاجات على المدى الطويل.
هل هو علاج الشيب أم علاج للخوف من الشيخوخة؟
في رأيي، تعكس هذه الضجة رغبة إنسانية عميقة في السيطرة على مسار الزمن. إن فكرة علاج الشيب من جذوره هي فكرة مغرية للغاية لأنها لا تعالج عارضاً خارجياً، بل توحي بإمكانية إصلاح عملية بيولوجية داخلية. ومع ذلك، من المهم التعامل مع هذه التقنيات بعقلانية. إنها ليست حلاً سحرياً يناسب الجميع، وتكلفتها المرتفعة وغموض نتائجها يجعلانها بعيدة عن متناول معظم الناس في الوقت الحالي.
الخلاصة هي أننا نقف على أعتاب تطور محتمل ومثير في عالم العناية بالشعر. لكن حتى الآن، يبقى هذا التطور في مرحلته التجريبية. بدلاً من الاندفاع وراء كل صيحة جديدة، قد يكون من الحكمة التركيز على الأساسيات المثبتة: نظام غذائي متوازن، إدارة التوتر، واستخدام منتجات عناية لطيفة. وفي النهاية، سواء نجحت هذه الحقن أم لا، فإن تقبّل التغيير يظل هو العلاج الأكثر فعالية على الإطلاق.
الأسئلة الشائعة حول علاج الشيب
1. ما هو العلاج الجديد الذي أثار الجدل لعكس الشيب؟
هو علاج يعتمد على حقن فروة الرأس بمركبات مثل نوع معين من فيتامين B12 أو الإكسوسومات، بهدف تحفيز الخلايا الصبغية في بصيلات الشعر على إعادة إنتاج الميلانين واستعادة لون الشعر الطبيعي.
2. هل هذا العلاج فعال حقاً؟
الفعالية لا تزال موضع نقاش. هناك بعض الحالات الفردية التي أظهرت تحسناً، خاصة للشيب الناتج عن التوتر. ومع ذلك، يرى معظم الخبراء أن الأدلة العلمية القوية التي تثبت فعاليته على نطاق واسع لا تزال غير متوفرة.
3. ما هي المخاطر المحتملة لهذا العلاج؟
بما أن الإكسوسومات المستخدمة غالباً ما تكون مشتقة من النباتات، يُعتقد أنها آمنة نسبياً. لكن، لا تزال هناك حاجة لدراسات طويلة الأمد لتقييم أي مخاطر محتملة أو آثار جانبية غير معروفة.
4. هل يمكن لهذا العلاج أن يحل محل صبغة الشعر؟
في الوقت الحالي، لا. لا يزال العلاج تجريبياً ومكلفاً ونتائجه غير مضمونة للجميع. لذلك، تبقى الصبغات هي الحل الأكثر شيوعاً وموثوقية لإخفاء الشعر الأبيض على المدى القصير.
5. ما هي العوامل التي تسبب الشيب المبكر؟
إلى جانب الوراثة، يعتبر التوتر النفسي الشديد، ونقص الفيتامينات والمعادن الأساسية (مثل فيتامين B12 والحديد والنحاس)، والتدخين، وبعض الحالات الصحية، من أبرز العوامل التي قد تسرّع ظهور الشيب.