النقاط الرئيسية
- دار أوبرا سيدني افتُتحت رسميًا في 20 أكتوبر 1973 على يد الملكة إليزابيث الثانية.
- استغرق بناؤها 14 عامًا وتجاوزت ميزانيتها الأصلية بأكثر من 14 ضعفًا.
- صممها المهندس الدنماركي يورن أوتسون الذي غادر المشروع قبل اكتماله.
في مثل هذا اليوم، 20 أكتوبر 1973، لم تكن سيدني تحتفل بافتتاح مبنى جديد فحسب، بل بولادة رمزٍ سيغدو لاحقًا عنوانًا لأستراليا نفسها.
دار الأوبرا التي ترتفع أشرعتها البيضاء فوق مياه الميناء، لم تولد بسهولة. فهي ثمرة رؤية طموحة، وصراعٍ سياسي وهندسي طويل، ومع ذلك انتهت إلى أن تكون إحدى أعظم تحف القرن العشرين.
من حلم إلى تصميم غيّر الأفق
في خمسينيات القرن الماضي، كانت سيدني تبحث عن وجهٍ ثقافي حديث يعكس طموحاتها كمدينة عالمية. فأُطلقت مسابقة دولية عام 1956 لتصميم دار أوبرا، وتقدّم إليها أكثر من 200 تصميم من 30 دولة. وبينما كانت لجنة التحكيم على وشك استبعاد أحد المقترحات الغريبة، تدخّل المعماري الأميركي الشهير إيرو سارينن قائلاً: “هذا هو المشروع الفائز”.
كان التصميم الفائز من توقيع المهندس الدنماركي يورن أوتسون (Jørn Utzon)، الذي تخيّل مبنىً يطفو فوق الميناء بأشرعةٍ بيضاء تشبه السفن المبحرة — تصميم بدا في حينه أقرب إلى الخيال منه إلى الواقع.
ملحمة البناء: التحديات التي صنعت المعجزة
بدأ العمل في مارس 1959، لكن سرعان ما ظهرت التحديات. كيف يمكن بناء هذه المنحنيات غير المسبوقة؟
استغرق المهندسون سنواتٍ لإيجاد الحلّ، حتى توصّلوا إلى ما سُمّي بـ “الحل الكروي” (Spherical Solution) — أي تصميم كل قطعة من السقف كمقطع من كرة ضخمة واحدة، مما سمح بتوحيد الأشكال وتنفيذها بدقة مذهلة.
لكن النجاح الهندسي لم يمنع العواصف السياسية والمالية. ارتفعت التكلفة من 7 ملايين دولار إلى أكثر من 102 مليون دولار أسترالي، وتحوّل المشروع إلى قضية وطنية. تفاقمت الخلافات حتى اضطر أوتسون إلى الاستقالة عام 1966، وغادر أستراليا دون أن يرى تحفته مكتملة.
مع ذلك، واصل فريق من المهندسين الأستراليين إكمال المشروع، حتى رُفعت الستارة أخيرًا في أكتوبر 1973.
يوم الافتتاح: لحظة دخلت التاريخ

كان يوم الافتتاح حدثًا عالميًا بكل معنى الكلمة. الملكة إليزابيث الثانية حضرت بنفسها لقصّ الشريط، فيما صدحت القاعات بألحان السيمفونية التاسعة لبيتهوفن.
وخلف تلك المظاهر الاحتفالية، كان التاريخ يُكتب — فالعالم يشهد ميلاد معلمٍ سيصبح علامة أبدية على الخريطة الثقافية.
الأيقونة اليوم: أكثر من مجرد دار أوبرا
اليوم، وبعد مرور أكثر من نصف قرن، لم تعد دار أوبرا سيدني مجرد مسرحٍ للأوبرا. إنها مجمّع فني ضخم يضمّ أكثر من خمس قاعات رئيسية للعروض: من قاعة الحفلات السيمفونية إلى مسرح جوان سذرلاند، بالإضافة إلى قاعات مسرحية واستوديوهات ومطاعم.
ويزورها سنويًا ما بين 8 إلى 10 ملايين شخص، لتصبح أكثر معالم أستراليا زيارةً. وفي عام 2007، تم إدراجها رسميًا على قائمة التراث العالمي لليونسكو، التي وصفتها بأنها “تحفة من روائع الإبداع البشري في العمارة الحديثة”.
الأجمل أن العلاقة بين أستراليا ومهندسها الراحل أوتسون وجدت طريقها إلى المصالحة، إذ كُرّم لاحقًا وأُعيد اسمه إلى قاعات المبنى قبل وفاته.
إرث يتجاوز الحجر
دار أوبرا سيدني ليست مجرد إنجاز معماري؛ إنها قصة إنسانية عن الإصرار والخيال. من مشروع وُصف بالمستحيل إلى رمز وطني خالد، أثبتت أن الجمال يولد أحيانًا من الفوضى، وأن الرؤية الجريئة — مهما بدت جنونية — يمكن أن تغيّر وجه العالم.
وفي ذكرى افتتاحها، تبقى أشرعة سيدني تلمع كل صباح، تذكيرًا بأن الإبداع لا حدود له، وأن الفنّ الحقيقي هو الذي يربط الإنسان بالحلم.
