النقاط الرئيسية
- انتشار محتوى مضلل على السوشيال ميديا حول “تنظيم الكورتيزول”.
- استغلال علمي وتسويقي لهرمون التوتر لتحقيق أرباح من المكملات والفحوصات الوهمية.
- خبراء يؤكدون أن اضطراب الكورتيزول الحقيقي نادر جدًا، ويتطلّب تشخيصًا طبيًا فقط.
لم يعد هرمون الكورتيزول، الذي يُعرف علميًا بهرمون التوتر، موضوعًا طبيًا فحسب. فقد تحوّل خلال السنوات الأخيرة إلى أداة تسويقية ضخمة على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث يقدّم بعض الأشخاص أنفسهم كـ”خبراء صحة” يروّجون لمكملات وحميات “تنظّم” الهرمون وتعيد “توازن الجسم”، وكل ذلك مقابل اشتراكات مدفوعة أو رموز خصم مغرية.
لكن خلف هذا البريق التسويقي، تقف خرافات علمية تُباع تحت غطاء “الوعي الصحي”.
ما هو الكورتيزول حقًا؟
الكورتيزول هرمون طبيعي تنتجه الغدد الكظرية، وظيفته الأساسية هي مساعدة الجسم على التعامل مع التوتر وتنظيم مستوى السكر في الدم ودعم المناعة.
يفرز الجسم الكورتيزول وفق إيقاع يومي محدد: يرتفع صباحًا ليمنح النشاط، ثم ينخفض تدريجيًا خلال اليوم.
ويشير الأطباء إلى أن اضطراب هذا الإيقاع بشكل خطير لا يحدث إلا في حالات مرضية نادرة مثل متلازمة كوشينغ (زيادة مفرطة) أو مرض أديسون (نقص حاد). أي أن الغالبية الساحقة من الناس لا تحتاج إطلاقًا إلى “علاج الكورتيزول”.
من الطب إلى التجارة
تحت عناوين براقة مثل “اختبار توتر الغدة الكظرية” أو “كورس تنظيف الكورتيزول”، تنتشر على الإنترنت خدمات مدفوعة تبدأ من بضع مئات إلى أكثر من 1500 يورو، تتضمن فحوصات لعابية ومكملات عشبية أو مشروبات “ديتوكس”.
يصف الأطباء هذا الاتجاه بأنه دجل علمي منظم، هدفه الأول والأخير هو تحقيق الربح.
يقول البروفيسور غيّوم أسييه، المتخصص في الغدد الصماء في باريس، إن “الناس يخلطون بين الإرهاق الطبيعي الناتج عن ضغوط الحياة، وبين أمراض الغدد التي تتطلب تشخيصًا دقيقًا”. ويضيف أن الحديث عن “إرهاق الغدة الكظرية” هو مفهوم غير مثبت علميًا، ولا وجود له في المراجع الطبية الموثوقة.
خطر الوهم الصحي
الخطورة لا تتوقف عند المال المهدور، بل تمتد إلى تشتيت المرضى عن المسار الطبي الصحيح. فحين يعتقد الشخص أن مكملًا عشبيًا قادر على “إعادة توازن الكورتيزول”، فقد يتجاهل أسبابًا نفسية أو عضوية حقيقية للتعب أو القلق.
كما أن بعض هذه الفحوصات “المنزلية” تُجرى دون اعتماد مخبري رسمي، ما يجعل نتائجها عديمة القيمة من الناحية الطبية.
وفي سياق الحديث عن الضغط النفسي وتأثير بيئة الإنترنت، يمكنك قراءة مقالنا حول
الصحة النفسية في عالم الجمال: تأثير السوشيال ميديا وكيف نحافظ على توازننا
الذي يناقش كيف تؤثر الصور والمقارنات الرقمية على سلامنا الداخلي.
الرقابة ضرورة لا ترف
الظاهرة لا تخص الكورتيزول وحده؛ بل تمثل نموذجًا متكررًا لاستغلال مفاهيم طبية مبسطة لجذب الجمهور. ولذلك، يرى خبراء الصحة أن الحل لا يكمن فقط في التوعية الفردية، بل في فرض رقابة رقمية صارمة على المحتوى الصحي، تمامًا كما تُراقَب الإعلانات الدوائية أو الحملات التجارية.
فهناك مسؤولية أخلاقية تقع على عاتق المنصات الكبرى مثل إنستغرام ويوتيوب وتيك توك، لضمان ألا تُقدَّم “المعلومة الطبية” إلا من جهات موثوقة ومعتمدة.
كما يمكن ربط هذه الظاهرة بما تناولناه في مقال
خوارزميات وسائل التواصل الاجتماعي: المخرج الخفي لحياتك الرقمية
والذي يوضح كيف تتحكم المنصات في ما نراه ونشعر به، وأحيانًا حتى في قراراتنا الصحية.
نظرة مستقبلية
في المستقبل، يُتوقع أن تتوسع جهود الحكومات ومنظمات الصحة العالمية في تتبع وملاحقة من يقدّم محتوى طبيًا مضللًا، خصوصًا بعد أن أثبتت الدراسات أن هذه الحملات الرقمية تسببت في سلوكيات صحية خاطئة لدى ملايين المستخدمين. وربما تكون الخطوة التالية هي إنشاء “شارات ثقة طبية رقمية” تميّز المصادر العلمية الحقيقية عن الحسابات التجارية التي تبيع الوهم.
المصدر:
تقرير وكالة فرانس برس، تصريحات أطباء من الجمعية الفرنسية للغدد الصماء + تحليل ميتالسي
