في كل مرة تختار فيها مشروبًا “خاليًا من السكر” أو تضيف كيسًا من المُحلي الصناعي إلى قهوتك، قد تشعر بأنك تتخذ قرارًا صحيًا. لكن، ماذا لو كان هذا الخيار “الأفضل” يخفي وراء حلاوته الشديدة حقيقة مرة قد تؤثر على أثمن ما تملك: عقلك؟ لقد باتت المحليات الصناعية جزءًا لا يتجزأ من حياتنا، لكن الأدلة العلمية تتراكم لتكشف عن جانب مظلم لم نكن نتوقعه.
وهم الخيار الصحي: كيف وصلنا إلى هنا؟
لعقود طويلة، تم تسويق بدائل السكر على أنها الحل السحري لمحاربة السمنة والسكري. ومع تزايد الوعي الصحي، نما سوق المحليات العالمي بشكل هائل، ومن المتوقع أن تتجاوز قيمته 155 مليار دولار بحلول عام 2034. هذا النمو يعكس رغبة جماعية في الاستمتاع بالطعم الحلو دون الشعور بالذنب.
ولكن، دراسة حديثة أجرتها جامعة ساو باولو في البرازيل دقت ناقوس الخطر. بعد متابعة أكثر من 12 ألف شخص لمدة ثماني سنوات، وجد الباحثون أن من يستهلكون كميات كبيرة من المحليات مثل الأسبارتام والسكرين والإريثريتول أظهروا تدهورًا أسرع في الذاكرة والطلاقة اللفظية والتركيز، خاصة من هم دون الستين عامًا. لم تكن هذه مجرد صدفة، بل كانت إشارة واضحة إلى أن شيئًا ما يحدث داخل أدمغتنا.
من القناة الهضمية إلى الدماغ.. رحلة مُحلاة بالغموض
كيف يمكن لمادة لا تحتوي على سعرات حرارية تقريبًا أن تؤثر على الدماغ؟ الإجابة قد تكمن في عالم معقد ومثير داخل أجسادنا يُعرف بـ “محور الأمعاء-الدماغ“.
أظهرت أبحاث جديدة أن بعض المحليات الصناعية قد تعيث فسادًا في الميكروبيوم المعوي (مستعمرة البكتيريا المفيدة في أمعائنا). على سبيل المثال، وُجد أن مواد مثل السكرالوز والأسبارتام قادرة على تغيير تكوين هذه البكتيريا، بل وتحويل بعضها إلى سلالات ضارة. هذه البكتيريا المتغيرة قد تخترق جدار الأمعاء وتسبب التهابات جهازية منخفضة الدرجة، والتي بدورها تؤثر سلبًا على الحاجز الدموي الدماغي، وهو الدرع الواقي للدماغ، مما قد يؤدي إلى التهاب عصبي وتلف الخلايا.
مثال عملي: تخيل أن أمعاءك حديقة متوازنة. عند إدخال المحليات الصناعية، فإنك تشبه من يُلقي بمادة غريبة تُخل بهذا التوازن، فتسمح للأعشاب الضارة (البكتيريا المسببة للأمراض) بالنمو على حساب الزهور (البكتيريا المفيدة)، وهذا الخلل ينتقل تأثيره إلى “مدير الحديقة”، أي دماغك.
هل نلوم المُحلي أم النظام الغذائي ككل؟
من السهل شيطنة المحليات الصناعية واعتبارها العدو الأوحد. لكن وجهة نظر أكثر عمقًا تكشف أنها قد تكون مجرد عرض لمشكلة أكبر: اعتمادنا المفرط على الأطعمة فائقة المعالجة. هذه المنتجات غالبًا ما تكون فقيرة بالعناصر الغذائية ومليئة بالمواد المضافة، والمحليات هي إحدى أدواتها لجعلها أكثر جاذبية.
الحقيقة أن المستهلك الذي يختار مشروبًا غازيًا “دايت” بدلًا من الماء، لا يزال يغذي عادة استهلاك الأطعمة المصنعة ذات النكهات القوية. ربما لا يكمن الخطر في المُحلي بحد ذاته بقدر ما يكمن في نمط الحياة الذي يشجع على استهلاكه.
ما القادم في عالم الحلاوة؟
بينما تتزايد المخاوف، يتجه العالم نحو مستقبل أكثر وعيًا. منظمة الصحة العالمية (WHO) نصحت مؤخرًا بعدم استخدام بدائل السكر بهدف التحكم في الوزن، مما يمثل تحولًا كبيرًا في التوصيات الصحية العالمية.
بالنسبة لك كقارئ، هذا يعني أن الوقت قد حان لإعادة تقييم علاقتك بالطعم الحلو. بدلًا من البحث عن بديل “أقل ضررًا”، ربما يكون الحل في تدريب حاسة التذوق لديك على الاستمتاع بالحلاوة الطبيعية في الفواكه والأطعمة الكاملة، وتقليل الاعتماد على الحلاوة المفرطة بشكل عام. صحة دماغك على المدى الطويل قد تكون هي الجائزة الكبرى.
المصدر: دراسة منشورة في مجلة Neurology العلمية
قسم الأسئلة الشائعة
1. هل كل المحليات الصناعية لها نفس التأثير الضار على الدماغ؟
الدراسات تشير إلى أن محليات معينة مثل الأسبارتام، السكرين، والإريثريتول هي الأكثر ارتباطًا بالتدهور المعرفي. ومع ذلك، لا يزال البحث مستمرًا لفهم الفروقات الدقيقة بين الأنواع المختلفة.
2. كيف تؤثر المحليات الصناعية على الجسم إذا كانت خالية من السعرات؟
التأثير لا يتعلق بالسعرات الحرارية، بل بالتفاعل الكيميائي. يمكنها أن تخل بتوازن بكتيريا الأمعاء (الميكروبيوم)، مما يسبب التهابات قد تصل إلى الدماغ عبر “محور الأمعاء-الدماغ”.
3. ما هو البديل الأفضل للسكر والمحليات الصناعية؟
الخيار الأمثل هو تقليل الاعتماد على الطعم الحلو المركز والاتجاه نحو المصادر الطبيعية مثل الفواكه الكاملة. للاستخدام المحدود، يمكن اعتبار العسل الطبيعي أو شراب القيقب بدائل أقل معالجة، مع الانتباه لكمية السكر فيها.