إعلان

في زمن تتسارع فيه وتيرة التقدم التكنولوجي، تظهر أمثلة بسيطة قادرة على هزّ مسلمات اقتصادية رسّختها السياسات النقدية لعقود. من بين هذه الأمثلة، تبرز بطاقة الذاكرة الصغيرة كرمز للثورة الإنتاجية التي تناقض واقع التضخم الذي يثقل كاهل المجتمعات. هذا التقرير يسلّط الضوء على المفارقة بين التقدم التكنولوجي وهشاشة النظام المالي القائم على طباعة المال.


تطور بطاقة الذاكرة كمؤشر للإنتاجية الحقيقية

  • 2005: بطاقة microSD بسعة 128MB وسعر يصل إلى 200 دولار.

  • 2014: بطاقة بسعة 128GB (أي ألف ضعف السعة) وبسعر أقل.

  • 2019: بطاقة بسعة 1TB (قرابة 1000GB) بسعر لا يتجاوز 89 دولارًا.

رغم الحفاظ على نفس الحجم الفيزيائي للبطاقة، تضاعفت السعة بشكل هائل بينما انخفض السعر بصورة حادة. هذا التغير لم يكن نتيجة طباعة مال، بل تحسين في الكفاءة والإنتاجية.

إعلان
تطور بطاقة الذاكرة كمؤشر للإنتاجية الحقيقية

التضخم والانكماش – من المستفيد؟ ومن الضحية؟

التضخم:

  • يخدم من يملك طابعة النقود (أي الحكومات والبنوك المركزية).
  • يؤدي إلى ارتفاع الأسعار وتآكل المدخرات.
  • يعزز أرباح أصحاب الأصول على حساب الموظفين والمدخرين.

الانكماش:

  • يخدم من يملك القيمة الحقيقية.
  • يُخفض الأسعار ويزيد القوة الشرائية.
  • يُفشل النظام القائم على الديون، لذا يُشيطنه الإعلام الاقتصادي.

النظرية الكينزية ونتائجها

  • تقوم النظرية الكينزية على تحفيز الطلب عبر ضخ السيولة (طباعة المال).
  • المشكلة: طباعة المال لا تخلق إنتاجًا حقيقيًا.
  • النتيجة: ارتفاع الأسعار، استنزاف الطبقة الوسطى، وارتفاع غير مبرر في الأصول.

التكنولوجيا تكشف الزيف

  • قطاع التقنية وخاصة الشرائح الإلكترونية يشهد ارتفاعًا سنويًا في الإنتاجية يتجاوز 50%.
  • هذه الزيادة أدت إلى انخفاض أسعار حقيقي رغم السيولة العالمية الهائلة.
  • لو كانت السياسات الاقتصادية تعتمد على الإنتاجية بدلًا من طباعة المال، لما احتجنا لنسبة “تضخم مستهدف” تُفرض على الشعوب.

من الخاسر ومن الرابح؟

الخاسرون:

  • من لا يملك أصولًا (بيوت، شركات، أسهم…)
  • من يعتمد على راتب ثابت.
  • من يدّخر بالعملة الورقية فقط.

الرابحون:

  • الحكومات التي تموّل العجز عبر التضخم.
  • البنوك التي تخلق المال من القروض.
  • أصحاب الأصول الذين ترتفع قيمة ممتلكاتهم مع ارتفاع الأسعار.
  • من يفهم اللعبة ويحوّل نقوده إلى أصول حقيقية.

الدرس المستفاد: الإنتاجية وسحر الانكماش

يرى البعض أن الانكماش – أي انخفاض الأسعار – يمثل فزّاعة للحكومات التي تعتمد على اقتراض الأموال لتغطية العجز في الموازنات. فالانكماش يعني تراجعًا في قيمة الأصول، وانخفاضًا في الإيرادات الضريبية، وبالتالي صعوبة تمويل الديون العامة. لهذا السبب، يتمسك صانعو القرار بنسبة تضخم مستهدف تقارب 2%، وكأنها قانون طبيعي ضروري.

ولكن الواقع يشير إلى أن الانكماش قد يكون مفيدًا عندما يكون ناتجًا عن زيادة حقيقية في الإنتاجية، مثل صناعة الشرائح الإلكترونية التي يضرب بها المنشور المثال. الانكماش هنا ليس ركودًا اقتصاديًا، بل نتيجة تكاليف إنتاج أقل وكفاءة أعلى. وفي عالم تُحدث فيه التكنولوجيا قفزات هائلة، فإن الأسعار تنخفض حتمًا إن لم تتدخل الحكومات بطباعة المزيد من النقود.


التضخم قرار سياسي وليس ظاهرة طبيعية

التكنولوجيا تبرهن أننا قادرون على إنتاج أكثر بتكلفة أقل، مما يؤدي إلى هبوط فعلي في الأسعار. هذا يقوض الرأي السائد بأن التضخم أمر حتمي، ويفضح كيفية تلاعب السياسات النقدية بهدف تمويل الديون أو تحفيز الاقتصاد بشكل مصطنع على حساب المستهلك النهائي.

ومع ذلك، لا ينبغي أن نتجاهل أن الاقتصادات الكلية معقدة بطبيعتها؛ فالقطاعات لا تسير كلّها بالمعدل الإنتاجي الهائل نفسه الذي نشهده في قطاع التكنولوجيا. لكن هذا لا يبرر استمرار الطباعة النقدية بصورة مفرطة، خاصة في دول تفتقر أصلًا إلى بناء صناعي أو زراعي قوي. في النهاية، سيُستنزف دخل الناس ومدخراتهم إذا ظل التضخم يفوق النمو الحقيقي.


الخلاصة: لماذا التضخم قرار سياسي؟

عندما نضع كل هذه المعطيات في الميزان، ندرك أن ارتفاع الأسعار في كثير من الأحيان هو نتيجة مباشرة لسياسة نقدية مبنية على التضخم قرار سياسي، يتيح للحكومات والبنوك المركزية التحكم بالدورة الاقتصادية. التكنولوجيا تكشف هذه الحقيقة حين تنتج زيادة هائلة في الإنتاجية، فتفرض انخفاض الأسعار، مهما ارتفع حجم النقود المطبوعة. وهذا يعيدنا إلى السؤال الجوهري: لماذا لا تعترف الحكومات أن التضخم خيار وليست حتمية؟

الجواب يكمن في مصالح متبادلة، حيث تستفيد الحكومات من تسديد ديونها بعملة منخفِضة القيمة، وتستفيد المؤسسات المالية من الفوائد على القروض، بينما يتحمل الأفراد وخصوصًا المدخرين والعاملين بأجر شهري تكلفة هذا الخيار. لذا فإن الوعي بهذه الحقيقة يساعد الأفراد على اتخاذ قرارات مالية أفضل، من خلال تنويع أصولهم والاستثمار في قطاعات ذات قيمة حقيقية.

شاركها.

منصة شاملة تقدم محتوى متنوعًا يجمع بين الأخبار الحديثة والمدونات التحليلية، بالإضافة إلى إحصائيات دقيقة، واختبارات تفاعلية، ومقاطع فيديو مبتكرة.

إعلان
Subscribe
Notify of
1 Comment
Oldest
Newest Most Voted
تعليقات داخلية
عرض كل التعليقات
5 months ago

[…] اليقين الاقتصادي والسياسي العالمي، خاصة المرتبط بالقرارات […]

إعلان
wpDiscuz
1
0
حابين نسمع رأيك، اترك تعليقك.x
()
x
Exit mobile version