في عصر الهيمنة الرقمية، بات تيك توك مصدرًا رئيسيًا للمعلومات لدى الملايين، لا سيما فئة الشباب والمراهقين. من وصفات الطهي إلى نصائح العلاقات، ومن التحفيز الذاتي إلى ما هو أخطر: “نصائح الصحة النفسية”.
لكن، ماذا لو كانت هذه النصائح مضللة؟ وماذا لو كانت تسبب ضررًا بدلاً من المساعدة؟
هذا ما كشفته دراسة صادمة أجرتها صحيفة الغارديان البريطانية، والتي خلصت إلى أن أكثر من 50% من مقاطع الفيديو المتعلقة بالصحة النفسية على تيك توك تحتوي على معلومات خاطئة أو مشوّهة.
نصائح الصحة النفسية على تيك توك: بين الوهم والواقع
التأثير الخادع للغة العلاجية
أوضح الدكتور ديفيد أوكاي، الباحث في الطب النفسي العصبي في كلية كينجز بلندن، أن العديد من هذه الفيديوهات تسيء استخدام المصطلحات النفسية كـ”اضطراب القلق” و”الاكتئاب السريري”، مما قد يؤدي إلى تشويش المفاهيم الطبية الحقيقية.
تحويل التجارب اليومية إلى “تشخيص نفسي”
الدكتور دان بولتر، الطبيب النفسي ووزير الصحة البريطاني السابق، حذّر من أن بعض هذه الفيديوهات تقوم بـ”طبّية” مشاعر طبيعية مثل الحزن أو التوتر، وتُقدَّم على أنها دليل على مرض نفسي خطير، ما يؤدي إلى تضليل المستخدمين، وخاصة الفئات الأكثر هشاشة.
المكملات السحرية والعلاجات السريعة
بعض المؤثرين يروجون لمكملات مثل الزعفران، الريحان، جليسينات المغنيسيوم، بزعم أنها تخفف القلق فورًا، أو يدّعون علاج اضطراب ما بعد الصدمة في غضون ساعة واحدة — وهي ادعاءات لا يدعمها العلم بأي شكل.
لماذا تنتشر هذه المعلومات بسرعة؟
يعود السبب إلى خوارزميات تيك توك التي تفضل المحتوى القصير والمثير، بغض النظر عن دقته.
كما أن شهرة صانعي المحتوى تُعزز مصداقيتهم الزائفة، مما يجعل المراهقين والشباب يتعاملون مع المعلومات النفسية وكأنها وصفة طبية.
مخاطر هذه الظاهرة على الصحة العامة
وفقًا للدكتورة آمبر جونستون، من الجمعية البريطانية لعلم النفس، فإن مثل هذه المعلومات تؤدي إلى:
- تبسيط مفرط لاضطرابات معقدة.
- نشر مفاهيم خاطئة حول طبيعة العلاج النفسي.
- إضعاف ثقة الناس في الأطباء والمتخصصين.
- تحفيز استخدام حلول غير مدروسة قد تؤدي لتفاقم الحالة.
كيف نحمي أنفسنا من المعلومات النفسية المضللة؟
- التحقق من مصادر المعلومة، خاصة عند التعامل مع نصائح تخص الصحة النفسية.
- البحث عن الاعتمادات المهنية للمؤثرين.
- استشارة مختص نفسي معتمد بدلاً من الاعتماد على فيديوهات قصيرة.
- تعزيز الوعي الرقمي لدى الشباب، وتعليمهم التمييز بين النصيحة العامة والتشخيص المهني.
خاتمة:
تيك توك ليس عدوًا، لكنه ليس طبيبًا أيضًا. وبينما يمكن للمحتوى الرقمي أن يكون محفزًا أو توعويًا، فإن تحويل النصائح النفسية إلى “ترند” خطير يجب أن يُقابل بوعي جماعي.
صحتنا النفسية تستحق أكثر من مجرد فيديو مدته 30 ثانية، وأحيانًا… أقل ما يمكن أن نفعله لحماية أنفسنا هو أن نتوقف عن التمرير ونسأل المختصين.
المصدر:
صحيفة الغارديان البريطانية
